غالي يبدع في الكذب لمواجهة أزماته
عودة البلال إلى واجهة الأحداث أثارت هلعا بالبيت الأصفر بالرابوني
يبدو أن أكاذيب زعيم “بوليساريو” لا تنتهي، فمنها يغذي آلته الدعائية، وعبرها يواجه أزماته الداخلية، ويحاول ترجيح موازين القوى لصالحه، كلما ضاق نفوذه داخل التنظيم.
آخر أكاذيب ابراهيم غالي كانت أثناء خرجته الأخيرة بتفاريتي، التي أعلن فيها عن نية “بوليساريو” إعمار “المناطق المحررة”، وتحويل هياكل الجناح السياسي للحركة إليها، رغم أنه يدري، في قرارة نفسه، أن أسطورة الإعمار المشروخة لا تعدو أن تكون جعجعة دون طحين، تقابل حاجة داخلية في التخدير المتواصل لعقول سكان المخيم، وتحويل أنظارهم عن وضعيتهم المزرية، وكذلك عما يعانيه التنظيم من تشرذم، ناتج عن صراعات بين ديناصورات الجبهة، للبقاء في السلطة، خصوصا بعد عودة عبد الله لحبيب البلال إلى واجهة الحدث، وما صاحبها من هلع بالبيت الأصفر بالرابوني، لدرجة أن بعض المحللين يرون في خرافة الإعمار رسالة موجهة من قبل “غويلي” وعصابته لجنرالات الجزائر، يلوح من خلالها بإمكانية لجوء “رقيبات الساحل” إلى المنطقة العازلة، في حال تم إقصاؤهم من قيادة الجبهة.
لم يكن يتوقع إبراهيم غالي أن تعصف المخابرات الجزائرية بكل ما خطط له منذ المؤتمر 15، وتعيد أحد ألد خصومه إلى دائرة الضوء، بعد أن سعى حثيثا إلى إزاحته عن التنظيم كليا. فبعد مقابلتين بسفارة الجزائر بباريس مع مسؤولين في المخابرات، عاد ولد البلال ليستقبل باعتباره شخصية “VIP”بالقاعة الشرفية لمطار هواري بومدين، قبل عقد لقاءات مع قادة أركان الجيش بالجزائر العاصمة، ثم انتقل إلى تندوف، حيث كان له لقاء مغلق مع مدير ديوان قائد الناحية العسكرية الثالثة، الذي أشرف على تنظيم استقبال على شرف ولد البلال بمنزله، حضرته مجموعة من مشايخ “رقيبات الشرق”، الذين يبدو أنهم تلقوا تعليمات بالالتفاف حول ولد البلال، في معركته المقبلة، ضد خصومه بالرابوني، وهو ما يوحي بنية الجيش الجزائري تكليف الرجل بدور ريادي في تسيير الجبهة.
أمام هذه التحولات، لم يجد “غويلي” بدا من الانطلاق إلى منطقة “الشيظمية”، التي يعتكف بها البشير مصطفى السيد، منذ أن رماه في مكب نفايات جيش المستشارين الوهميين، وألزمه الصمت بعد أن أمر “كريكاو” بسرقة وثائق تدينه، من داخل خزنته، ليعرض الصلح على غريمه لمواجهة خطر “رقيبات الشرق”، واتفق معه على التلويح بورقة إعمار المنطقة شرق الجدار العسكري، إذ لم يتوان البشير عن دعم كذبة إبراهيم غالي الجديدة، وطالب ممن سماهم “حلفاء المشروع الصحراوي بأن يظهروا حسن نواياهم ويدعموا “بوليساريو” في إعمار أراضيها المحررة”، رغم يقين البشير أن عسكر الجزائر لن يسمح بفرضية الإعمار، لأن من شأنها التأثير على ديمغرافيا المخيمات، التي تشكل عصب الحياة لاستمرارية الدور الجزائري في نزاع الصحراء، الذي دفع لأجل ديمومته الشيء الكثير، وهو ما يجعل من مسألة الإعمار أضغاث أحلام يروج لها زعيم الجبهة، ذرا للرماد في العيون.
إبراهيم غالي، الذي لم يستطع حيازة دعم النظام الجزائري له منذ خلافته لمحمد عبد العزيز على رأس الجبهة، سعى من خلال ورقة إعمار تفاريتي، إلى مواجهة انحصار دائرة نفوذه والحصول على دعم سكان المخيم في مواجهة عودة ولد البلال، وتخدير عقول الشباب، الذين باتوا مصدر إزعاج له، وتحويل الانتباه عن الظروف المعيشية المزرية بالمخيم، والتغطية على الآثار الكارثية لتفشي جائحة كورونا، التي أودت بحياة العشرات من الصحراويين بالمخيم. غير أنها في واقع الحال كذبة أخرى، للهروب إلى الأمام، بعد أن تناست فضيحة الوثيقة الخماسية الخيالية التي جندت لها القيادة أذرعها الإعلامية للترويج لوثيقة قيل إن “بوليساريو” أرسلتها للأمم المتحدة، تهدد فيها باتخاذ إجراءات ردعية ضد “مينورسو”، فانقلب السحر على الساحر، حينما طالبت هذه البعثة قيادة الويل بمدها بتوضيحات رسمية حول هذه الهجمة الإعلامية، وهو ما أرغم “غويلي” وزبانيته على الانصياع للأمر الواقع، فكاتبوا رسميا الأمم المتحدة، ليعبروا لها عن التزامهم المطلق بعدم القيام بأي عمل يمكن أن يحد من حرية تنقل أفراد بعثتها، أو يشكل مساسا ببنود اتفاق إطلاق النار.