ضغوط شعبية جزائرية تتصدى لتحرير التجارة مع أوروبا
يواجه تنفيذ اتفاق منطقة التبادل الحر بين الجزائر والاتحاد الأوروبي خطر عدم سريانه في موعده المقرر مطلع الشهر المقبل، بسبب الضغوط الشعبية المسلطة على المسؤولين بسبب تداعياته “المدمرة” على اقتصاد البلد النفطي، كونه لا يحدد معايير متكافئة قد تساعد البلاد على تجنب المزيد من الاهتزازات بسبب إدمانه الشديد على عوائد الطاقة.
يرجح خبراء ومتابعون للوضع الاقتصادي الجزائري عدم دخول اتفاق منطقة التجارة الحرة بين البلد النفطي والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في موعده في الأول من سبتمبر المقبل في ظل اعتراضات واسعة عليه في الجزائر.
وتمارس الأوساط الاقتصادية والشعبية ضغوطا شديدة على السلطات من أجل تعليق الاتفاق ريثما تتم مراجعة بنوده على النحو الذي يكفل فيه الجزائريون حقوقهم من حيث تكافؤ الفرص وأن يعود بالنفع على سكان البلد النفطي العضو في منظمة أوبك.
واقترحوا تأجيل تنفيذه مع إعادة النظر في بنوده مرة أخرى على الرغم من أنه شهد تأجيلات متكررة تحت مبررات الإضرار بمصلحة الاقتصاد الجزائري، الذي يعاني بسبب التخبط في معالجة الأزمة الازدواجية بعد انهيار أسعار النفط والإطاحة بنظام عبدالعزيز بوتفلقية.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد وجه مطلع أغسطس الجاري تعليمات إلى وزير التجارة كمال رزيق “من أجل الشروع في تقييم الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف”.
وركز تبون على اتفاق الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوروبي، والذي قال إنه “يجب أن يكون محل عناية خاصة تسمح بترقية مصالحنا من أجل علاقات متوازنة”.
ويشكل هذا الاتفاق امتدادا لشراكة بين الطرفين أقيمت قبل 18 عاما كانت تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية أكثر وإقامة تعاون مشترك يقضي بتزويد أوروبا بالغاز والنفط بينما تحظى الجزائر باستيراد السلع وفق أسعار تفاضلية.
ووعد رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد الأربعاء “بمراجعة قواعد الدفاع التجاري” من خلال “إعادة النظر” في الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية “التي لا تخدم مصالح البلاد”، وإعادة توجيه الجهاز الدبلوماسي لخدمة المصالح الاقتصادية للبلاد. وبدا واضحا أن الموضوع يتعلّق باتفاق الشراكة الموقعة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في أبريل 2002، وإن لم يذكره بالاسم.
وهناك شبه إجماع في الجزائر حول انتقاد تنفيذ هذا الاتفاق، من السياسيين والخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال، الذين يشجبون العجز الواضح في الميزان التجاري لصالح الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر للجزائر على حساب رابع أكبر اقتصاد في أفريقيا.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن إجمالي الصادرات الجزائرية باستثناء المنتجات النفطية نحو الاتحاد الأوروبي لم يصل إلى 14 ملايين دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، بينما بلغت الواردات الجزائرية من الاتحاد الأوروبي 220 مليار دولار.
ولكن رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي ناصري، قد أوضح أن البلاد استوردت بضائع بقيمة 320 مليار دولار بين 2005 ونهاية 2019 من الاتحاد الأوروبي، بينما لم تصدّر إلى الاتحاد، خارج النفط والغاز، سلعا قيمتها أكثر من 15 مليار دولار.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى ناصري قوله إن “المفاوضات حول الاتفاق جرت في الأساس بشكل سيء. ففي ذلك الوقت، صادقت الجزائر عليه وكان عدد أعضاء الاتحاد 15، بينما اليوم يبلغ عددهم 27، وسيزيد في السنوات القادمة”.
ودخل اتفاق الشراكة بين بروكسل والجزائر حيز التنفيذ في الأول من سبتمبر 2005، على أن تفتح أسواق كل منهما على الجهة الأخرى، تحضيرا لإنشاء منطقة التجارة الحرة.
وقد نصّت بنود الاتفاق على منح الجزائر فترة انتقالية مدتها 12 عاما، حتى 2017، لتلغي تدريجيا الرسوم الجمركية على منتجات صناعية، وتطبّق تحريرا انتقائيا للمنتجات الزراعية.
ثم تم تمديد الفترة الانتقالية لثلاث سنوات حتى الأول من سبتمبر 2020، لبعض المنتجات مثل الصلب والمنسوجات والأجهزة الإلكترونية والسيارات.
وطلبت الجزائر أكثر من مرّة إعادة التفاوض على اتفاق تعتبر أنه ليس في صالحها، ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة عنابة ناجي خاوة أن “الشراكة الجزائرية الأوروبية لم تف بوعودها للجزائر”.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى خاوة تأكيده أن مجرد فتح السوق الجزائرية أمام المنتجات الاستهلاكية الأجنبية لا يمكن أن يبني اقتصادا أقل اعتمادا على الريع، مثل اقتصاد الجزائر الذي يعتمد على النفط، ولا أكثر إنتاجية، ولا يؤدي بالتالي إلى تحقيق النمو.
وحول مصير اتفاق التجارة الحرة، قالت وزارة التجارة إنه تمّ تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين وزارات عدة بهدف “تقييم اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي”.
ولكن بسبب الوباء توقف عمل المجموعة و”لم يُستأنف إلا في الآونة الأخيرة لإنهاء التفكير في نقاط القوة ونقاط الضعف” في الاتفاقات التجارية التي أبرمتها الجزائر.
ويقول خاوة، عضو الملتقى الأوروبي المتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية بمدينة مارسيليا إن “الأنسب هو التوقف لفترة قصيرة لإعادة النظر في القضايا الجوهرية التي تمنع التقاسم العادل للمنافع الاقتصادية المحتملة”.
ودعا الخبير الاقتصادي الجزائري إلى إعادة التفاوض بشأن “العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على أساس دولة إلى دولة”، بدل دولة مقابل كيان اقتصادي من 27 دولة. ويعبّر ناصري عن أمله في إعادة التوازن في العلاقات مع الأوروبيين، قائلا “يريدون البيع وعلينا أن نحسب أموالنا”.
ويتابع “أنا من الذين يقولون كفى! 99 في المئة من المنتجات الصناعية موجودة في اتفاق التجارة الحرة منذ 2018.. ما لا يقبله الاتحاد الأوروبي هو أن الجزائر تضع تدابير وقائية لأداة الإنتاج لدينا التي هي بالفعل ضعيفة للغاية”.
ويدعو الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول الأستاذ في جامعة وهران إلى “إعادة بعث التعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي من أجل إعطاء هذه الاتفاقية كل أهميتها واستخدام إمكاناتها الهائلة في مكوناتها الثلاثة، السياسية والاقتصادية والإنسانية”.