مصطفى التراب الحارس الأمين للفوسفات المغربي

كأي شخصية عامّة لها موقعها الحساس داخل الدولة، تعرض قبل أسبوعين للأضواء الكاشفة إعلاميا بعدما انتشر شريط فيديو مصور حديثا بأحد الشواطئ على نطاق واسع بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر فيه الفنانة المعروفة “مايا” على متن يخت، ليتم إقحام اسمه عنوة لأغراض يعرفها مسربو الفيديو والذين ساهموا في نشره والترويج له.

ولا علاقة للنوايا السيئة أو الحسنة بمثل تلك الحالات، فكل شيء مدروس بدقة، وكان ضروريا وضع حد لهذه الإشاعة التي تتمركز حول سلوك الرجل وأخلاقه، حيث خرج مقربون من مصطفى التراب ينفون بشكل قاطع أن يكون الشخص الذي ظهر على الشريط هو مدير مجموعة المكتب الشريف للفوسفات، لأن من يعرف الرجل لا يفكر بمثل هذا لا من قريب ولا من بعيد، وأن اتهام التراب بهذا الفعل الشنيع هو مجرد باطل لُفق له. حتى أن الفنانة ذاتها نفت ما نسب للتراب، وأكدت أنها غير مسؤولة عما يروج بخصوص إقحام هذه الشخصية المشهود لها بالاستقامة في الموضوع.

كان التراب من أبرز المرشحين لقيادة حكومة كفاءات لمواجهة مخلفات الحكومتين السابقتين، وتساءل مراقبون من المستفيد من الحملة ضده خصوصا هؤلاء الذين روجوا الفيديو على أوسع نطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك من له حسابات سياسية وأخرى استثمارية مرتبطة بشركات دولية تريد حرق ورقة التراب والتشويش عليه من بوابة السمعة.

إحداثيات حساسة

الثقة الملكية الكبيرة التي يحظى بها التراب، وخبرته الطويلة، من بين العوامل التي أسهمت في انتخابه رئيسا للاتحاد الدولي للأسمدة، وهي منظمة عالمية تضم 480 عضوا متخصصا في هذه الصناعة

ينحدر من عائلة لها باع طويل في العلم والفقه والجهاد، فهو ابن العاصمة العلمية فاس، فتح عيناه بها في العام 1955 ونشأ بين دروبها ودورها ومساجدها وكتاتيبها، وفي مدارسها تلقى أولى دروسه ليرتقي في سلم العلوم حاصلا على شهادة مهندس من المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بفرنسا، والماجستير ثم دكتوراه الدولة في “التحليل بالمنهاج الحسابي” من المعهد التكنولوجي التابع لجامعة كامبريدج.

منصبه يحتاج الدقة والهدوء والذهن اليقظ، فهو المسؤول الذي تدرج في مسالك الدولة سنوات فاستأنس بدروبها الموغلة في الغموض والخطورة، وهيأ طريقه بترسانة من المعرفة ورياضة الأرقام والكثير من العلاقات التي فتحت له أبوابا لم تكن لتفتح لغيره فدخل الديوان الملكي، مطلع التسعينات، مكلفا بمهمة من العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني.

جعلت منه الثقة الملكية الكبيرة مؤهلا لمنصب استراتيجي مثل منصب المدير العام للمكتب الشريف للفوسفات الذي يديره منذ العام 2006 من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس. مهمة حساسة كان أهلا لها لمدة 14 عاما. ونظرا لموقعه وخبرته الطويلة في هذا القطاع، تم انتخاب التراب رئيسا للاتحاد الدولي للأسمدة، وهي منظمة عالمية تضم 480 عضوا متخصصا في صناعة الأسمدة يمثلون 68 بلدا، ليصبح أول مسؤول أفريقي يترأس هذه الهيئة.

وقبل أن يعيّن في مهمته الحالية، كاتبا عاما للكتابة التنفيذية للقمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبعدها بثلاث سنوات تقلد منصب مدير الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ليشغل بعد ذلك منصب خبير في البنك الدولي، حيث استثمر خبرته وعلاقاته لصد الضربات الموجهة للمغرب من بوابة ثروته الفوسفاتية، من خلال إنشاء معمل فوسبوكراع الذي سيمكن من معالجة الفوسفات عوض تصديره خاما، وإنشاء ميناء للتصدير في منطقة المرسى، إضافة إلى خلق مؤسسات تعليمية، وعدد كبير من مناصب الشغل، ومشاريع أخرى، ستساهم في إحداث نقلة نوعية في المنطقة.

بعد وصوله إلى رأس المكتب الشريف للفوسفات، استند في إستراتيجيته إلى ثلاث ركائز، أهمها مضاعفة الطاقة الإنتاجية للأسمدة  بمقدار أربعة أضعاف لزيادتها من 3 إلى 12 مليون طن سنويًا، بهدف الحصول على نصف الطلب العالمي الإضافي، وخفض التكاليف، فغالباً ما تتماشى الأسعار على المستوى العالمي مع سعر التكلفة للمشغل الأقل قدرة على المنافسة، وتحسين هامشها بتقليل تكاليفها التشغيلية. والركيزة الثالثة هي وجود سياسة تجارية مرنة لإبرام عقود بيع على فترات أقصر، بغرض التقاط زيادات الأسعار، وليس التنافس على الأسمدة مع عملاء الصخور وحمض الفوسفوريك.

شركة مواطنة

مجموعة الشريف للفوسفات المغربي التي تحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسها أصبحت اليوم مؤسسة رائدة على المستوى العالمي، وحققت العام الماضي رقم معاملات بلغ 54.09 مليار درهم، تحت رئاسة التراب، ونجحت في عقد شراكات هامة مع عدة جهات أجنبية

سبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء عام 2015، وأن أكد أن من حق المغرب أن يفتح الباب أمام شركائه من دول وشركات عالمية، للاستفادة من فرص الاستثمار، التي ستوفرها المنطقة الجنوبية، بفضل المشاريع الكبرى، التي يتم إطلاقها، مضيفا “وبما أننا لا نفرق بين جهات شمال المملكة وجنوبها،

فإنه لا فرق لدينا بين طماطم أكادير والداخلة، وبين سردين العرائش وبوجدور، وبين فوسفات خريبكة، وفوسفات بوكراع، رغم أنه يمثل أقل من 2 في المئة من المخزون الوطني، كما تؤكد ذلك المعطيات المعترف بها عالميا”.

عكس ما تم ترويجه من طرف خصوم المملكة من أن اقتصاد البلاد يرتكز فقط على الفوسفات فيما الواقع أن مساهمة الفوسفات في الناتج الداخلي الخام لم تتعد، في أقصى حالاتها 6 في المئة. ففي إطار الحرب الاقتصادية الموجهة ضد المغرب من طرف خصومه والمرتبطة بثروات الصحراء ودعوة هؤلاء لمقاطعة المنتوجات المغربية، يعتمد المغرب على التراب وفريق خبرائه للتصدي للحملات العدائية، التي تستهدف المنتوجات المرتبطة بالفوسفات.

لم تدخر البوليساريُو ومن يدعمها جهدًا في استمالة نواب البرلمان الأوروبي لمنع المغرب من استغلال ثروات أقاليمه الجنوبية ومنها الفوسفات، والكل داخليا وخارجيا يتفق على أن استغلال الثروات الوطنيَّة يستفيد منها السكان المحليَّون في المنطقة، وذلكَ من خلال تمويل الخدمات العموميَّة في تلك المناطق، وتوفير فرص الشغل لسكانها، لهذا فإن مساعي البوليساريو لعرقلة تسويق المغرب لثرواته الطبيعية لا تتماشى مع المقررات الأممية والقرارات التي اتخذتها المفوضية الأوروبية بشأن المواد المصدرة من الأقاليم الصحراوية المغربية.

مواجهة الحروب التجارية

ليست تلك المرة الوحيدة التي تفشل فيها جبهة البوليساريو الانفصالية ومن يدعمها في مساعيهما لعرقلة تسويق الفوسفات المغربي إلى نيوزيلاندا وغيرها من الدول غربا وشرقا، بعد أن تجاهلت السلطات النيوزيلندية دعوات أطلقها ممثل الجبهة الانفصالية في العاصمة أوكلاند لوقف توريد مادة الفوسفات من المغرب.

ولمعرفتها بالسياقات التي يتحرك ضمنها خصوم المغرب دافعت جمعية منتجي السماد في نيوزيلندا، التي تستورد الفوسفات من جنوب المغرب، عن حقها في الاستمرار في التعامل مع الرباط، وأكدت الجمعية أن أنشطتها تتوافق مع القانون الدولي، مشيرة إلى الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع المغرب في مجال الزراعة والصيد البحري، والتي تعترف بسيادة المغرب على كافة مناطقه الصحراوية.

استراتيجيته في إدارة المكتب الشريف للفوسفات تستند إلى ركائز على رأسها مضاعفة الطاقة الإنتاجية للأسمدة بمقدار أربعة أضعاف سنويًا

بحسب المعهد الأميركي للمسح الجيولوجي، فإن المغرب يملك 75 في المئة من الاحتياطي العالمي من الفوسفات، أي 50 مليار طن من مورد غير متجدد ضروري لإنتاج الأسمدة، ودونها سينخفض ​​الإنتاج الزراعي العالمي إلى النصف، مع انفجار التركيبة السكانية، وهو ما يدركه المسؤولون المغاربة وبالأخص التراب الذي يدرك مدى تأثير الأسمدة على التجارة العالمية وما يمكن أن يخلقه من إرباك وحروب تجارية كبرى لأجل توفير الغذاء لأكثر من 7 مليارات إنسان وما يمثله من فرص ربحية خصوصا مع استمرار توقعات أزمة الغذاء العالمية في القرن الحادي والعشرين حيث جادل بول إيرليش بأن عدد سكان العالم سيستمر في النمو حتى نقطة المجاعة الجماعية.

ويبدو أن الفوسفات ومستخرجاته سيأخذان مكانة الذهب الأسود بعدما كان القرن الـ20 بلا منازع قرن النفط، وأصبحت مصادر الطاقة المتجددة مجالا خصبا لإمدادات الطاقة العالمية، في المقابل لا يمكننا صنع الفوسفور من الطاقة الشمسية أو الريحية بل إن أفضل ما يمكننا فعله هو العثور عليه بشكل أفضل وإعادة تدويره وتنظيفه من أي رواسب ملوثة نعثر عليها، فعندما تقضم شطيرة مكونة من خضر ولحم مفروم وغيرها من المكونات التي تفضلها في الغذاء، تذكر أن الكثير منها مصدره الأسمدة الفوسفاتية التي قد تكون آتية من المغرب.

وتدرس الولايات المتحدة بدء تحقيق تجاري يتعلق بواردات الأسمدة الفوسفاتية من المغرب وروسيا، ما قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية جديدة على المزارعين الذين يعتمدون على تلك الأسمدة في إنتاج العديد من المحاصيل الاستراتيجية بما في ذلك الذرة وفول الصويا والقطن والقمح وبنجر السكر، وتمثل تكلفة هذه الأسمدة جزءًا كبيرًا من تكاليف إنتاج هذه المحاصيل، ففرض رسوم جمركية على واردات الفوسفات من المغرب سيزيد من التكلفة السائدة للفوسفات في الولايات المتحدة ويسمح لشركة موزاييك الأميركية التي تمتلك غالبية إنتاج الفوسفات والأسمدة في الولايات المتحدة وأغلبية المناجم في فلوريدا، بفرض رسوم على أسمدة الفوسفات لديها أكثر مما تفعل بالفعل.

والواقع أن فرض الرسوم الجمركية يعادل زيادة الضرائب على المستهلكين والمنتجين الأميركيين الذين يستخدمون الأسمدة الفوسفاتية المستوردة من المغرب، والتي ستؤثر بشدة على الصناعات التي تعتمد على تلك المنتجات المستوردة، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ومنه زيادة التكاليف على المستهلكين، وخفض الأجور، ما سيؤدي إلى وظائف أقل للصناعة الأميركية، وكنتيجة لذلك هناك رفض متنام لتلك الرسوم الجمركية الجديدة على الأسمدة الفوسفاتية لأنها ستضر بالمزارعين الأميركيين، وتقلل من العرض، وتزيد الأسعار، وتعرض الانتعاش الاقتصادي للخطر.

وتحتفل مجموعة الشريف للفوسفات المغربي بالذكرى المئوية لتأسيسها إذ أصبحت اليوم مؤسسة رائدة على المستوى العالمي، وحققت العام الماضي رقم معاملات بلغ 54.09 مليار درهم، كما تمكنت المجموعة تحت رئاسة التراب، من عقد شراكات عدة مع شركات أجنبية. وهي التي تتوفر على شركات فرعية في مختلف القارات وتُساهم من خلال منتجاتها في الأمن الغذائي العالمي، فصادراتها من الأسمدة بلغت السنة الماضية حوالي تسعة ملايين طن، وهي بذلك أكبر مصدر للفوسفات في العالم.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: