العوائل المغربية افتقدت طيورها المهاجرة في إجازة الصيف
يعود نحو 3 ملايين مغربي إلى بلدهم في العطلة الصيفية من كل عام، ما يخلق رواجا تجاريا واقتصاديا، إلا أن إغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا حرم البلاد من هذه القوة الاقتصادية صيف هذا العام.
ويشكل المغتربون المغاربة قوة اقتصادية ومالية مهمة، بالنظر إلى ارتباطهم القوي ببلدهم، ما يجعل كلفة عدم قضائهم العطلة في المغرب هذا العام باهظة الثمن، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ويعدّ فصل الصيف موعدا استثنائيا له أهميته الخاصة لدى الجاليات المغاربية المقيمة في أوروبا، تربط فيه صلة الوصل مع بلدانها الأصلية وتزور خلاله أسرها في عطلها السنوية، علاوة على أنه مناسبة لها لتغيير الأجواء والترويح عن النفس بعد عام كامل من العمل والجد في دول الإقامة.
وتستقبل الدول المغاربية جاليتها هذا الصيف في ظروف غير عادية بحكم الأزمة الصحية العالمية التي تسبب فيها كورونا. واختارت هذه البلدان، خاصة المغرب والجزائر، التريث بشأن الإعلان عن تحديد موعد لفتح حدودها في وجه أبنائها بالمهجر والإجراءات المصاحبة للعملية، حتى تتضح الصورة عالميا بخصوص تفشي الوباء.
وأعلن المغرب حالة طوارئ صحية في 20 مارس الماضي، لمدة ثلاثة أشهر، وعلق جميع الرحلات الجوية الدولية من وإلى أراضيه، لمنع تفشي فايروس كورونا.
وتم تمديد حالة الطوارئ لعدة مرات حتى 10 سبتمبر الحالي، لكن الحكومة خففت إجراءات تقييد الحركة في 24 يونيو الماضي، وفي 9 يوليو الماضي، سمحت للمواطنين المقيمين بالخارج والأجانب بالمملكة بالسفر اعتبارا من 14 يوليو الماضي.
وتمثل تحويلات المغتربين (يشكلون 12 في المئة من مجموع السكان) إلى المملكة، ثاني مصدر للنقد الأجنبي في البلد، ومع كل صيف يعود ما يزيد عن حوالي ثلاثة ملايين، من بين 5 ملايين مغترب إلى المملكة، يدعمون النشاط التجاري والاقتصادي في المدن والقرى.
وبحسب مكتب الصرف (حكومي)، بلغ حجم هذه التحويلات في 2019، نحو 64.9 مليار درهم (5.95 مليار دولار). ووفق معطيات رسمية، فإن أزيد من 42 في المئة من المهاجرين المغاربة حوّلوا الأموال إلى أفراد أسرهم أو إلى أشخاص آخرين في المغرب خلال العام الماضي.
وأوضحت نتائج دراسة لمندوبية التخطيط (حكومية مكلفة بالإحصاء)، نشرت في يناير الماضي، أن المغتربين المغاربة المقيمين في الدول الأوروبية، هم الأكثر تحويلا للأموال إلى المغرب بنسبة 55.3 في المئة، يليهم المهاجرون إلى الدول العربية 45.5 في المئة.
ويرى عبدالفتاح الفاتحي، الخبير المغربي في شؤون الهجرة واللاجئين، أن “عودة المغتربين المغاربة إلى أرض وطنهم لقضاء العطلة الصيفية تدر على خزينة الدولة موارد مالية مهمة، حرمت منها هذا العام”. وأضاف الفاتحي “الغياب الاضطراري هذا العام سيخلف تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة، وسيؤثر على البنية الاجتماعية بالأساس”.
وتابع “عدد مهم من المغتربين المغاربة ينحدرون من مناطق ومدن تعيش الهشاشة، والعائدات المتواضعة لهذا العام ستكون لها كلفة اجتماعية ثقيلة جدا على الأسرة الهشة والفقيرة”. وقال عبدالكريم بلكندوز، باحث متخصص في قضايا الهجرة، إنه لم يكن من الممكن ترجيح أي مكاسب أخرى على حساب الجانب الصحي البشري.
ولفت بلكندوز إلى أن كلفة غياب المهاجرين عن بلدهم هذا العام لن تقتصر على الجانب المالي فقط، “بل سيكون هناك ضرر نفسي مهم، وجوانب أخرى قد نغفلها حاليا”.
وأوضح أن “التقييم الحقيقي لحجم الضرر سيظهر مع مرور الزمن، بعد توقف انتشار الجائحة، وحين تنجز المؤسسات المختصة الدراسات العلمية والاجتماعية، للوقوف على ما خلفته الجائحة من آثار سلبية، بما في ذلك ما يتعلق بالمغتربين المغاربة”.
وأشار محمد الخشاني، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث حول الهجرة، والأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية) “للأسف لم تتضح الرؤية بعد في العالم بأسره”، مؤكدا خسارة الخزينة العامة جراء عدم عودة المغتربين هذا العام، وأضاف “لم يكن من الممكن فتح المجال لتدفق المغتربين”.
ويعتبر قطاع السياحة من ركائز الاقتصاد المغربي، وكغيرها من الدول، تلقت المملكة ضربة في هذا القطاع.
وقالت وزيرة السياحة نادية العلوي أمام البرلمان في يونيو الماضي، إن عدد السياح الوافدين إلى البلاد انخفض بنسبة 45 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2020، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، وكذا تراجع عدد ليالي المبيت التي سجلتها الوجهة بحوالي 43 في المئة.
وبدأ المغرب في تنفيذ خطة لدعم السياحة المتضررة من كورونا، من خلال تحمل الدولة رواتب العاملين بالقطاع حتى نهاية العام. وتشكل السياحة المغربية حوالي 7 في المئة من الناتج المحلي للمغرب، ويعمل بها أكثر من نصف مليون شخص، وتعتبر مصدرا مهما للعملة الصعبة.