وفاة تلميذة عملت في الحقول الزراعية تعيد النقاش حول حقوق العمال والأطفال في المغرب

تلميذة نجيبة ومجتهدة، تنحدر من قرية «الزاوية» التابعة لجماعة «اكلو»، القريب من مدينة تزنيت الجنوبية بحوالي 15 كيلومتراً، قادها الفقر عندما توقفت الدراسة بسبب حالة الطوارئ الصحية، التي فرضتها جائحة «كورونا»، إلى الذهاب للعمل في الحقول، لعلها تكسب من جني ما تنبت الأرض ما تستند به ماديًا في قادم الأيام، ومن أجل مبلغ سبعين درهمًا في اليوم (سبعة دولارات) تركت الفتاة كتبها تنتظر، وذهبت في طريق لا حقوق بها ولا حماية اجتماعية، طريق معبدة دائمًا بالخطر والموت والعنف.
شقيقتها حنان، البالغة من العمر (27 سنة) وفي شهادتها لمجموعة من النشطاء الحقوقيين، في «مجموعة شابات من أجل الديمقراطية»، عن طموحات غزلان، ورغبتها في الذهاب إلى أمريكا لإكمال دراستها.
شقيقة غزلان، هي الأخرى عاملة زراعية، وابنة عاملة زراعية، تحكي في شهادتها عن المعاناة اليومية التي كانت «تجعلهن يستيقظن في الساعة الثالثة فجرًا ليتوجهن جماعة متن سيارة نقل تحمل أكثر من 14 امرأة، ليعملن في كل الأشغال الشاقة وينتظرن الأجرة كل خمسة عشر يومًا»، تلك الدراهم المعدودات التي بها يفرحن أنفسهن وعائلاتهن.
شقيقة التلميذة النجيبة والحاصلة على معدل 14 من 20 في معدل السنة الثانية من الثانوية العامة، (أولى بكالوريا) تريد «حق شقيقتها، وتريد أن تنتهي معاناة العاملات الزراعيات وأن تكون وفاة غزلان مدخلًا لحصول هذه الفئة على كل حقوقها».
على الرغم من التطورات العديدة التي حدثت في المغرب في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحقوق الطفل، لا سيما فيما يتعلق بالتعليم، ما تزال الانتهاكات نفسها قائمة اليوم، لا سيما في قضايا مثل العنف الجنسي والاستغلال وزواج الأطفال، وما قضية غزلان (20 سنة) سوى غيض من فيض.
«غزلان بالنسبة لي، هي رمز ملف العاملات الزراعيات وشهيدة لقمة العيش، والتي يجب على جميع نشطاء المجتمع المدني والحقوقيين والمسؤولين التوجه إليه والتطرق لملفه، لأن به الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان، انطلاقًا من العنف والتحرش والاغتصاب، وانتهاءً بالموت وحوادث الشغل والأمراض المهنية»، تقول الناشطة المدنية والمدافعة عن حقوق الإنسان، سارة سوجار.
ملف العاملات الزراعيات، وفق ما تراه الناشطة الحقوقية سارة سوجار، التي استشارتها: «هو ملف شائك بالمغرب، لمجموعة من الاعتبارات المرتبطة باحترام حقوق الإنسان عامةً، وخاصةً حقوق النساء اللواتي يعشن في وضعية هشاشة.. إذ يرتبط بالحق في الحياة، حيث يواجهن في مكان عملهن شبح الموت، لأن الطريق المؤدية إليه غير آمنة، غير آمنة لكثرة حوادث السير، وغير آمنة لأن وسائل النقل لا تحترم القانون وتحمل أكثر من طاقتها في طريق صعبة جداً وغير مجهزة».
وتضيف أن هؤلاء النسوة يعشن وضعًا غير إنساني، إذ إنهن «معرضات لجميع أنواع العنف، من طرف مسؤولين في العمل أو سائقي وسيلة النقل الذين يمارسون عليهن التحرش والعنف وسط الطريق نحو العمل».
وفي تعليقها على ظروف العمل، تؤكد سوجار أن «أغلبيتهن لا يتوفرن على عقوق عمل، وهو أول حق من حقوق الشغيلة، وقانون الشغل المغربي واضح في هذا الإطار، ضف على ذلك أن من لديهن عقد عمل فهو لا يتجاوب مع الشروط الدونية التي وضعتها مدونة الشغل، إذ يشتغلن لأكثر من ثماني ساعات في اليوم، ومكان العمل غير آمن لهن، يفتقر لوسائل الوقاية والحماية، بالإضافة إلى الابتزاز المتمثل في الجنس مقابل العمل والعنف اللفظي والإذلال الذي يمارسه المشغل».
وقالت بشرى الشتواني، منسقة «شابات من أجل الديمقراطية»، «ونحن نقوم بتنفيذ أنشطة حملة «يودا» (مفردة أمازيغية تعني كفى) إذا بنا نُفاجأ بخبر انقلاب سيارة نقل العاملات وهي في طريقها إلى حقول شتوكة آيت باها. كان الخبر عاديًا بسبب كثرة الحوادث، لكن الذي جعله أكثر إيلامًا هو أن الضحية هاته المرة تلميذة تدرس بالسنة أولى بكالوريا، وهي شابة متفوقة ذهبت لتشتغل كعاملة موسمية بمعية أختها الوحيدة وشابات دوار الزاوية بجماعة آگلو، وهاته الجماعة تعتبر من أغنى الجماعات بالإقليم».
كانت غزلان  تعمل لتوفر ثمن هاتف ذكي أو لوحة إلكترونية لتستطيع من خلالها مواكبة دروسها والنجاح بميزة كبيرة لتحقق حلم استكمال دراستها بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن أيدي الاستغلال والفقر اجتمعا ليهدياها شهيدة للقمة عيش».وقررت «مجموعة شابات من أجل الديمقراطية»، أن تحيي ذكرى «شهيدة لقمة العيش» تحت شعار «غزلان ايلي» والتي تعني غزلان ابنتي، عبر تخليد ذكرى الأربعينية، كما فتحت «باب جمع تبرعات عينية لمساعدة زميلات غزلان، وتكريم اختها الناجية من موت حرب الطرق والاستغلال».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: