لا شذوذ أفريقيا في التعامل مع الانقلابات العسكرية

شتت دخول مجموعة غرب أفريقيا (إيكواس) في مفاوضات مع الانقلابيين العسكريين في مالي بشأن ترتيبات انتقال السلطة، جهود تقويض الانقلاب العسكري واستعادة الحكم المدني، في خطوة صنفها مراقبون بالمتوقعة في رقعة جغرافية تاريخها حافل بالانقلابات العسكرية.

 خفتت أصوات التنديد بالانقلاب العسكري في مالي مع إعلان مجموعة غرب أفريقيا شروطا لإدارة العسكريين الانقلابيين للفترة الانتقالية التي وعدوا بها، ما يجعل الاعتراف بالانقلابات العسكرية في أفريقيا قاعدة لا حياد عنها.

وعادة ما تبدأ معظم الاستيلاءات العسكرية على السلطة في أفريقيا من قبل بعض الضباط المتمردين داخل الجيش، حيث يقومون بالاستيلاء على السلطة عن طريق احتجاز القادة أو إجبارهم على التنحي ثم يلقون لاحقا دعما إقليميا بناء على مصالح دول الجوار.

وغادرت مجموعة غرب أفريقيا مربع الدعوة لاستعادة الحكم المدني في مالي الخميس، إلى الخوض في تفاصيل ترتيبات الحكم بعد أن اشترطت فترة انتقالية لعام واحد يديرها مدني أو عسكري متقاعد تتوج بانتخابات، فيما تقدم الانقلابيون بخارطة طريق مماثلة لكنها تمتد لثلاث سنوات.

وقالت الرئاسة النيجيرية في بيان إن وسطاء غرب أفريقيا أبلغوا قادة الانقلاب العسكري في مالي بأن المنطقة ستقبل بحكومة انتقالية يقودها مدني أو عسكري متقاعد لمدة لا تتجاوز 12 شهرا.

فرنسوا لوكوانتر: على المجلس العسكري الالتزام بمكافحة الجهاديين

وأضافت “تقوم الحكومة الانتقالية عندئذ بتنظيم انتخابات لاستعادة النظام الدستوري الكامل”.

وجاء ذلك بعد اجتماع بين الرئيس النيجيري محمد بخاري ورئيس وفد التكتل الإقليمي الذي عاد هذا الأسبوع من محادثات مع ضباط الجيش الذين قادوا الانقلاب في باماكو في 18 أغسطس.

وبمغادرتها مساعي تقويض الانقلاب، دخلت إيكواس في مرحلة التفاوض ومحاولة انتزاع أكبر تنازلات ممكنة من العسكريين، في ظل مخاوف من عدم تسليمهم السلطة في ما بعد، وهو سيناريو مرجح جدا في قارة تاريخها مليء بحكم العسكر الانقلابي.

والخميس أعلن الجيش إطلاق سراح الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا الذي أطاح به انقلاب الأسبوع الماضي بعد سبع سنوات في السلطة في البلد الذي تنشط فيه جماعات إسلامية متطرفة.

وصرح الناطق باسم المجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور في مالي الكابتن جبريلا مايغا بأن “الرئيس أبوبكر كيتا حر في تحركاته وهو في منزله”، فيما أكد أحد أفراد عائلته لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم الكشف عن هويته إن كيتا عاد إلى منزله في منطقة سيبينيكورو الليلة الفائتة.

وقالت اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب التي شكلها الجيش لقيادة البلاد على فيسبوك إنها “تبلغ الرأي العام الوطني والدولي بإطلاق سراح الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا وهو حاليا في مقر إقامته”.

ويرى مراقبون أن عملية إطلاق سراح الرئيس المعزول جاءت في إطار صفقة عقدتها مجموعة غرب أفريقيا مع الانقلابيين، تؤسس لاعتراف بالمجلس الانتقالي العسكري في مالي مقابل تعهدات بتسليمهم السلطة عقب فترة انتقالية.

ووفقا لهذه المعادلة، تبدو العملية في مالي سياسية بامتياز، ويتوقع أن تخوض فيها مجموعة غرب أفريقيا مفاوضات صعبة مع الانقلابيين للتوافق بشأن خلافات مدة المرحلة الانتقالية والتي لن تكون في متناولها وفق مراقبين.

تاريخ حافل بالانقلابات 

وفي المقابل باتت جهود القوى الدولية كفرنسا والولايات المتحدة منصبة على ضمان مواصلة التصدي للجهاديين، فيما يزداد موقفها من الانقلاب العسكري الذي نددت به في وقت سابق ليونة.

وفي تالين، أعلن رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر أن على المجلس العسكري المالي الحفاظ على التزام بلاده بمواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة.

وقال في العاصمة الإستونية “نرغب في استمرار مشاركة الجيش المالي في القتال ضد الجماعات الإرهابية المسلحة. لدينا عدد معين من المتطلبات” لاستئناف السيطرة على مناطق معينة في منطقة الحدود الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو”.

وأضاف “سنرى ما إذا كانت الجيوش المالية قادرة على مواكبة وتيرة” العمليات تجنبا لخسارة الجهود المبذولة في المنطقة.

وحرصت المجموعة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي على التأكيد أن “السلام في مالي أولويتنا” وأن القوات الإقليمية والأجنبية المنتشرة في البلاد “تبقى شريكتنا”، في إشارة إلى بعثة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما” وقوة برخان الفرنسية وقوة مجموعة دول الساحل الخمس وتجمع القوات الخاصة الأوروبية “تاكوبا” المكلفة بمواكبة العسكريين الماليين.

وفي مارس 2012، مع إطلاق المتمردين الطوارق هجوما كبيرا على شمال مالي، تمرد عسكريون على ما اعتبروه تقاعسا للحكومة في التعامل مع الوضع، وأطاحوا بالرئيس توماني توريه.

لكنّ الانقلاب عجّل بسقوط شمال البلاد في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة، قبل أن يتم دحرها خصوصا بعد تدخل عسكري فرنسي في يناير 2013 لا يزال مستمرا.

وتوسعت هجمات الجماعات الجهادية إلى وسط البلاد عام 2015، ما أدى إلى خسائر مدنية وعسكرية جسيمة.

وهذه الهجمات المتداخلة مع نزاعات محليّة، امتدت أيضا إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين.

ونددت المعارضة في الأشهر الماضية بعجز السلطات المالية عن السيطرة على مناطق مترامية من شمال البلاد ووسطها.

وعزا العسكريون خطوتهم إلى انعدام الأمن الذي يسود البلاد وافتقار الجيش إلى الإمكانيات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: