الاستفتاء على الدستور الجزائري .. اختبار للرئيس وللمعارضة
يصوّت الجزائريون في شهر نوفمبر القادم على دستور جديد للبلاد، في خطوة تمثّل اختبارا للرئيس عبدالمجيد تبّون وللمعارضة الجزائرية، فبالنسبة للرئيس تبون يمثل إقرار الدستور بداية جديدة خاصّة إذا نجح في بلوغ موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور دون غضب شعبي وعودة الاحتجاجات.
أما بالنسبة للمعارضة فسوف يظهر الاستفتاء على الدستور حجم النفوذ الذي لا تزال تتمتع به الحركة بعد أن أنهت احتجاجاتها حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي استمر 20 عاما وإن فشلت في تحقيق طموحاتها في تغيير أكبر، وهامش حرية أوسع.
وكان الحراك الشعبي قد علّق احتجاجاته الأسبوعية المطالبة بتغيير النخبة الحاكمة بالكامل إثر تفشي وباء فايروس كورونا في البلاد منذ مارس الماضي.
وقال عبد العزيز جراد رئيس الوزراء الذي عينه تبون في يناير أمام البرلمان في الآونة الأخيرة إن الاستفتاء ينبغي أن يكون يوم توافق بين كل الجزائريين.
ويتفق هذا الكلام مع خطاب تبون الذي يعتبر المظاهرات الشعبية لحظة تجديد وطني أطاحت بالمسؤولين الفاسدين وانتهت الآن بتحقيق غاياتها.
وقال عبدالحميد سي عفيف وهو من كبار أعضاء الحزب الحاكم إن ما يطالب به الحراك متضمن في الدستور الجديد ومن المهم إقراره.
غير أن شخصيات بارزة في الحراك لا تنظر للأمور من زاوية نظر الرئيس تبون، والموالين للنظام، فقد كان هدف الحراك الرئيسي إبعاد جيل المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال عام 1963 عن السلطة بالكامل مع الشخصيات العسكرية والأمنية التي يقولون إنها تمسك من وراء الستار بزمام الأمور.
وكان المحامي مصطفى بوشاشي، وهو ناشط جزائري بارز ضمن حراك التغيير، قد اعتبر أن “الدستور في نهاية المطاف يكرس نظاما غير ديمقراطي حيث يعطي صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية”، فهو يتدخل في السلطة القضائية بتعيين القضاة ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ويعين في المناصب المدنية والعسكرية دون استشارة أية جهة”.
ومن جانبه، يرى إسلام بن عطية، أحد النشطاء في الحراك، أن الدستور لن يحقق شيئا يذكر من مطالب الحركة ويعتبر وسيلة لتحييدها.
وقال “ما نعيشه اليوم هو حالة انسداد والدليل هو غياب التوافق حول أسمى وثيقة وهي وثيقة الدستور والذي سيعرض للاستفتاء دون أي حوار حقيقي بل هي وثيقة لم تخضع لشروط التوافق الحقيقي”.
وتنامى قلق ناشطي الحراك من توغل السلطة واستبدادها، الثلاثاء، عندما أكدت محكمة استئناف سجن الصحفي خالد درارني وإن خففت حكم السجن من ثلاث سنوات إلى سنتين بسبب دوره في الاحتجاجات.
ودخل السجن أيضا عدد من أنصار الحراك البارزين. ويرى الحراك في ذلك علامة على أن السلطات لن تسمح باستئناف أي شكل من أشكال الاحتجاجات، وربما تقمع كل أشكال التعبير عن الرأي.
ويبدو أن أنصار الحراك حائرون بين السعي لخروج المظاهرات إلى الشوارع من جديد والبحث عن وسائل أخرى لنصرة قضيتهم وتحقيق مطالبهم.
الإقبال على التصويت هو الفيصل
يمنح الدستور الذي اقترحه تبون البرلمان المزيد من السلطات للتدقيق في أعمال الحكومة، ويمنع الرئيس من تولي الرئاسة لأكثر من فترتين.
وقد تم إقرار الدستور في تصويت برلماني رغم معارضة الحراك وعدد من نواب البرلمان عليه. فقد قال لخضر بن خلاف أحد كبار أعضاء حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي “نحن كنواب جبهة العدالة والتنمية رأينا بأننا لسنا معنيين بالتصويت على هذه الوثيقة لأنها لا تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري وكذلك الطريقة التي مررت بها ليست الطريقة التي تمرر بها سائر القوانين من قبل.”
ويعتبر كثيرون ممن خرجوا للمشاركة في الاحتجاجات أن الدستور ليس هو محل الخلاف على أي حال إذ أن المهم بالنسبة لهم ليس القوانين وأسلوب صياغتها وإنما المشكلة فيمن يطبقها والأسلوب الذي يطبقها به.
وتشير الأوضاع العامة في البلاد إلى أن الاستفتاء في نوفمبر سيتشابه كثيرا مع التصويت الذي أجري في ديسمبر عندما انتخب تبون.
وكان الحراك قد عارض التصويت في ذلك الحين أيضا وقال إنه لا يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة إلا بعد إبعاد النخبة الحاكمة عن السلطة وابتعاد الجيش عن السياسة.
إلا أن تبون حصل على أغلبية وإن كانت نسبة الإقبال قد بلغت 40 في المئة فقط حسب الأرقام الرسمية.
وفي الوقت نفسه أصدرت المحاكم أحكاما بسجن عدد من كبار المسؤولين بتهم فساد، وتوفي قائد الجيش ألذ خصوم بعض المحتجين بأزمة قلبية، مما سمح ذلك لتبون بتقديم إدارته كفريق إصلاحي جديد، رغم أن بعض المحتجين رفضوها، كما سمح له بطرح الاستفتاء باعتباره المرحلة التالية في عملية الإصلاح.
وقال المحلل السياسي فريد فراحي “إذا كان الإقبال مرتفعا فسيمنح ذلك تبون القوة السياسية اللازمة للتحرك للأمام”.
وفي الشارع الجزائري ليس من الواضح ما إذا كان عدد كبير من الناخبين الجزائريين سيقبلون على التصويت.
وقال سائق سيارة الأجرة محمد خلافي (29 عاما) الذي لم يعمل منذ شهور بسبب قيود فايروس كورونا إن تحسين ظروف المعيشة يجب أن تكون له الأولوية، موضحا أنه لا يعبأ بالسياسة أو بالتصويت وإنما يشغله الحصول على لقمة العيش.
وكانت الرئاسة الجزائرية أعلنت، في 24 أغسطس الماضي، أن الأول من نوفمبر المقبل، وهو الذكرى الـ66 للثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954، موعد لتنظيم استفتاء شعبي حول مشروع تعديل الدستور.
وهي خطوة يرى متابعون أنها ستحافظ على نفس نظام الحكم الأحادي الشمولي الذي لا يؤمن بحق المواطنين بالمشاركة في بناء جزائر جديدة.