تركة بوتفليقة تتصدر حملة الدعاية للدستور الجديد في الجزائر
عاد الوعاء الانتخابي للرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة بقوة إلى الواجهة السياسية، من خلال مساعي التموقع في المشهد الجديد، واستعراض خدماته أمام السلطة لإنجاح مرور مشروع الدستور الجديد المهدد بمقاطعة شعبية نتيجة استمرار القبضة الحديدية بين السلطة والشارع، لاسيما وأنه أبدى قدرة فائقة على التلون مع جميع الأوضاع.
وأطلق عشرات الناشطين ورؤساء الجمعيات والتنظيمات المدنية، تحالف “المسار الجديد”، في خطوة لإبراز خدمات أصحابه على السلطة التي تستعد لتنظيم استفتاء شعبي على الدستور الجديد في الفاتح من شهر نوفمبر القادم، وبصدد حشد الشارع للمشاركة القوية فيه.
ووسط مخاوف من المقاطعة الشعبية للاستحقاق الدستوري، بناء على تجارب سابقة تحولت إلى تقليد سياسي في البلاد، نتيجة ما يوصف بـ”استقالة الشعب من الممارسة السياسية”، يتسابق عدد من التنظيمات والرموز المحسوبة على نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، على التموقع من جديد في المشهد.
ورغم حاجة السلطة للوعاء الانتخابي، من أجل ترقية أزمة الشرعية التي تلاحقها، بسبب المقاطعة الكبيرة للانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر الماضي، إلا أن تركة النسخة السابقة للنظام، باتت تشكل عبئا عليها، قياسا بنفور الشارع منها وعدم قدرتها على الصمود أمام زحف الحراك الشعبي، مما اضطرها إلى الاختفاء طيلة الأشهر الماضية.
وقفزت إلى واجهة المشهد السياسي الجزائري، العديد من التنظيمات والتحالفات الراغبة في مساعدة السلطة على تمرير مشروع الدستور الجديد، فبعد ميلاد تحالف قوى الإصلاح الوطني، ظهرت خلال الأيام الأخيرة العديد من التنظيمات الأهلية، استجابة لدعوة السلطة لتأطير وتعبئة المجتمع المدني كقوة شريكة لها.
وذكر ناشطون في تحالف “المسار الجديد”، في ندوة احتضنها فندق “الجزائر”، بأن “المبادرة فتحت النقاش عبر خمس ورشات تتمثل في الإصلاح السياسي، الإصلاح الاقتصادي، الإطار التشريعي لمرافقة مضامين مشروع تعديل الدستور، ملف البيئة، وفعاليات المجتمع المدني”.
وسمحت الندوة بعودة ما كان يعرف بـ”الاتحاد العام للطلبة الجزائريين”، الموروث عن العقود الماضية إلى الواجهة، كغيره من التنظيمات الأخرى كاتحاد النساء والفلاحين والعمال والشبيبة الجزائرية، وهي تنظيمات سايرت السلطات المتعاقبة على قيادة البلاد، واضطرت إلى التواري عن الأنظار خلال ذروة الحراك الشعبي في 2019 و2020، بسبب رفضها الشعبي.
وصرح الأمين العام للاتحاد منذر بودن، المحسوب على حزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة، بأن “مبادرة المسار الجديد تتويج لجهود العديد من الشباب من مختلف التيارات ونشطاء من الحراك الشعبي، هدفها توحيد وجهات النظر والالتفاف حول خارطة طريق موحدة للنهوض بالوطن”.
وأضاف “المشاركون في الندوة، لا يسعون إلى خدمة توجهات سياسية بعينها بدليل أن بعض التوصيات لا تتوافق مع الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها بعض المشاركين، ما يؤكد استقلالية المبادرة، وأن الهدف منها هو استرجاع الثقة في ممارسة العمل السياسي، وبعث روح النشاط في الحركة السياسية المغيبة منذ أشهر”.
وألمح الناطق الرسمي للجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات علي ذراع، من خلال تصريحه بسعي “اللجنة إلى إنجاح الاستحقاق وتحقيق مشاركة واسعة”، إلى مخاوف لدى المؤسسات القائمة على الاستفتاء الشعبي من مقاطعة محتملة، وعدم قدرة السلطة على حشد الشارع.
وأثارت عودة التركة الجمعوية للرئيس السابق إلى الواجهة، سخط الشارع واستياءه، وهو ما تم التعبير عنه في شبكات التواصل الاجتماعي، في ظل غياب تكافؤ الفرص بين المؤيدين للدستور والرافضين له، وللمقاطعين أصلا لأجندة السلطة، حيث حذر العديد من الناشطين من عودة من وصفوهم بـ”الانتهازيين والمتطفلين القادرين على التلون مع جميع الوضعيات”، في إشارة إلى الجمعيات والتنظيمات والنقابات والتحالفات الجديدة.
ويراهن الرئيس عبدالمجيد تبون، على ما أسماه بـ”المجتمع المدني”، ليكون شريكا للسلطة وبديلا للأحزاب السياسية، حيث أفرد له مستشارا خاصا في رئاسة الجمهورية اضطلع منذ عدة أسابيع بمهمة حشد النسيج الجمعوي وتوسيعه ليشمل أكبر عدد من مختلف الفئات، وهي المهمة التي أوكلت للنائب البرلماني نزيه برّمضان، من جبهة المستقبل الموالية للسلطة.
وأوحت مستجدات الساحة، بأن التعامل مع الوثيقة الدستورية الجديدة بات في حكم المحسوم، في ظل توجه السلطة الى مراجعة قانون الانتخابات، قبل أكثر من شهر عن موعد الاستفتاء، ودون انتظار نتائج الاقتراع ولو شكليا، لتبرير مباشرة تجسيد مخرجاته.
وعين الرئيس تبون، مجددا الخبير الدستوري أحمد لعرابة، على رأس لجنة مراجعة الانتخابات، من أجل تكريس ما أسماه بـ”فصل المال عن السياسة”، والوصول إلى مؤسسات معبرة عن إرادة الناخبين، رغم اللغط الذي أثارته هذه الشخصية لدى قطاع عريض من الجزائريين، بسبب النسخة النهائية للدستور الجديد.