المخابرات الجزائرية تحضر لخلافة غالي
يبدو أن معركة خلافة إبراهيم غالي على رأس “بوليساريو” أخذت منعطفا جديدا، بعد أن استدعي عبد الله لحبيب البلال للحضور إلى ثكنة بن عكنون بالجزائر العاصمة، من قبل اللواء محمد قايدي. ومن المحتمل أن يصل ولد البلال، بحر هذا الأسبوع، قادما من فرنسا، التي توجه إليها بعد أن قضى فترة علاجية بمستشفى الملكة صوفيا بقرطبة بإسبانيا، في ظرفية تكونت خلالها قناعة عند الحليف أن زعيم عصابة الرابوني عجز عن تنفيذ المهمة الموكولة له، وظل يتخبط في سلسلة من المشاكل الداخلية التي أبانت عن ضعفه أمام التيارات النافذة داخل القيادة، إذ، لأول مرة، تخرج خلافات أجنحة “بوليساريو” للعلن، وتستخدم ملفات غاية في الحساسية حطبا لمعركة تكسير العظام، التي بدأت بإزاحة عبد القادر الطالب عمر من منصبه، وتجميد تحركات البشير مصطفى السيد، وبزوغ نجم الثنائي “كريكاو” (إبراهيم احمد محمود بيد الله) ومصطفى ولد سيد البشير، وهو قطب سيطر على إبراهيم غالي، وفرض عليه التخلص من خصومهم التقليديين، وعلى رأسهم عبد الله لحبيب البلال (وزير الدفاع السابق)، والبشير مصطفى السيد، الذي هزم شر هزيمة، بعد سرقة وثائق مهمة من منزله، تم استعمالها في ابتزازه، وهو ما أجبره على الانسحاب من المشهد السياسي.
من هو عبد الله لحبيب البلال؟
تتحدر عائلة أهل البلال من منطقة “أم لعسل”، التابعة لإقليم تندوف، وكان لحبيب ولد عبدي ولد البلال شيخ قبيلة “أولاد الباد”، المنتمية لرقيبات الشرق، أحد أبرز الوجوه التي استعانت بها الجزائر من أجل اقتحام قضية الصحراء، نظرا لمكانته بين الصحراويين، ورقيبات الشرق تحديدا، إذ كان مكلفا من قبل الحاكم العسكري لتندوف بتوزيع المساعدات أثناء الفيضانات أو الجفاف، كما كان مرجعية لسكان تندوف لحل الخلافات والمنازعات التي يتورط فيها صحراويو جنوب غرب الجزائر، الأمر الذي أهله للعب دور محوري في تأطير رقيبات تندوف، ضمن صفوف “بوليساريو”.
ومكافأة له على جهوده، تم إرسال ابنه عبد الله إلى جامعة الفاتح بطرابلس في 1977، حيث أمضى سنتين دون نتيجة، ما جعل عسكر الجزائر يعيده للمخيمات قبل أن يلحقه بأكاديمية “شرشل” العسكرية، ليظل بعد ذلك رجل الجزائر الوفي داخل الجناح المسلح لـ “بوليساريو” رغم عدم انتمائه لمنطقة الصحراء، المتنازع حولها، وعدم مشاركته في الحرب طيلة النزاع المسلح، ولم يسكن بمخيمات اللاجئين. إلا أنه ظل يتسلق المناصب إلى أن تم تعيينه وزيرا للدفاع مطلع 2015، خلفا لابن عمه محمد لمين البوهالي، وهو التعيين الذي رسخت من خلاله الجزائر قاعدة ثابتة، مفادها أنها لا تثق إلا في رقيبات تندوف، ولن تسلم عتادها وسلاحها إلا لهم.
لماذا تراهن الجزائر على رقيبات الشرق دون غيرهم؟
منذ افتعال قضية الصحراء، منتصف السبعينات، عمدت الأجهزة الجزائرية، على نطاق واسع، من أجل جمع رقيبات الشرق، الذين يقطنون فوق أراضيها وتجنيدهم ضمن الجبهة، وتعيينهم على رأس ملفات حساسة، وتقديمهم على أنهم صحراويون من سكان الإقليم المتنازع عليه، اضطرتهم ظروف معينة فرضها الواقع المناخي إلى النزوح نحو تندوف، إلا أن الحقيقة هي أن رقيبات الشرق لم يقطنوا الصحراء يوما باستثناء “البيهات” وبعض الأعراش من “الفقرة”، الذين هاجروا إلى الصحراء مع بداية القرن الماضي.
وانطلاقا من قناعته بنجاعة اللعب على وتر القبلية لتحقيق أهدافه بالصحراء، بادر هواري بومدين، منذ بروز البوادر الأولى لنزاع الصحراء، بالاجتماع، في بشار، مع شيوخ رقيبات الشرق وحثهم على الانصهار داخل “بوليساريو”، واعدا إياهم بتجنيس كل منتسبي قبائلهم لضمان مستقبلهم، ومنحهم امتيازات، على رأسها الاستفادة من توزيع السكن بتندوف، وكذلك ضمان توصلهم بحصة الأسد من الدعم الموجه لصحراويي المخيمات.
ومنذ ذلك الاجتماع، انطلقت الأجهزة الجزائرية في تكوين رجالاتها داخل “بوليساريو”، بدءا بمحمد عبد العزيز وولد البوهالي، ووصولا لعبد الله لحبيب البلال، الذي استنفرت الجزائر إعلامها للتسويق له قائدا مجددا قادرا على ضخ دماء جديدة في عروق حركة مهترئة لا تريد لها الجزائر أن تموت.
وإذا كان من السابق لأوانه التنبؤ بما سيقوم به ولد البلال عند عودته للرابوني، فالأكيد أن الرجل لن يصافح خصومه، وتحديدا المجموعة التي أرغمت إبراهيم غالي على عزله من وزارة الدفاع، ودفعته للمكوث بأوربا بعد شفائه، فلا شك أن خصومه السياسيين استشعروا خطر رجوعه بضمانات من الجيش الجزائري، إذ بدأ “كريكاو” تحركاته، وسارع بالقيام بزيارات مكوكية لشيوخ قبائل رقيبات الشرق والساحل معا، محاولا ضمان ولائهم، أو على الأقل حيادهم، في حربه المرتقبة مع ولد البلال الذي يبدو أن “كريكاو” قد حصل على معلومات تفيد أنه ينوي تصفية حساباته مع معارضيه، إلا أن هذا الأخير لم يجد تجاوبا إلا من قبل شيوخ “السواعد” و”أولاد موسى”، الذين وعدوه بمساندته في مساعيه لإقناع الجزائريين بأهمية تجنب المزيد من المواجهات داخل جبهة أصبح بيتها أوهن من بيت العنكبوت.