الجزائر تستعد لإرساء دستور جديد ببرلمان يفتقد للشرعية الشعبية
يستعد البرلمان الجزائري بغرفتيه لمناقشة وإثراء الوثيقة الدستورية، في أجواء استثنائية، أفرزها الركود السياسي الذي تعيشه البلاد، واهتزاز شرعيته السياسية بعد نشر غسيل الفساد المالي والسياسي، الذي أحاط بنواب حزب الغالبية إثر الإفادات التي قدمها برلماني مسجون، ونجل الأمين العام السابق.
وتتوقع مصادر نيابية أن تتم المصادقة على الوثيقة الدستورية الجديدة مطلع الأسبوع القادم من طرف مجلس الوزراء، على أن تحال على البرلمان في نفس الفترة للمناقشة والمصادقة، ليصبح بذلك الدستور الجديد للبلاد جاهزا للاستفتاء الشعبي المقرر في الأول من نوفمبر القادم.
وتستند المصادر على البند 149 من القانون العضوي للانتخابات الذي ينص على “استدعاء الهيئة الناخبة يكون بموجب مرسوم رئاسي قبل 45 يوما من تاريخ الاستفتاء الشعبي”. ويلزم رئيس الجمهورية باستدعاء الهيئة الناخبة في أجل أقصاه الـ16 من سبتمبر الجاري، لتبقى المهلة العشرة أيام المتبقية من أجل مناقشته والإثراء والمصادقة في البرلمان.
وتخيّم أحاديث الأروقة على مصير البرلمان الحالي في ظل التسريبات التي تتحدث عن قرار رئاسي قادم يقضي بحل المجالس المنتخبة وتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة بداية من مطلع العام القادم، إلى جانب جدوى المصادقة البرلمانية في ظل تصاعد فضائح الفساد المالي والسياسي في صفوف حزب الأغلبية (جبهة التحرير الوطني).
ولا تزال المطالب الداعية إلى حل المجالس المنتخبة المحلية والوطنية قائمة، وإحالة الأحزاب الممثلة فيها على العزل السياسي، لارتباطها بالحقبة البوتفليقية ولدور تلك الأحزاب في دعم وتأييد نظامه الفاسد. وتعالت مؤخرا أصوات أحزاب جديدة كتيار السلام الذي دعا إلى “ضرورة مقاطعة أي انتخابات قادمة يشارك فيها حزب جبهة التحرير الوطني”.
وفيما تراهن السلطة في البلاد بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، على الدستور الجديد لإرساء ما تسميه قواعد “الجزائر الجديدة”، و”تحقيق التغيير السياسي المنشود”، فإن حالة الاحتقان لا تزال تخيّم على الشارع الجزائري.
وفي ظل غياب مؤسسات مستقلة لرصد وتقصي توجهات الرأي العام، يبقى مصير الدستور المذكور مجهولا، في ظل اهتزاز الشرعية السياسية للبرلمان الحالي.
تيار السلام دعا إلى ضرورة مقاطعة أي انتخابات قادمة يشارك فيها حزب جبهة التحرير الوطني
وترى قوى البديل الديمقراطي، أكبر قطب سياسي معارض للسلطة، أن “الدستور الجديد سيكون كغيره من الدساتير الأخرى، والتعديلات المزعومة لا تعدو أيضا أن تكون تعديلات على مقاس الرئيس، كغيره من الرؤساء السابقين الذين فصلوا الوثيقة الأولى في البلاد على مقاسهم”.
وتعتبر أن الدستور الذي بإمكانه استقطاب جميع الجزائريين، هو دستور تأسيسي يفرزه مجلس نيابي حر وسيد، ويشارك فيه الجميع بمختلف انتماءاتهم وخلفياتهم ومشاربهم السياسية والفكرية والأيديولوجية.
وأمام مسارعة القوى الحزبية التقليدية التي ظلت تشكل الذراع السياسية لنظام بوتفليقة خلال العشريتين الماضيتين، إلى إعلان دعمها المطلق للدستور الجديد، تكون السلطة الجديدة والدستور نفسه قد وجدا نفسيهما أمام سيناريو مماثل لما كان سائدا في وقت سابق.
ولا تزال وضعية رئيس الغرفة الثانية للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) سليمان شنين، الذي استحوذ على المنصب بدعم من قيادة العسكر خلال العام 2019، خلفا للرئيس السابق معاذ بوشارب، تشكل أحد تجليات اهتزاز شرعية المؤسسة التشريعية في البلاد، كونه ينحدر من أضعف كتلة نيابية في البرلمان، والمتشكلة من تحالف لأحزاب إسلامية.
أما رئيس الغرفة الأولى (مجلس الأمة) صالح قوجيل، فقد صرح بأن “هذا المشروع الدستوري الذي وعد الرئيس تبون بتجسيده في حملته الرئاسية، كان يمكن ألا يعرض للنقاش ويتم استفتاء عليه مباشرة، لكن الرئيس فضل أن يشارك الجميع في مناقشته”.
وأضاف “نتمنى أن يصادق الشعب على المشروع من أجل بناء جمهورية جديدة ودولة للجميع، ويجب أن نفرق بين الدولة ونظام الحكم الذي يتغير حسب إرادة الشعب”.