مسار أوروبي شاق لتجاوز الانقسامات بشأن الهجرة

بعد خمس سنوات من موجة هجرة غير مسبوقة شهدتها أوروبا سنة 2015، لا يزال الاتحاد الأوروبي غارقا في انقساماته السياسية بشأن ضبط استراتيجية أوروبية موحدة بشأن استقبال اللاجئين، ففي وقت تطالب فيه إيطاليا واليونان البوابتان الرئيسيتان للهجرة بتعديل نظام دبلن المثير للجدل الذي يثقل كاهلهما، تتوجس دول فيسغراد (بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا) المحصنة نسبيا من تدفق المهاجرين من انعكاسات مثل هذه الخطوة على التوازنات الأمنية والاجتماعية.

بروكسل- أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الأربعاء أن المفوضية تريد “إلغاء” ما يسمى بنظام دبلن الذي يحمّل أول بلد يدخله المهاجر مسؤولية طلبه للجوء، في خطوة يسبقها تحفظ دول فيسغراد ( بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا) ما يضع تبني الاتحاد الأوروبي للمقترح بعيد المنال.

ويستوجب التصديق على المقترح موافقة جميع الدول الأعضاء الـ27 وهو ما لم يتوفر حتى الآن، فيما يستبعد دبلوماسيون في الوقت الراهن على الأقل، إيجاد صيغة توافقية بشأن استراتيجية “منصفة” للهجرة تكون لجميع الدول الأعضاء.

وقبل أسبوع من تقديم تعديل منتظر لسياسة الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة، قالت فون دير لايين “يمكنني أن أعلن أننا سنلغي إجراء دبلن ونستبدله بنظام أوروبي جديد لإدارة الهجرة.. ستكون هناك آلية جديدة قوية للتضامن”.

وبعد زيادة قصوى في عدد طلبات اللجوء التي بلغت 1.26 مليون في 2015، تراجع عدد المهاجرين الواصلين إلى السواحل الأوروبية بشكل ملحوظ. لكن الأوروبيين لا يزالون يتعثرون أمام إصلاح نظام دبلن، لتفادي أن تظل الدول التي تشكل محطات الوصول الأولى تتحمل عبء الهجرة دون تكافل الدول الباقية.

ولا تزال الحكومات الأوروبية تسعى إلى التوافق على نظام جديد للهجرة، بدل نظام دبلن القائم الآن، لتجنب المساومة والاتهامات المتبادلة في كل مرة يتجه فيها قارب شمالا، حاملا مهاجرين إلى أوروبا بحثا عن لجوء.

وفي الوقت الحاضر، ينص نظام دبلن على أنه يجب على طالبي اللجوء تقديم طلباتهم في الدولة التي يصلون إليها أولا في الاتحاد الأوروبي وهو نظام يضع اليونان وإيطاليا وإسبانيا ومالطا تحت ضغط كبير.

وتطالب إيطاليا واليونان بتوزيع آلي للمهاجرين بحرا حتى إيجاد صيغ بديلة، فيما ترفض دول فيسغراد هذا المقترح التي تقول إنه غير منصف.

وتقترح المفوضية الأوروبية أن يتم توزيع طالبي اللجوء بشكل آلي على دول الاتحاد الأوروبي، لكن دولا مثل المجر وبولندا تعارض بشدة هذه الخطة، مدعومة من النمسا، فيما تطالب إيطاليا على العكس بنظام توزيع دائم.

الأوروبيون لا يزالون يتعثرون أمام إصلاح نظام دبلن

ويراد لآلية التوزيع الآلي التي طالبت بها بإلحاح إيطاليا متهمة شركاءها بعدم دعمها في مواجهة تدفق المهاجرين، أن تكون مؤقتة في انتظار إعادة التفاوض على اتفاق دبلن الذي يوكل التعاطي مع طلبات اللجوء إلى البلد الذي يصل إليه المهاجر.

واعتبرت هذه القاعدة (نظام دبلن) ظالمة لأنها تضع، لأسباب جغرافية محضة، عبء الاستقبال على إيطاليا واليونان وإسبانيا ومالطا البوابات الرئيسية لدخول المهاجرين إلى أوروبا.

وتريد المفوضية الأوروبية تعديل نظام اللجوء الذي يعاني من ضغوط كبيرة بسبب تدفق المهاجرين، في خطوة تتطلب دعما من غالبية الدول الأعضاء بالاتحاد وكذلك غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي.

إلا أن مجموعة فيسغراد ترفض مقترحات المفوضية الأوروبية، بينما ترى روما وأثينا اللتين تطالبان على غرار البرلمان الأوروبي بتقاسم أعباء الاستقبال بشكل دائم وليس في فترات الأزمات، أن هذا الإجراء جيد لكنه غير كاف.

ويرى مدير المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج ديدييه ليشي أن هذه الخطة لا تحلّ كل الثغرات و أنه “لا يمكن أن تكون هناك سياسة أوروبية مشتركة من دون معايير مشتركة لقبول طلبات اللجوء”.

وتدافع ألمانيا، التي تترأس الاتحاد الأوروبي، عن موقف قريب من المفوضية الأوروبية وهي أن تظل مسؤولية طلب اللجوء أساسا لدى بلد الوصول عدا في فترات الأزمات وعندها لا بد من القيام بإعادة إيواء قسري في إطار إجراءات التضامن.

وفي يونيو الماضي، أعربت النمسا عن دعمها للخطة الألمانية بشأن إجراء مراجعة أولية لطلبات اللجوء عند الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ما اعتبر على نطاق واسع تراجعا نمساويا عن الموقف المتشدد حيال خطط تنظيم الهجرة واللجوء، لكنه يظل غير كاف للتوافق حول خطة أوروبية مشتركة تستوجب موافقة جميع الأعضاء الـ27.

نظام دبلن يحمّل أول بلد يدخله المهاجر مسؤولية طلبه للجوء وهو ما يضع اليونان وإيطاليا تحت ضغط كبير

وقال وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر“ أرى أنه من المهم تنفيذ إجراءات سريعة عند الحدود الخارجية مباشرة”.

وتدعم النمسا نظام لجوء أوروبي “عادل ومقاوم للأزمات”، ما يتطلب تضامنا ملزما ومرنا أيضا في تأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير المنظمة وذلك عبر حماية اللاجئين بالقرب من دولة المنشأ بقدر الإمكان.

وفي وقت سابق كشفت مفوضية الهجرة في الاتحاد الأوروبي أنها عكفت على استكشاف خيارات بشأن ”برنامج إنزال” سيتم بموجبه نقل المهاجرين الذين يقع إنقاذهم في عرض البحر إلى مواقع في شمال أفريقيا، حيث سيتم النظر في طلباتهم الخاصة باللجوء، لكن هذا الخيار سرعان ما تضاءل مع رفض دول شمال أفريقيا استقبال طالبي اللجوء رغم حزمة الحوافز المالية الهامة التي اقترحتها بروكسل على الدول المستضيفة.

ويرى محللون أن مثل هذا النهج سيتيح للمسؤولين تقييم ما إذا كان المهاجرون مؤهلين لأن يصبحوا لاجئين قبل أن تطأ أقدامهم الاتحاد الأوروبي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: