أحمد قايد صالح من بطل ملهم إلى جنرال منغمس في الفساد
تصاعدت بشكل مفاجئ وتيرة صراع مستجد داخل السلطة في الجزائر، بعد عودة قوية لرموز الجناح العسكري المعروف بـ ” الصقور”، مقابل سقوط مدوي لجناح قائد الجيش السابق، فالقائد الملهم الذي كان على وشك تخليده بفيلم سينمائي قدرت موازنته بنحو ثلاثة ملايين دولار، كُشف أنه رجل فاسد كغيره من رجالات الفساد في البلاد.
انتقلت الحرب الناعمة على جناح قائد أركان الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، من الإطاحة بالجنرالات وكبار الضباط المحسوبين عليه من مناصبهم في المؤسسة العسكرية إلى العائلة، فبعد صدور قرار قضائي يمنع نجليه عادل بومدين، من السفر تحسبا لفتح تحقيقات قضائية معهما، تم الكشف أمس الاثنين عما سمي بـ “ثروة الظل ” للجنرال قايد صالح.
وتولت صحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية، المحسوبة على تيار الصقور داخل المؤسسة العسكرية (جهاز الاستخبارات السابق )، بالكشف عن تفاصيل ثروة وممتلكات وعقارات الرجل في مدينة عنابة (مسقط رأسه )، وفي عموم الجزائر، مما يدرج الرجل في خانة النخب العسكرية والسياسية الفاسدة.
ولم يحقق الجرد الذي أورده التقرير، أكثر مما يتداول لدى الشارع في المدينة المذكورة وفي الدوائر المطلعة، حيث كانت ثروة وممتلكات الجنرال الراحل يشار إليها بالايماءات بسبب نفوذه وسطوته على السلطة خلال السنوات الأخيرة، خاصة منذ العام 2018.
ولو أن الرجل قدُّم في وثائق ” ويكيليكس “، على أنه من “أكبر وأفسد وأثرى الضباط في جيوش العالم”، إلا أن الجنرال ظل بعيدا عن المساءلة والحساب، فهو إلى غاية أبريل 2019، كان أحد المقربين والأوفياء للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عراب الفساد المالي والسياسي في الجزائر، وأصبح بعدها الحاكم الفعلي إلى غاية تنظيم الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ديسمبر الماضي.
ويبدو أن الرجل الذي بطش بخصومه في السلطة والجيش وأدخل كبار المسؤولين إلى السجن، وتحايل على الحراك الشعبي من أجل بسط نفوذه وإحاطة نفسه بضباط ومسؤولين موالين له، يدفع الآن ثمن المرحلة، فبعد تسويقه في ثوب الرجل الملهم الذي فبركت له جنازة تاريخية، وكان على وشك التخليد بفيلم سينمائي وأطلق إسمه على مبنى قيادة الأركان، يظهر الآن في صورة الرجل الفاسد كغيره من الفاسدين الذين نهبوا وبددوا ثروات الدولة.
وكسر التقرير جدار الصمت الذي كان يحيط بالرجل، فما كان متداولا صار موثقا ويجري تحويله إلى قرائن لفتح تحقيق قضائي حولها وإحالة أفراد عائلته للمساءلة القانونية عن الثروة والممتلكات والعقارات، التي اكتسبتها تحت ظل نفوذ الجنرال الراحل.
ممتلكات الجنرال الراحل كان يشار إليها بالإيماءات بسبب نفوذه وسطوته على السلطة
وامتلكت العائلة صحيفة محلية (ايدغ نيوز) في مدينة عنابة ، وكانت تحوز على ربع شركة الاعلامات الحكومية، وشركات عمومية استحوذت عليها بالدينار الرمزي في إطار مشروع الخصخصة، ومؤسسات عقارية وقطع أراضي وفلل وشقق وميناء جاف ومحطات التزويد بالوقود.. وغيرها.
وأعاد التقرير المقولة الشهيرة لمدير الأمن السابق المسجون الجنرال عبد الغني هامل، عشية اقالته من منصبه في 2018، ” من يريد مكافحة الفساد عليه أن تكون أيديه بيضاء”، في تلميح إلى الجنرال قايد صالح، الذي خاض حينها ثورة في مفاصل الدولة، بعد إجهاض شحنة الكوكايين في مايو 2018، التي كشفت ضلوع مسؤولين كبار بالدولة فيها.
وتوفي قايد صالح بشكل مفاجئ نهاية شهر ديسمبر الماضي، وخلفه في منصبه قائد الأركان الجديد الجنرال سعيد شنقريحة، حيث نظمت له جنازة شابها الكثير من اللغط، بسبب الحشد البشري واللوجيستي والخطاب السياسي الذي قدمه في ثوب ” البطل الملهم “، قبل أن ينقلب كل شيء وينشر غسيل الفساد الذي كان ينغمس فيه.
وأوحى تصريح عرّاب جناح الصقور في المؤسسة العسكرية، الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع السابق، الفار من العدالة في اسبانيا خالد نزار، إلى أن تحولا قويا ومفاجئا يكون قد حدث داخل المؤسسة العسكرية، باستعادة جناح الاستخبارات السابق لزمام المبادرة، وهو بصدد التخلص من تركة الجنرال قايد صالح ومنه شخصيا، بمسح ذكراه من مخيلة أنصاره تحت يافطة الانغماس في الفساد.
وعبر خالد نزار في منشور على موقع اخباري تملكه عائلته “الجيري باتريوتيك”، بأن “الجيش الجزائري أصبح في أيادي أمينة”، وحض الجزائريين على الانخراط في مشروع الرئيس تبون، كما وصف الحراك الشعبي، بـ “المشروع الإرهابي والظلامي”، ويلمح الرجل في تصريحه الى ترحيبه بـ” نهاية مرحلة قايد صالح على رأس الجيش، وقدوم قيادة جديدةط.
ويبدو أن الجزائر المنهكة منذ عقود بأزمة معقدة ومتشابكة، تتجه للدخول في نفق جديد، وهي لا تعرف طريقا من نفقها الحالي، قياسا بالتوجه المجهول الذي ينتظرها في ظل العودة القوية لصقور الجيش الى السلطة، خاصة وأن الذاكرة تحتفظ لهؤلاء بالعشرية الدموية.