دستور الجزائر الجديد ينتظر الاستفتاء وسط تحفظات الحراك
صوّت نواب المجلس الشعبي الوطني الجزائري الخميس كما كان متوقعا بالإجماع لمصلحة مشروع تعديل الدستور الذي يعد أحد أهم الوعود الانتخابية للرئيس عبدالمجيد تبون، غير أنه لم يلاق ترحيبا من قيادات الحراك الشعبي الذي أبدى البعض تحفظات عليه من حيث الشكل والمضمون، كما اتهم هؤلاء تبون بتكريس نظام غير ديمقراطي من خلال تعمده توسيع صلاحياته.
عمد واحد من رموز الحراك الشعبي الجزائري إلى تأخير الكشف عن موقفه من الوثيقة الدستورية الجديدة في البلاد إلى عشية المصادقة عليها من طرف نواب الغرفة الثانية، مكرسا بذلك القطيعة بين الشارع والسلطة، ومؤكدا على مساعيها لاستدراج القيادات الشعبية إلى المسار السياسي، مما يبقي الوضع في مربع الصفر رغم المرور بقوة لتزكية الدستور الجديد.
وأعرب المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي، الذي يعد أحد رموز الحراك الشعبي في الجزائر، وأبرز الدافعين عن معتقلي الرأي، عن تحفظاته العديدة تجاه الوثيقة الدستورية التي عرضتها السلطة على البرلمان للمصادقة عليها قبل الذهاب إلى استفتاء شعبي يزمع تنظيمه مطلع نوفمبر القادم.
وتعمد بوشاشي تأخير الكشف عن موقفه إلى غاية عشية عرض الوثيقة على الغرفة الثانية للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، الذي صادق عليها بالأغلبية الخميس، على أن تمرر الجمعة على الغرفة الأولى (مجلس الأمة)، في رسالة تنطوي على استمرار القطيعة بين الشارع المنتفض منذ فبراير 2019 ضد السلطة القائمة.
ورغم افتقاد الرجل للإجماع داخل الحراك الشعبي، إلا أن موقفه يعكس توجها سياسيا لدى قطاع عريض من الشارع الجزائري المناهض للسلطة، وهو ما يرجح فرضية المقاطعة اللافتة للاستفتاء الشعبي، في سيناريو مماثل للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي عرفت مقاطعة أغلبية الجزائريين، ولم يمر الرئيس تبون إلا بأربعة ملايين صوت من 24 مليونا مسجلين في اللوائح الانتخابية، بحسب الإحصائيات التي قدمتها الهيئة المشرفة على الانتخابات آنذاك.
وكشف بوشاشي، في منشور له على حسابه الخاص في شبكة فيسبوك، أنه تلقى نسخة من المسودة التي عرضتها السلطة للإثراء والمناقشة، وأنه جهز لها ردا ضمّنه موقفه من الوثيقة ومن الأفكار والتصورات التي حملتها في إطار ما تروج له حول “التغيير” و”الجزائر الجديدة”.
وعبر المحامي والناشط الحقوقي عن “أسفه الشديد من تصرفات الرئيس عبدالمجيد تبون ورموز النظام، المناقضة لتصريحاتهم وخطابهم”، وبرر ذلك بكون “مسودة الدستور المقدمة لبرلمان غير شرعي تؤكد ذلك، وبالتالي فإن الطبقة السياسية والحراك لديهما تحفظ على هذا الدستور”.
وشرح ذلك بالقول “أولا: من ناحية الشكل كنا نتمنى أن يكون دستورا يؤسس لجزائر جديدة ويوضع بطريقة توافقية، لكن مع الأسف الشديد فالرئيس هو من قام بتعيين اللجنة لصياغة هذا الدستور، وأن هذه اللجنة لم تستشر الطبقة السياسية والمجتمع المدني في وضع المسودة، وبالتالي فهذا دستور الرئيس أو دستور النظام السياسي”.
وأضاف “ثانيا: بعد وضع هذه الوثيقة استغل النظام جائحة كورونا والحجر الصحي بوقف الاجتماعات واللقاءات ولم يكن هناك نقاش مجتمعي، فقد كانت مشاركة الناس عبارة عن مقترحات تقدم لهذه اللجنة دون أن تكون لمقدمي الاقتراحات ضمانات بأنها ستؤخذ بعين الاعتبار”.
وذهب بوشاشي، في انتقاده لمضمون الوثيقة، إلى أن “هذا الدستور في نهاية المطاف يكرس نظاما غير ديمقراطي حيث يعطي صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية، فهو يتدخل في السلطة القضائية بتعيين القضاة ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء، ويعين في المناصب المدنية والعسكرية دون استشارة أي جهة”.
وتابع “بالنسبة للسلطة التشريعية فلها حق الاعتراض على القوانين التي تمر على البرلمان، ويمكن أن يطلب قراءة ثانية للقوانين ويجب أن تكون أغلبية موصوفة لتمرير القانون، وبالنسبة لمجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، فالرئيس يعين ثلث أعضائه وأي قانون يمر على البرلمان يحتاج إلى ثلاثة أرباع أعضاء الهيئة للمرور”.
وخلص إلى أن “الرئيس له حق الفيتو (النقض) حتى على السلطة التشريعية التي لا يمكنها تمرير قانون دون موافقة الرئيس، فضلا على أن مؤسسات الرقابة سواء مراقبة التشريع أو صرف المال العام يسيطر عليها الرئيس من خلال التعيينات”.
ولفت إلى أنه “لا يمكن الحديث عن أن هذه المسودة أو هذا التعديل الدستوري سيذهب بنا إلى جزائر جديدة، ولكن يكرس استمرار النظام غير الديمقراطي في البلاد”.
المشروع الجديد، جاء في ديباجة وسبعة أبواب، ومن أهم ما جاء فيها إسقاط مقترح استحداث منصب نائب الرئيس
وأعرب من جهة أخرى عن عدم رضاه الكامل بتضمن ديباجة الدستور للحراك الشعبي، فهي “شيء إيجابي، أن يعترف النظام السياسي بهذه الثورة السلمية المباركة، ولكن في نفس الوقت لا يجب أن نتوقف عند الشعارات، ونرفض كل مطالب الحراك السلمي الذي يصبو إلى الحرية والديمقراطية”.
وأضاف “كنا نتمنى أن يستجيب الإخوة في النظام إلى مطالب الشعب الذي لا يطلب سوى الذهاب إلى نظام ديمقراطي، لكن يبدو أن هناك تعنتا وإصرارا على تغييب الشعب، لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن هناك وعيا مجتمعيا وشبابا تواقون إلى الحرية والديمقراطية”.
والمشروع الجديد، جاء في ديباجة وسبعة أبواب، ومن أهم ما جاء فيها إسقاط مقترح استحداث منصب نائب رئيس كما ورد في مسودته الأولى. كما أقر رفع الحظر الحالي عن مشاركة الجيش في عمليات خارج الحدود لأول مرة، وإلزام الرئيس بتعيين رئيس الحكومة من أغلبية البرلمان، ومنع الترشح لرئاسة الجمهورية لأكثر من فترتين (5 سنوات لكل واحدة) سواء متتاليتين أو منفصلتين.