عودة متقاعدي الجيش ومعطوبيه للاحتجاج تربك الرئيس الجزائري

أخذت الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر منحى مثيرا للجدل، بعدما حملت طابعا سياسيا قد يجرها لأن تكون جزءا من أدوات الصراع المستجد بين أركان السلطة، خاصة بعدما تدعمت بتدفق المئات من المحتجين من معطوبي ومتقاعدي الجيش على العاصمة لإحياء مطالبهم وسط اتهامات لم تتوان السلطة في توجيهها لأطراف في إطار ما تصفه بـ”المؤامرة”.

ويواصل متقاعدو ومعطوبو الجيش احتجاجهم الاجتماعي، في التخوم الشرقية للعاصمة، وسط أجواء من الاستياء من مستعملي المداخل المذكورة، بسبب غلقها من طرف الأمن، بغية منعهم من الوصول إلى وسط العاصمة ولفت الأنظار.

وتدفق منذ أيام المئات من الفئة المذكورة في مسيرة احتجاجية توقفت في التخوم الشرقية للعاصمة، بسبب الحواجز والرقابة الأمنية المكثفة، الأمر الذي أعاق حركة المرور بشكل لافت للآلاف من الزائرين للعاصمة من الناحية الشرقية للبلاد.

وأعلنت تنسيقية معطوبي ومتقاعدي الجيش العودة المفاجئة للاحتجاج في العاصمة، والانسحاب من طاولة المشاورات من طرف وزارة الدفاع الوطني، التي تعهدت في بيان سابق بالتكفل بمشاكل هؤلاء.

واستغرب مراقبون العودة المفاجئة لاحتجاجات الفئة المذكورة، بعد أن ساد الاعتقاد خلال الشهور الماضية بأن الملف قد سوي تماما، لاسيما بعدما انخرطت عناصر قيادية من التنسيقية في أجندة السلطة، وكانت وعاء شعبيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وارتبط مسلسل الاحتجاجات بتجاذبات سياسية سابقة، بدأت منذ اندلاع الجدل حول العهدة الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أن تنخرط جزئيا في الحراك الشعبي، ثم استقطابها من طرف جناح السلطة آنذاك ودعمت توجهات رجل العسكر القوي حينها الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.

وينتسب المحتجون إلى المؤسسة العسكرية، لكنهم أحيلوا على التقاعد أو العجز الصحي، نتيجة مهامهم خلال العشرية الدموية (1990- 2000)، من دون مزايا اجتماعية وصحية تكفل ظروف الحياة الكريمة، فدخلوا تحت مظلة تنسيقية في حركة مطلبية دخلت عامها الثالث.

ويبدو أن الاحتجاجات الاجتماعية تتزحزح تدريجيا إلى صلب الصراع المتجدد بين أركان السلطة، ولم تعد مجرد مطالب مهنية واجتماعية، بعدما أثارت اهتماما لافتا للسلطة وكانت سببا لانعقاد مجلس خاص للوزراء برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون، للنظر في ما سمي بـ”تراكم الأحداث”.

وإذا كان الرئيس تبون قد فقد بسقوط جناح قائد أركان الجيش السابق أحمد قايد صالح، ووصول التحقيقات القضائية إلى أفراد عائلة الأخير، السند الذي دعمه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن الاستفهامات باتت تطرح على مصير الرجل في ظل التطورات المتسارعة.

ولم يستبعد مصدر مسؤول في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، رفض الكشف عن هويته، في تصريح لـ”العرب”، بأن “يكون الدور القادم على الرئيس نفسه، وأن مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية والمحلية المنتظرة مطلع العام القادم، ستكون حرجة على الرجل، وأن الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة هي أوجه مخطط سحب البساط من تحت تبون”.

ويعكس الاهتمام اللافت للسلطة بالاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة، حجم مخاوف ترجمتها تصريحات لرئيس الجمهورية ولرئيس الوزراء عبدالعزيز جراد حول “تنفيذ خلايا النظام السابق لخطط إجهاض مسار التغيير السياسي في البلاد، والعمل على تأليب الشارع على السلطات العمومية”.

وأخذ الاهتمام أبعادا جادة بعد إقدام تبون، على إقالة العديد من المسؤولين المركزيين والمحليين لمؤسسة توزيع المياه، بمن فيهم مدير المؤسسة الفرنسية “سيال” التي تستحوذ على الخدمة، كما أقال عددا من المديرين المركزيين في وزرات ومؤسسات حكومية، وأجرى أول أمس، حركة واسعة في سلك الولاة (المحافظين).

ورغم تشديد رئيس البلاد على وزرائه، بضرورة التسوية العاجلة للعديد من المشاكل، إلا أن استمرار الوضع لأسبوع آخر يزيد من متاعب السلطة ويهز مصداقيتها أمام الرأي العام، لاسيما وأن مراكز البريد على سبيل المثال لا زالت تفرض على زبائنها السحب الجزئي للرواتب، والاضطرار لتقديمها بقطع نقدية نظرا لانعدام السيولة الورقية.

ويبقى بذلك الدخول الاجتماعي المنتظر أكبر تحدّ يواجه سلطة تبون، خاصة في ظل الجائحة الصحية التي أثرت بشكل لافت على النشاط الاقتصادي والتجاري في البلاد، وأضافت عبئا ثقيلا على مخلفات الأزمة الاقتصادية، وسيكون تزامنه أو توظيفه في صلب صراع مستجد في هرم السلطة، رهانا معقدا أمام تبون لإثبات جدارته وإنقاذ رأسه المطلوبة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: