المغرب: نقابة تحتج على طرد العمال بذريعة الفيروس ورئيس حزب يقول إن الحكومة حولته إلى وسيلة لنشر الخوف وموجة الغلاء تضرب المواد الاستهلاكية

عادت الإصابات بفيروس «كورونا المستجد» إلى الارتفاع في المغرب، حيث بلغت 2227 حسب المعطيات الرسمية التي أعلن عنها عشية الثلاثاء، كما جرى تسجيل 1725 حالة شفاء و34 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة، ليرتفع عدد الوفيات إلى 1889 حالة، ووصل مجموع الحالات الخطيرة أو الحرجة الموجودة حالياً في غرف الطوارئ والعناية المركزة إلى 277 حالة، 47 منها تحت التنفس الاصطناعي الاختراقي.
ومع تطبيق إجراءات الحجر الصحي تأثر الاقتصاد المغربي سلباً، مثلما أكدت ذلك مؤسسات رسمية، كما شهدت أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعاً صاروخياً، ودقت نقابات عمالية ناقوس الخطر حول تأثير الأوضاع على سوق الشغل، فيما واصلت أحزاب سياسية توجيه انتقاداتها إلى الحكومة بشأن كيفية تدبير أزمة الجائحة.

تزايد الإصابات

ما زالت جهة الدار البيضاء ـ سطات تشهد أكبر عدد من الإصابات والوفيات، بحكم كثافتها السكانية العالية واحتوائها على أحياء صناعية عديدة، وهكذا أعلن فيها عشية الثلاثاء عن تسجيل 1002 حالة إصابة جديدة و12 وفاة خلال الـ24، متبوعة بجهة الرباط – سلا – القنيطرة (478 إصابة).
ولم تسلم مدن صغيرة من قرارات الإغلاق نتيجة تطور الأوضاع الوبائية، وفق ما أوردته تقارير صحافية، ففي مدينة خنيفرة (وسط البلاد) قررت السلطات المحلية تشديد إجراءات التنقل بين عدد من أحياء المدينة واعتماد نظام التعليم عن بعد في المؤسسات التعليمية بها، ابتداء اليوم الخميس، وذلك بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (18 حالة جديدة).
كما أعلنت سلطات مدينة جرادة (شرق) عن اتخاذ العديد من الإجراءات الاستثنائية، ابتداء من الثلاثاء ولمدة أسبوع قابلة للتمديد، للحد من انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، وتتعلق تلك الإجراءات بتقييد حركة التنقل من وإلى المدينة، ومنع التجمعات العمومية، وإغلاق المحال التجارية والمطاعم في الساعة العاشرة ليلاً، وإغلاق الحدائق وقاعات الألعاب والقاعات الرياضية، وتقليص الطاقة الاستيعابية للمواصلات العامة إلى النصف.
وفي مدينة ميدلت (في الجنوب الشرقي) ارتفعت حصيلة موظفي ونزلاء دار المسنين المصابين بفيروس كورونا إلى 13 شخصاً، حسب ما أورد موقع «زنقة 20» وأضاف المصدر ذاته أن العدوى انتقلت إلى النزلاء عن طريق مديرة المؤسسة الاجتماعية، وجرى نقل المصابين جميعهم إلى المستشفى الجهوي «مولاي علي الشريف» في الرشيدية لتلقي العلاج. ونقل الموقع المذكور عن مصادر أن خطر تفشي عدوى كورونا في دور المسنين بات أمراً سهلاً، نظراً لأن معظم النزلاء والنزيلات يعانون أمراضاً متعددة كارتفاع ضغط الدم والسكري والزهايمر والقلب وغيرها. وتساءلت الصحيفة الإلكترونية عن سبب غياب وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة عن حماية هذه الفئة الهشة في المجتمع من فتك الوباء القاتل.
وفي مدينة الصويرة، قررت السلطات المحلية إغلاق الميناء مؤقتاً، وتعليق مختلف الأنشطة المرتبطة بقطاع الصيد داخله، بعد تنامي حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في أوساط العاملين.
على صعيد آخر، أفادت صحيفة «المساء» أن مؤسسات تعليمية عمومية أخذت تلزم الأسر بالمساهمة بمبلغ يتراوح ما بين 20 و50 درهماً مغربياً (ما بين دولارين وخمسة دولارات) من أجل اقتناء مواد التعقيم، بعد أن أكدت وزارة التعليم في وقت سابق أن جميع المدارس تتوفر على مستلزمات تنزيل البروتوكول الصحي الذي يفرض ضرورة تعقيم المؤسسات، وتعقيم أيدي التلاميذ، إلى جانب احترام التباعد الجسدي وارتداء الكمامات، بدءاً من المستوى الخامس ابتدائي.

احتجاج واستنكار

أما بخصوص المواقف النقابية والسياسية، فقد أعلن «الاتحاد المغربي للشغل» (أحد أكبر النقابات العمالية في المغرب) عن تنظيم شهر من الاحتجاج والاستنكار، بدأ من 20  سبتمبر ويستمر إلى 20 أكتوبر، احتجاجاً على «طرد العمال والمستخدمين من العمل والهجوم على مكتسبات الطبقة العاملة تحت ذريعة كوفيد 19» كما يأتي الاحتجاج ـ وفق المصدر ذاته ـ ضد الموقف المتفرج والمتواطئ للحكومة، وضد «القوانين التراجعية» من قبيل «مشروع القانون التكبيلي لحق الإضراب ومشروع قانون النقابات».
من جهة أخرى، قال أمين عام حزب «الاستقلال» (المعارض) نزار البركة، إن الحكومة أخفقت في تدبيرها لجائحة «كورونا» على الصعيد الصحي والاقتصادي الاجتماعي، مستدلاً على ذلك بتضاعف أعداد الإصابات والوفيات، وارتفاع مستويات البطالة والفقر بين المواطنين، علاوة على الصعوبات الاقتصادية. وأضاف، في حوار مع موقع «القناة الثانية» أن الحكومة المغربية «حوّلت جائحة كورونا إلى جائحة الخوف من الفقر والبطالة والمرض» وتابع أن الدخول السياسي المقبل يحمل رهانات النهوض بالوضعية الاقتصادية والصحية والاجتماعية في المغرب للتغلب على الأزمة الخانقة التي تمر منها البلاد.
وفيما يتعلق بالانعكاسات السلبية لجائحة «كورونا» على الحياة الاقتصادية المحلية، أفاد بنك المغرب (البنك المركزي) أنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد المغربي بنسبة 6.3 في المئة خلال السنة الحالية. وأوضح في بلاغ صدر أول أمس الثلاثاء، أن ذلك الانكماش راجع للاستئناف البطيء للنشاط الاقتصادي مقارنة بما كان متوقعاً، إضافة إلى القيود التي فرضها الوباء محلياً أو قطاعياً بعد تزايد عدد الإصابات، وكذا مواصلة الإغلاق شبه التام للحدود في وجه المسافرين، وذلك منذ شهر  مارس المنصرم.
وتأثر القطاع السياحي في المغرب كذلك بأزمة «كورونا» حيث أوضحت «مديرية الدراسات والتوقعات المالية» أن خسائر القطاع السياحي الناجمة بلغت 18.3 مليار درهم مغربي (1.976.905.080 دولار أمريكي) خلال السبعة أشهر الأولى من العام الحالي ما يمثل تراجعاً للعائدات بنسبة 44.1 في المئة، وأشارت إلى أن العائدات تراجعت في يوليو بنسبة 90.1 في المئة.
في السياق نفسه، كشفت المعطيات، التي أعلنت عنها أول أمس «المندوبية السامية للتخطيط» (هيئة حكومية للإحصاء والتخطيط الاقتصادي) عن وجود ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الاستهلاكية في المغرب، ولفتت الانتباه إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بنسبة 1.4 في المئة، نتيجة ارتفاع مؤشر الغذاء بنسبة 3.4 في المئة، ومؤشر المواد غير الغذائية بنسبة 0.1 في المئة. ولاحظت الهيئة المذكورة أن الزيادات في المنتجات الغذائية التي سجلت بين شهري  يوليو و أغسطس تتعلق بشكل أساسي بالفواكه والخضار والأسماك والمأكولات البحرية واللحوم والقهوة والشاي والكاكاو، أما بالنسبة للمنتجات غير الغذائية فتتعلق الزيادة بشكل رئيسي بأسعار الوقود والمحروقات.
هذه الزيادة أثارت تعليقات مختلفة في وسائل الإعلام المحلية، حيث أن الغالبية العظمة من الأسر المغربية تواجه ظروفاً عصيبة منذ بداية الجائحة الوبائية «كوفيد 19» ليس فقط بسبب انكماش الدخل الأسري الناتج عن تراجع معظم الأنشطة الاقتصادية للبلاد، والكساد غير المسبوق الذي يضرب منذ أشهر قطاعات حيوية تعيش منها عشرات الآلاف من الأسر كالسياحة التي تراجعت مداخيلها بـ44,6 في المئة والتجارة والخدمات، بل كذلك بسبب ارتفاع كلفة المعيشة وموجة الغلاء التي تأتي تزامناً مع نفقات الموسم الدراسي الجديد.

الدجاج استعاد أجنحته

وبنبرة ساخرة، جاء في افتتاحية صحيفة «المساء» ليوم أمس الأربعاء: «استعاد الدجاج قدرته على الطيران بعد أن قفز سعره من 9 دراهم للكيلوغرام إلى أزيد من 20 درهماً، في ظرف وجيز، وبمبررات تم الاجتهاد في طرزها وتسويقها الإخفاء حقيقية هذا الارتفاع الصاروخي الذي طال مادة أساسية بالنسبة إلى فقراء هذا البلد وعموم مواطنيه». وأضافت الافتتاحية: «موجة الغلاء والزيادات لم تتوقف عند حدود الدجاج، بل تجاوزته إلى فواتير الماء والكهرباء، والخضار والفواكه، وعدد من المواد والسلع التي عرفت أثمنتها ارتفاعاً يأتي في سياق اجتماعي مأزوم جداً بفعل تداعيات وباء كورونا الذي وجه ضربة قاصمة إلى ميزانية ملايين الأسر، وصار يهدد بجر أزيد من مليون مغربي إلى قاع الفقر». ولاحظت الصحيفة نفسها أن «موجة الغلاء، التي تعمل اليوم على استنزاف ما تبقى من قدرة شرائية لدى المواطنين، تتزامن، أيضاً، مع حالة الكساد شبه التام الذي تعرفه عدة قطاعات، وأيضاً مع حالة الركود التي تلاحق ملايين التجار والحرفيين ممن صاروا يعملون فقط من أجل سداد واجبات الكراء وفواتير الماء والكهرباء والضرائب». ودعت «المساء» الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها «ليس بمنطق اللامبالاة أو الهراوات كما تفعل دائماً» بل عليها أن تساهم في «تخفيف العبء عن المغاربة، وإطفاء نار الغضب الشعبي الذي يضطرم في الصدور» على حد تعبير الصحيفة نفسها.
ولمواجهة التداعيات المالية لجائحة «كورونا» دعا وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، الولاة والمحافظين وعمداء المدن ورؤساء الجهات إلى صرف المال العام على الأولويات الضرورية والمشاريع المستعجلة. وحسب موقع «زنقة 20» فقد توجّه الوزير بخطاب التقشف إلى المسؤولين الإقليميين خلال وضعهم مُوازنات السنة المقبلة. وكشف خطاب تعميم وزاري، أعلن عنه أول أمس، أن تأمين أجور الموظفين والأعوان المحليين يبقى على رأس الأولويات، كما نبّه التعميم رؤساء المجالس المحلية إلى ضرورة صرف المال العام على المشاريع التي اكتملت شروطها، بالإضافة إلى المشاريع التي دشنها العاهل المغربي محمد السادس.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: