الحكومة الجزائر تسابق الزمن من أجل استفتاء شعبي بلا احتجاجات
لم تغب مخاوف السلطة من بوادر عودة الاحتجاجات السياسية إلى الشارع الجزائري، ويتم الرهان على عامل الوقت، من أجل الوصول إلى موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور دون غضب شعبي، وهو ما يقابله حث للخطى في المعسكر المقابل بغية العودة إلى الاحتجاج للتأكيد على رفض أجندة السلطة والتمسك بالمطالب الأساسية.
وأجّل القضاء الجزائري النظر في محاكمة قياديين بارزين في الحراك الشعبي إلى نهاية شهر أكتوبر القادم، وهما الناشط السياسي ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي كريم طابو، المتواجد في حالة إفراج مؤقت، والإعلامي المسجون خالد درارني.
وقررت المحكمة تأجيل محاكمة المعارض السياسي كريم طابو إلى 26 أكتوبر، استجابة لطلب هيئة الدفاع، بحسب ما صرح المحامي عبدالله هبول للصحافيين أمام مدخل محكمة القليعة. وشوهد طابو وهو يغادر المحكمة بعد تأجيل قضيته.
حملة الاعتقالات في حق الناشطين السياسيين والمدونين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي لا زالت مستمرة
وكريم طابو، أحد أكثر الوجوه شعبية في الحراك المناهض للنظام، مَثُل حرّا الاثنين أمام محكمة القليعة غرب الجزائر العاصمة. أما خالد درارني المعتقل منذ 29 مارس فسيعرف الثلاثاء ما إذا كان سيبقى في السجن أم لا، عند صدور حكم الاستئناف.
وسيتزامن التاريخ المحدد مع الأيام الأخيرة التي تفصل البلاد عن موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد المحدد في الفاتح من نوفمبر القادم، الأمر الذي يرشحه لأن يكون ورقة سياسية قد تلعب في الأنفاس الأخيرة قبيل الموعد من أجل ربح صمت الشارع وتمرير الاستحقاق بعيدا عن الصخب السياسي.
ويتضمن الملف أسماء كل من كريم طابو، سمير بلعربي وسليمان حميطوش، فضلا عن خالد درارني، الذين تجمعهم تهم إحباط معنويات الجيش والمساس بسلامة الوحدة الوطنية، وفيما استفاد الثلاثة الأوائل من قرار الإفراج المؤقت في وقت سابق بإيعاز من الرئيس عبدالمجيد تبون، فإن الأخير لا يزال سجينا في ظروف صحية صعبة أثارت دعوات محلية ودولية لإطلاق سراحه.
ولأن تجربة الانتخابات الرئاسية المنتظمة في الـ12 من ديسمبر الماضي، شابتها ظروف استثنائية بسبب الاحتجاجات الرافضة التي أحاطت بها، وأضرت بشرعية الرئيس المنتخب، لا تريد السلطة تكرارها خلال الاستحقاق الدستوري، فإنها توظف جميع الأوراق المتاحة لديها، بما فيها إمكانية افتعال إجراءات تهدئة كأن يكون تبرئة الناشطين المذكورين وإطلاق سراح الإعلامي درارني، في التاريخ المذكور الذي سبق الموعد بأيام قليلة.
في المقابل يحشد الفاعلون في الحراك الشعبي جهودهم من أجل جمع أنصارهم وكسر الحصار المفروض عليهم طيلة أشهر تعليق الاحتجاجات، وذلك عبر محاولات متكررة للعودة إلى الميدان، وكان آخرها المسيرة الشعبية الكبيرة التي انتظمت في باريس الأحد، أين تم التعبير عن التمسك بالمطالب الأساسية للحراك الشعبي، والتنديد بما سمي بـ”تواطؤ الإليزيه مع السلطة الجديدة في الجزائر”.
وجاء ذلك بعد احتجاجات معزولة شهدتها عدة مدن جزائرية الجمعة الماضي، حيث نظم عشرات من المحتجين مسيرات شعبية معزولة في مدن المدية وبجاية والبويرة ومستغانم وعنابة وتيزي وزو، لكنها لم تحقق الصدى المنشود، في ظل غياب إجماع وتعبئة منظمة لعودة منتظرة للاحتجاجات بنفس صخب الأشهر التي سبقت جائحة كورونا.
وفيما نفى وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر، في تصريح إعلامي “وجود سجناء رأي” في بلاده، وجهت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي، السلطة بالاستمرار في حملة التوقيفات والسجن في حق الناشطين المعارضين، رغم محاولات الظهور في ثوب التهدئة مع الشارع.
وذكرت في بيان لها أن “أكثر من 50 ناشطا لا زالوا في السجون، بسبب مواقفهم السياسية، وأن حملة الاعتقالات في حق الناشطين السياسيين والمدونين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي لا زالت مستمرة، وأن القضاء لا زال يصدر أحكامه في حق هؤلاء دون تبرئتهم”.
وكانت منظمات حقوقية ومهنية محلية وإقليمية ودولية، قد وجهت انتقادات شديدة للسلطات الجزائرية، على خلفية ما وصفته بـ”الحكم القاسي” على الإعلامي خالد درارني، الذي يقضي عقوبة ثلاث سنوات سجن نافذة، وحذرت منظمة مراسلون بلا حدود، تجاهل السلطة لدعوات إطلاق سراحه الفوري، وحملتها مسؤولية أي ضرر يلحقه في السجن، بعد ظهوره في وضع صحي غير مطمئن.
ومن المرتقب أن يعرف الصحافي خالد درارني (40 سنة)، الذي تحول إلى رمز للنضال من أجل حرية الصحافة، قرار محكمة الاستئناف بعد محاكمته الثلاثاء الماضي.
سيتزامن التاريخ المحدد مع الأيام الأخيرة التي تفصل البلاد عن موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد المحدد في الفاتح من نوفمبر القادم
وفي 10 أغسطس، صدر حكم بالسّجن ثلاث سنوات مع النفاذ وغرامة تبلغ خمسين ألف دينار (330 يورو) بحقّ درارني، مدير موقع “قصبة تريبون” ومراسل قناة “تي.في-5 موند” الفرنسيّة ومنظّمة “مراسلون بلا حدود” في الجزائر، بتهمتي “المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر غير المسلح”.
وتمّ توقيفه عقب تغطيته في السابع من مارس في العاصمة تظاهرة للحراك. وهو متهم أيضا بانتقاد السلطة السياسية عبر صفحته على فيسبوك.
وفاجأ الحكم القاسي زملاءه الصحافيين الذين شكلوا لجنة للدفاع عنه في الجزائر وفي الخارج وخصوصا في باريس حيث تجمع مئات منهم الأحد للمطالبة بالإفراج “الفوري” عنه نظرا لوضعه الصحّي “المقلق”.
وخلال جلسة الاستئناف في الحكم بالسجن ثلاث سنوات الصادر على درارني، عاودت النيابة طلب السجن أربع سنوات وغرامة ماليّة بقيمة 50 ألف دينار (330 يورو). ولا يكاد يمر يوم من دون توقيف ناشطين من الحراك أو معارضين أو صحافيين أو مدونين، أو محاكمتهم أو ملاحقتهم وفي بعض الأحيان سجنهم.