قضايا فساد تعكر الأجواء على الحزب الحاكم بالجزائر
تلقى حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر نيرانا صديقة، عشية استعداد البرلمان لتمرير الوثيقة الدستورية الجديدة، بعدما قدم نائب برلماني مسجون، ونجل أمين عام سابق مسجون بدوره، شهادات أمام القضاء حول فساد مالي كبير، أحاط بأجواء إعداد لوائح الحزب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وقدم النائب البرلماني المسجون بهاء الدين طليبة، واسكندر ولد عباس، نجل الأمين العام السابق المسجون أيضا جمال ولد عباس، شهادات صادمة أمام القضاء الجزائري، تتعلق برشاوى ضخمة كانت تقدم للرجل الأول في الحزب أثناء عملية إعداد قوائم المرشحين التي خاض بها الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2017.
وبالموازاة مع انطلاق الدورة البرلمانية مطلع الشهر الجاري، واستعداد البرلمان لتزكية الوثيقة الدستورية الجديدة، التي ستعرض على الاستفتاء في الفاتح من نوفمبر القادم، فجر الرجلان قنبلة على رأس الحزب ومن ورائه السلطة بطبيعتها البوتفليقية والجديدة.
بالكشف عن تورط رموز السلطة في إدارة شؤون الحزب الحاكم، وحجم الفساد الذي ساد استحقاقا انتخابيا واحدا، تكون السلطة قد دخلت في ورطة جديدة
واعترف اسكندر ولد عباس بأن والده كان يتلقى عمولات ورشاوى تقدر بأكثر من نصف مليون دولار، مقابل حصول صاحبها على صدارة القائمة الانتخابية، وأن عائدات الأموال التي رصدت خلال الاستحقاق الانتخابي المذكور قدرت بأكثر من 40 مليون دولار.
وبهذه الاعترافات تكون السلطة قد تلقت نيرانا صديقة مفاجئة، بتعمدها الإبقاء على البرلمان إلى غاية الآن، رغم مطالب الحل التي رفعت من طرف الحراك الشعبي خلال 2019 و2020، وهو ما يزيد من متاعبها السياسية أمام الشارع الجزائري، بسبب صمتها عن ممارسات المجالس المنتخبة، ويطعن في خطاب “التغيير ومشروع الجزائر الجديدة” الذي تسوق له.
وتعمدت السلطات الجزائرية تفادي حل المجالس المنتخبة، رغم مطالب الحل واتخاذ قرارات جذرية في حق الأحزاب الداعمة لنظام عبدالعزيز بوتفليقة، بدعوى الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتم تمرير العديد من القوانين المثيرة للجدل بواسطة البرلمان الحالي الذي تلقى إسفينا جديدا في نعشه، بسبب اعترافات الفساد المقدمة للقضاء حول ممارسات الحزب الحائز على الأغلبية فيه.
ويبدو أن أزمة الحزب الحاكم الذي يحاول العودة إلى الساحة بقيادة جديدة، كانت واجهة النظام السياسي برمته، بعدما اعترف النائب البرلماني المسجون بهاء الدين طليبة، بأنه كان يقدم تقارير دورية لمدير جهاز الاستعلامات الجنرال عثمان طرطاق (بشير) المتواجد في السجن العسكري حاليا، لكنه لا شيء تحرك لوقف ذلك.
وأفاد النائب المذكور في إفادته للمحكمة بأن “ولد عباس، قدم لي مخططا لتمويل الحملة الانتخابية وكان سعر القائمة الواحدة بـ7 مليارات سنتيم (أكثر من 500 ألف دولار)، وقد أبلغت طرطاق (مدير الاستعلامات السابق)، ليبلغ العدالة عن بيع المراتب في القوائم الانتخابية، وعندما اكتشف ولد عباس أمري أحالني على لجنة الانضباط”.
وأضاف “ولد عباس لفق لي تهمة بأني منحته أموالا لكنه لم يأخذ مني ولا دينارا، وأنا من أبلغت الأمن بتحركات جمال ولد عباس المشبوهة، وقد سجّلت مكالمات هاتفية تثبت تورطه في بيع قوائم الترشح، وأنا من كشف تلاعبات أبناء ولد عباس، وقد كنت على اتصال دائم بمدير جهاز الاستعلامات وأجتمع به مرارا”.
وشكل نشر غسيل الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أفرزت البرلمان الحالي، قنبلة مفاجئة في معسكر السلطة، بعدما اعترفت الشهادات المقدمة للقضاء بضلوع مسؤولين كبار بالدولة في ترتيب قوائم الحزب الحاكم، وأماطت اللثام عن الممارسات التي لفت الاستحقاق الانتخابي المذكور.
بهذه الاعترافات تكون السلطة قد تلقت نيرانا صديقة مفاجئة، بتعمدها الإبقاء على البرلمان إلى غاية الآن
وذكر اسكندر ولد عباس أن “رئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال، ووزير العدل طيب لوح، ووزير الداخلية ورئيس الوزراء نورالدين بدوي، هم من كانوا يعدون قوائم الحزب لدخول الانتخابات التشريعية، بعيدا عن مقر ومؤسسات وهياكل جبهة التحرير الوطني”.
وأضاف “سعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق، كان يتصل بوالدي في وقت متأخر جدا وهو في حالة سكر، ليقدم له التعليمات والتوجيهات لتسيير شؤون الحزب وإعداد القوائم”.
وكان نورالدين بدوي قد شغل منصب رئيس الوزراء خلفا لأحمد أويحيى، بعد اندلاع أحداث الحراك الشعبي، في خطوة لاحتواء الغضب الشعبي، إلا أن انحدار الرجل من المنظومة الحاكمة لم يقنع الشارع المنتفض آنذاك، وظل رأسه مطلوبا للحراك كغيره من رموز السلطة الأخرى، إلا أن قيادة الجيش التي أدارت مرحلة الفراغ المؤسساتي تمسكت به لأسباب غامضة، رغم أن رحيله كان يمثل حلا جزئيا لأزمة البلاد.
ويرى مراقبون أنه بالكشف عن تورط رموز السلطة في إدارة شؤون الحزب الحاكم، وحجم الفساد الذي ساد استحقاقا انتخابيا واحدا، تكون السلطة قد دخلت في ورطة جديدة على اعتبار أن رئيس الوزراء بدوي هو من أشرف على تنظيم الانتخابات التي أفرزت عبدالمجيد تبون رئيسا، مما سيوسع الهوة ويعمق الشكوك حول الانتخابات الرئاسية، وحول خلفيات تسمك قيادة العسكر السابقة بالرجل طيلة الأزمة، بعدما توسعت دائرة اتهامات الفساد إلى المحيط العائلي لقائد الجيش السابق، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.