الفاتح من نوفمبر موعد الاستفتاء الشعبي على الدستور في الجزائر
أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الاستفتاء المرتقب على الدستور الجديد للجمهورية سيكون في الفاتح من شهر نوفمبر، في خطوة مثيرة باعتبار أن هذا التاريخ يتزامن مع الاحتفالات بعيد ثورة التحرير الذي له رمزية كبيرة لدى الجزائريين، إضافة إلى تدشين جامع الجزائر الأعظم.
ينتظر الجزائر يوما طويلا في الفاتح من نوفمبر القادم، بسبب تنظيم استحقاقين مهمين إلى جانب الاحتفالات التقليدية بعيد ثورة التحرير، وذلك بعدما تقرر تنظيم الاستفتاء الشعبي على الدستور، والتدشين المنتظر لمسجد الجزائر الأعظم الذي أثار الكثير من الجدل في البلاد.
وقررت الرئاسة الجزائرية تنظيم الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد في الفاتح من شهر نوفمبر المقبل، وهو التاريخ الذي فاجأ الجزائريين كونه يتزامن مع بداية أسبوع محلية (الأحد)، ويتزامن أيضا مع الاحتفالات المخلدة لعيد ثورة التحرير، والتدشين المنتظر لمسجد الجزائر الأعظم.
ويبدو أن السلطة الجديدة، بسبب التعاطي مع الملفات الموروثة عن العهد البوتفليقي، ومع الأزمة السياسية الداخلية التي فجرها الحراك الشعبي في فبراير 2019، تريد الرمي بكل الأوراق المتاحة، من أجل تحريك المياه السياسية الراكدة، وطي الاستحقاقات المتراكمة قبل الذهاب إلى تنفيذ أجندتها الطويلة.
وفيما ذكر بيان بثه التلفزيون الحكومي أنه “في ضوء مشاورات السيد رئيس الجمهورية مع الجهات المعنية، تقرر تحديد تاريخ أول نوفمبر 2020 القادم موعدا للاستفتاء على مشروع الدستور”. وهو التاريخ الذي جاء في أعقاب لقاء جمع بين الرئيس عبدالمجيد تبون، ورئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، الذي قدم له عرضا عن الاستعدادات الجارية لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المبرمجة، بدءا بالاستفتاء على مشروع تعديل الدستور.
وتتجه الجزائر لإجراء أول استحقاق سياسي منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر الماضي، وأفرزت تبون رئيسا للبلاد، في أجواء يسودها الكثير من التردد والغموض، نتيجة الاحتقان الذي يخيم على المشهد الداخلي، نظرا لاستمرار القطيعة بين السلطة والحراك الشعبي، وفي ظل غليان شعبي يهدد بالانفجار بعدما عجزت الحكومة عن إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية لتداعيات الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا.
وتراهن السلطة الجديدة في الجزائر على ورقة تعديل الدستور من أجل تحقيق ما تسميه بـ”التغيير” والذهاب إلى “جزائر جديدة”، إلا أن غياب الإجماع الداخلي على الوثيقة يجعلها أمام تحديات معقدة، فإلى جانب النقاش المحدود عن تفاصيلها بسبب تفرغ الكل للجائحة الصحية، ما زالت قوى الحراك الشعبي متمسكة بمطالبها الراديكالية (الرحيل الكلي للسلطة والتغيير السياسي الشامل)، الأمر الذي يتجاوز الحلول التي تقترحها الوثيقة للخروج من مأزق البلاد السياسي.
ويبدو أن السلطة الجديدة تعول على إثارة المشاعر القومية والإسلامية من أجل استقطاب أكبر التيارين السياسيين والشعبيين في البلاد، ودفعهما للانخراط في مسعى الاستفتاء الدستوري، عبر الجمع بين الاحتفالية التاريخية وتدشين أكبر صرح ديني في البلاد، بالاستثمار في إمكانية تحقيق إنجاز تاريخي جديد بتسوية معينة مع الفرنسيين بشأن ملف الذاكرة والتاريخ، وإدخال المسجد الذي لا زال يثير المزيد من اللغط حيز الخدمة.
وكان الطرفان الجزائري والفرنسي قد نصبا لجنة مشتركة برئاسة المؤرخين المعروفين عبدالمجيد شيخي وبنيامين ستورا، للتفاوض بشأن تسوية تاريخية بين البلدين، تشمل عددا من القضايا كالجماجم المحتجزة في متحف الإنسان بباريس، وضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، ومفقودي حرب التحرير، والجرائم الاستعمارية. ولا يستبعد الإعلان، ولو جزئيا، عن نتائج مفاوضات اللجنة لاستثمارها في الاستحقاق الدستوري.
ونفس الشيء بالنسبة إلى المسجد الأعظم الذي يحمل رمزية تاريخية وروحية بين البلدين، حيث تمت إقامته في المكان الذي شيدت فيه فرنسا أكبر كنيسة تبشيرية خلال الفترة الاستعمارية، وبعدما تم تحويل تسمية المكان من “لافيجري” إلى “المحمدية” بعد الاستقلال، ثم تقرر تشييد المسجد المذكور، رغم اللغط الذي أثير حوله.
وكلف المسجد الأعظم خزينة الدولة قرابة المليارَيْ دولار، واستغرقت فترة إنجازه 11 سنة، حيث وضع الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة حجر الأساس، وأثار جدلا كبيرا في الشارع الجزائري، نظرا لتزامنه مع أزمة اقتصادية خانقة، واستهلاكه مبلغا ضخما طالب البعض بتحويله لبناء مستشفيات حكومية راقية للقضاء على أزمة القطاع الصحي في البلاد، بدل الانغماس في التباهي بالشعارات الدينية.
الرئاسة الجزائرية قررت تنظيم الاستفتاء على الدستور في الفاتح من نوفمبر، وهو تاريخ يتزامن مع الاحتفالات بعيد ثورة التحرير
واستقبلت المشرفة على تعديل الدستور برئاسة الأكاديمي أحمد لعرابة، عشرات وثائق الإثراء من الأحزاب السياسية والتنظيمات والجمعيات الأهلية، لكن تجهل إلى حد الآن الصيغة النهائية للتعديلات، لاسيما وأن بعض مقترحات المسودة أثارت انتقادات شديدة، خاصة فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية والهوية ودور مؤسسة الجيش في المستقبل.
وقياسا بالترحيب المثير لقيادة الجيش بالعقيدة الجديدة للمؤسسة، يبدو أن مسألة دور العسكر في المستقبل قد حسم ولا مجال لتحذيرات التراجع عن العقيدة التاريخية المبنية على الدفاع عن السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، حيث يصبح بإمكان الجيش الجزائري تجاوز الحدود الإقليمية للبلاد من أجل مهام إقليمية ودولية.
وفي تعليق لنائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي، ذكر في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك، أن “السلطة تختار أول نوفمبر الذي وحد الشعب وحرره، لتقسيمه وإرضاخه باستفتاء الأمر الواقع”.
وأضاف “إن السلطة تختار الذهاب لمواجهة ثانية ضد إرادة الشعب دون احتساب كل مخاطر الانزلاق وتقسيم الشعب الجزائري الذي استعاد وحدته بفضل الحراك الوطني السلمي”.