الجوع والفقر والإصابات تحد صعب أمام الحجر الصحي في المغرب

الموجة الثانية من جائحة كورونا ضربت عاتيةً في المغرب، ورغم أن الأرقام مهولة فإن هنالك صعوبات في تطبيق الحجر الصحي في البلاد، كما كان الحال في مارس الماضي، والذي شهد تطبيقًا تامًا للحجر، إلا لمامًا، أما اليوم فثلاثة أضلاع تحاصر الحجر الصحي: الفقر والجوع والإصابات.
الحال صعب على الفقراء الذين يقرص الجوع أمعاءهم، كما يقولون، والصور المنتشرة توثق خروج المواطنين من الأسوار التي وضعتها قوات الأمن لمنع تنقلهم، وفي حي «التقدم» شرقي العاصمة الرباط لم يعد السكان يخاتلون رجال الشرطة الذين يحرسون الحواجز، بل زاد الأمر حدةً.
سكان هذا الحي الشعبي، من الباعة الجائلين ونساء النظافة وعمال المتاجر، اقتحموا السياج للخروج بحثًا عن بعض المال في معظم المناطق المركزية في الرباط.
وإذا كان البعض يرى ذلك جهلًا وغباءً في تعليقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن البعض يرى جرأة سكان «التقدم» في بلد تتصرف فيه قوى الأمن بقوة «خطورة الأزمة الاجتماعية التي يمر بها المغرب» حيث وصلت حالة الطوارئ الصحية إلى سبعة أشهر.

تمديد حالة الطوارئ!

وتم تمديد «حالة الطوارئ الصحية» مرة أخرى من قبل الحكومة حتى الـ10 من أكتوبر، وعلى الرغم من أن مرسومًا أكثر صرامة صدر عن السلطات إلا أن أرقام إصابات الوباء في المغرب ليست جيدة، يوم الجمعة، تم كسر رقم قياسي جديد، بـ2430 إصابة، انخفض يوم الأحد قليلًا إلى 2251 «وهو رقم ينذر بالخطر تقريبًا» وفق خبراء في الأوبئة تحدثوا إلى «القدس العربي».
«في الشهرين الأخيرين لاحظنا ارتفاعًا مهولًا في أرقام عدد حالات الإصابة بالفيروس، وهي أرقام مقلقة، نظرًا لعدد الحالات التي تم الكشف عنها بدون أعراض، أو بأعراض خفيفة» يقول الدكتور لعروصي كزوم، لعروسي كزوم، أخصائي علم الأوبئة للصحة العامة.
هذه الأرقام وفق الخبير الوبائي «من المحتمل أن يكون لها ضحايا، لأن نسبة الفتك في المغرب تحوم ما بين 1.6 إلى 02 بالمئة، وستبقى مصاحبة لحالات الإصابة، وذلك ما قد ينهك العرض الصحي، خاصة أسرة الإنعاش، خصوصًا أن النظام الصحي في المغرب هش».
واعتبر الدكتور كزوم أن «القلق القادم هو بشأن التكفل بالحالات الحرجة التي تعرف هي الأخرى تصاعدًا، والخوف المستقبلي هو الخصاص في العرض الصحي الذي يشمل البنيات الصحية والموارد البشرية في المستشفيات، فإذا تفاقمت الأوضاع، خرجت الأمور عن السيطرة».
وحسب الدكتور أخصائي علم الأوبئة، فإن من بين الأسباب «نهاية التمدرس (التعليم) والعطل وفترة العيد التي رافقت رفع الحجر الصحي، وبالتالي تنقلات بين المدن، إضافة إلى تراخي الناس في ما يخص الوقاية الصحية، أو ما نسميه الوسائل الحاجزية، فكان من الطبيعي ارتفاع الأرقام».
ويشير كزوم إلى أن الارتفاع يرجع أيضًا إلى «حالات الكشف المبكر للمخالطين التي تقوم بها السلطات الصحية وللكوادر الصحية التي شكلت بؤرًا في الأوساط المهنية في مجموعة مدن طنجة والدار البيضاء، العرائش، أكادير والعيون والداخلة مؤخرًا».

زيادة في عدد المصابين

ويقول المحلل السياسي المغربي، كريم عايش، لـ«القدس العربي»: تميزت أعداد المصابين بكورونا في الشهرين الأخيرين بالتصاعد واتساع رقعتها الجغرافية، ومعها تصاعد التساؤل عن ارتباطات الإصابات بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة، وما لهذين الأخيرين من أهمية بالغة في تنمية المغرب وتحقيق مشاريعه الكبرى وطموحاته، ولم يعد غريبًا على المطلع على الشأن العام أن يفهم مدى ارتباط حياة كل المغاربة ببعضهم البعض، فالروابط الاجتماعية هي أيضًا روابط اقتصادية وصناعية، تدفع بالجميع على طريق التنمية والتقدم.
ويفسر عايش انتشار الفيروس التاجي بهذا الكم في المغرب قائلاً إن «تخفيف الحجر الصحي أوائل شهر تموز/ يوليو وقدوم عيد الأضحى ساهما بشكل كبير في إعادة اختلاط المغاربة ببعضهم البعض، وعكس مسارات الهجرة الداخلية، ولفهم أكثر للموضوع، يكفينا استحضار أحوال المدن الكبرى أثناء وبعد عيد الأضحى المبارك وحالة الفراغ التي تنتشر على مختلف مناحي وانشطة هذه المدن، إذ يعيش الصناع والمستخدمون والحرفيون سنة كاملة من الكد والجهد وجمع الأموال على تواضعها، قصد تسديد ديون الآباء أحيانًا أو تدريس الأبناء، وأحيانًا تكون فرصة لزيارة الآباء والأجداد ربطًا لصلة الوصل وإحياءً لها في استمرارية اجتماعية، وهي أهم أسباب انتقال الفيروس لمناطق لم يعرفها منذ بداية ظهوره في مارس الماضي».
تبذل الدولة المغربية جهدًا للتخفيف من الأثر الاجتماعي للوباء من خلال المساعدة الاجتماعية، لكنها لا تمتلك القوة المالية، بشهادة العاهل المغربي، محمد السادس نفسه في خطابه الأخير «المساعدات التي تقدمها الدولة تفوق مواردها».
الجائحة السارية تحاصر الأحياء في المدن الرئيسية في البلاد، ومنذ يوم الأحد، الـ6 من سبتمبر، أصبح من المستحيل الدخول إلى الدار البيضاء أو الخروج منها، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 3.5 ملايين نسمة، كما تخضع العاصمة الاقتصادية للبلاد لحظر تجول ليلي، وجميع مدارسها مغلقة.
كريم عايش، الباحث في العلوم السياسية يؤكد أنه «صار واضحًا حاجة المغاربة لإعادة عجلة الاقتصاد إلى مسارها وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية والتجارية، خاصة بالنسبة الأغلبية الساحقة التي تشتغل في القطاع غير المهيكل التي تضم الفئات الأكثر هشاشة وفقرًا، والتي ما زالت الوزارات المعنية تبحث حلولًا لها رغم الظرفية الصعبة التي يعيشها الجميع والتي صارت تدفع الكثيرين إلى اعتبار الحجر الصحي إجراءات مضرة وخانقة، تفاقم أوضاعهم أكثر مما هي عليه، وتأزم أوضاعهم الاجتماعية بنقلهم إلى العطالة التامة والفقر ومد اليد حتى ولو توفر دعم الدولة وصندوق محاربة آثار جائحة كورونا، بالمقارنة مع ما ينتظرهم من ثمن سومة الإيجار، فواتير الماء والكهرباء، ومستلزمات اجتماعية كثيرة تزداد بازدياد أفراد الأسرة، سواء أبناء أو إخوة أو أقارب، دون الحديث عن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة والغائب الأكبر في جل السياسات العمومية والمبادرات المغربية».
ويضيف أن «اعتماد الحجر الصحي الجزئي كيفما كان حاله قد يبطئ وتيرة انتشار الفيروس، ولكن لن يقضي على الفيروس، ولن يعزله تمامًا بعد فشل مقاربة عزل المخالطين في وقف انتشار الفيروس، إذ يختبئ في الجسم دون أن يظهر إلا بعد بروز الأعراض أو إجراء التحاليل، وهي معادلة صعبة ومعقدة ترهق الجسم الصحي بالمغرب؛ وقد ظهر أن الأطباء والممرضين أقرب للعياء الشديد والإحباط منه إلى العزيمة والإرادة».
وهنا، يقول عايش: «يتبادر سؤال المسؤولية (لمن؟) هل المواطن باستهتاره أم الدولة بتخبط قراراتها وفجاءتها، لنكون بين المطرقة والسندان، فيوميًا يخرج مواطنون كثر دون كمامات، ويتكدسون في المقاهي والأسواق والإدارات، ومنهم من يتكدس في المـــعامل والمصانع ووسائل النقل المختلفة، ثم نستدرك أن للحجر الصحي الكلي والجزئي ثمنًا وهو دخول مشاعر الإحباط واليأس والخوف، وأيضًا العنف والتمرد، وننـــتقل إلى أن من يسهر على الـــشأن العام والشأن الاقتصادي قد يكون مثيرًا في احترام المعايير المفروضة ومساهمًا أيضًا ولو بغير قصد، وهنا ينافي المأمول في هؤلاء والذين يتوفرون على الإمكانات البشرية والمادية الكفيلة بتأطير توجهات الجموع والحشود وتنظيم مســـارات المواطنين سواء بالـــشارع الـــعام أو الإدارات والمصانع».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: