الجزائر تلجأ إلى ترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا لتخفيف الضغوط الداخلية

أعلنت الجزائر وإيطاليا، الأربعاء، إطلاق مفاوضات رسمية لترسيم حدودهما المشتركة في البحر الأبيض المتوسط، في خطوة يراها مراقبون أن لها خلفيات سياسية أكثر منها اقتصادية.

جاء ذلك خلال زيارة قام بها وكيل وزارة الخارجية الإيطالية، مانليو دي ستيفانو، إلى الجزائر لبحث التعاون بين البلدين، وفق وكالة الأنباء الجزائرية.

ونقلت الوكالة عن شكيب رشيد الأمين العام للخارجية الجزائرية، قوله بعد مباحثات مع المسؤول الإيطالي “قمنا أنا والسيد مانيلو دي ستيفانو بالتشكيل الرسمي للجنة التقنية المشتركة المكلفة بترسيم الحدود البحرية بين الجزائر وإيطاليا”.

وأضاف رشيد أن هذه اللجنة “مدعوة إلى ترسيم الحدود البحرية بين بلدينا، امتدادا للعلاقات السياسية والاقتصادية الممتازة التي تربط الجزائر وإيطاليا منذ القدم”.

وأعرب عن “ارتياح الحكومة الجزائرية” لمباشرة مسار المفاوضات الذي يعد، على حد قوله، “ثمرة التشاور الثنائي المنتظم والقرار السياسي المتخذ على أعلى مستوى بالبلدين، خلال الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، جيوسيبي كونتي، إلى الجزائر” في يوليو الماضي.

فيما قال المسؤول الإيطالي إن تشكيل لجنة ترسيم الحدود هو “مرحلة أساسية، لأن تحديد المناطق الاقتصادية الحصرية لحوض المتوسط لا يمكن أن يمر إلا بالتشاور بين البلدان المجاورة”.

وتابع “إننا نتقاسم فضاء صغيرا ولكنه ثري، وبدل أن يقسمنا البحر يجب أن يجمعنا”.

وواجهت الجزائر اتهامات إيطالية بأنها قامت بترسيم حدودها البحرية بشكل أحادي الجانب.

ويستنتج مراقبون أن تحرك الجزائر في هذا التوقيت للمطالبة بترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا وإسبانيا أيضا، له خلفيات سياسية أكثر منها اقتصادية بحتة، ومنها إلهاء الرأي العام الجزائري بقضايا خارجية لتخفيف الضغط على السلطة من تداعيات حراك الشارع المستمر.

وقال فيديريكو دينكا، الوزير الإيطالي المكلف بالعلاقات مع البرلمان من حركة “نجوم” اليمينية، في وقت سابق، إن “الجزائر، وبموجب مرسوم رئاسي صادر في 20 مارس 2018، أعلنت المنطقة الاقتصادية الخالصة (ZEE) ، وتحديدها مع سلسلة من الإحداثيات الجغرافية”، وفق وسائل إعلام من البلدين.

وأضاف أن “الجزائر قامت بتمديد المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة بـ70 ميلا بحريا، متجاهلة المادة 74 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تلزم الدول في اتفاقية ترسيم الحدود بالتعاون بحسن نية مع الدول المجاورة”.

واعتبر وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، في يوليو الماضي، أن من يروج لوجود مشكلة بين البلدين بسبب الحدود البحرية هي “أحزاب يمينية متطرفة داخل البرلمان الإيطالي، وذلك لأغراض حزبية وشخصية”. ‎

وقال بوقادوم إنھا تتعمد إثارة الموضوع لأغراض سیاسیة داخلیة لا تتعلق بالجزائر من قريب ولا من بعید ، مؤكدا تمسك الجزائر بمبدأ التفاوض كحل لتسوية المسائل الحدودية.

وتنص اتفاقیة الأمم المتحدة لقانون البحار الصادرة في العام 1982، على حق الدولة المطلّة على میاه دولیة في إنشاء مناطق اقتصادية خالصة لاستغلالھا اقتصاديا دون أن تخضع لسیادتھا الساحلیة.

وتحدد الاتفاقیة الأممیة مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة بـ200 میل بحري، وھي تختلف عن المیاه الإقلیمیة التي تمتد لـ12 میلا وتخضع لسیادة الدولة الكاملة علیھا، حیث يحق لھا اشتراط رسوم على السفن للسماح لھا بعبورھا، وحتى الاستهداف العسكري لأي مركبات أجنبیة تقتحمھا.

وتوصي الاتفاقیة بجلوس الدول إلى التفاوض عندما تكون مياهها الإقلیمیة أو مناطقھا الاقتصادية الخالصة متحاذية، وھي حالة الجزائر في إقلیمھا البحري مع كل من إيطالیا وإسبانیا.

وفي مارس الماضي، اتفقت الجزائر وإسبانيا، على التفاوض لحل أي إشكال محتمل يتعلق بترسيم الحدود البحرية، في خطوة اعتبرها البعض محاولة جزائرية لإحداث تقارب مع إسبانيا واستغلال خلافها مع المغرب بعد قراره ترسيم حدوده، لجرّ مدريد لاتخاذ موقف متشدد ضد الرباط.

ويلاحظ مراقبون أن الجزائر، بعدما أقرت وبطريقة أحادية، حدودها البحرية مع إسبانيا في هذه الظرفية، غرضها التمهيد لنفس الأمر مع المغرب لتحديد المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط.

ولا تبدو هذه الخطوة صعبة تقنيا لكنها سياسيا تحتاج إلى توافق واسع، وهو أمر مستبعد في ظل عودة التوتر بين البلدين وفي ضوء التعنت الجزائري في ملف الصحراء المغربية واختيارها دعم جبهة بوليساريو الانفصالية.

ومع إعلان الجزائر والمغرب ترسيم الحدود البحرية مع إسبانيا، بات هناك قلق يساور إسبانيا بسبب عدم التنسيق بين البلدين حسب مراقبين، خصوصا وأن كل طرف سيبرر موقفه بممارسة حقوقه السيادية وولايته القانونية، واستغلال الموارد الطبيعية المكتشفة على جانبي الحدود في إطار ما يسمى المنطقة الاقتصادية الخالصة.

ومسألة الحدود البحرية موضوع خلافي أيضا بين إسبانيا والمغرب الذي زارته غونزاليس لايا في نهاية يناير. ولا يستعبد مراقبون ممارسة الجزائر ضغطا على المسؤولين الإسبان حتى تبدي مدريد موقفا متشددا مع المغرب في هذا الشأن.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: