الموت يطوق أزقة درب السلطان

سكان الحي الشعبي صاروا أشبه بشخصيات روايات الأدب الوجودي

وجد سكان بعض أزقة درب السلطان بالبيضاء، أنفسهم خلال الأيام الأخيرة، أشبه بشخصيات خارجة من بطون روايات الأدب الوجودي.
وصارت فئة من سكان هذا الحي الشعبي، تعيش مأزقا وجوديا في مواجهة الموت، يشابه ما عاشه أبطال روايات أندري مالرو وألبير كامو وسارتر، ممن وثقوا في أعمالهم الأدبية فترة حرجة عاشتها الإنسانية ما بين الحربين العالميتين، حين وجد الإنسان نفسه في الحالات القصوى للعزلة ومقاومة الموت والدمار.
نعم اختلف سياق المواجهة، لكن الخطر واحد، فوباء كورونا لم يختلف عن حمق وجنون هتلر وموسوليني وكل الأسماء، من المحور والحلفاء، التي ساهمت في تأجيج الحرب، وكلفت البشرية ملايين الضحايا.
هذا الوباء يقدم نفسه مثل منايا زهير بن أبي سلمى، تحوم حول الإنسان، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ متى ولا كيف تخبط خبطتها العشواء. يتحرك كورونا بيننا مثل قط بري طائش لا نظام يحكمه أو يضبطه. حتى العلم والطب اللذان يبحثان عن منطق النظام الذي يتخلله ما زالا مترددين في الإعلان عن النتائج.
كل دول العالم تصرفت بما تملك من رصيد حضاري ومعرفي للتصدي للوباء الذي كان أعدل قسمة عرفتها البشرية، ومنطقة درب السلطان، التي تنتمي إلى هذا البلد السعيد، أظهرت المستوى الذي نواجه به هذا الوباء.
استهتار واستخفاف بخطورة كورونا منذ الأيام الأولى للحجر. الحركية والنشاط التجاري لم يتوقفا في أصعب الأيام التي ضرب فيها الحصار على مختلف مدن ومناطق المملكة، ليظل درب السلطان استثناء في كل شيء، مطبقا الحجر بالتيمم، تحت أنظار السلطة المحلية التي لم تتعامل بالحزم اللازم لفرض النظام، لتستسلم بدورها للخصوصية الفوضوية لهذا الحي.
والنتيجة بدأت تظهر معالمها قبل أيام، حين وجد درب السلطان نفسه معنيا بالأحياء والأزقة التي ضُرب عليها حصار استثنائي، بعد أن حقق به كورونا أرقاما قياسية، شرع في حصد ضحاياها أسرا وعائلات وأزقة بكاملها.
والنموذج بدأ من الزنقتين 13 بدرب بوشنتوف، و35 بدرب بلعالية بالحي نفسه، إذ لجأت السلطات المحلية إلى تطويقهما بالسياجات، بعد ظهور حالات إصابة، سرعان ما انتقلت عدواها إلى أغلب سكانهما.
والطريف أن الإجراءات الاحترازية لم تخل بدورها من عبث، إذ عجزت السلطات والمصالح الطبية عن احتواء الحالات المصابة، والتي بدأت بعشر إصابات في منزل واحد ببوشنتوف، قبل أن يتضاعف العدد بسرعة ما بين مصابين ومخالطين، ليتم الاكتفاء بنقل بعضهم فقط لتلقي العلاج بالمستشفى الميداني بالمعرض الدولي، في حين تُرك الآخرون ليواجهوا مصيرهم بالعلاج الذاتي في المنزل، بينما رفض مخالطون آخرون إجراء التحاليل.
والمفارقة أن الحصار والمراقبة تهمان فقط الوافدين على الزنقة، أما الخارجون منها فلم يعد من الممكن تمييز المصاب منهم من المخالط، خاصة أنهم ظلوا محافظين على نشاطهم في التسوق والتنزه والتردد على المقاهي وركوب وسائل النقل العمومي، دون أدنى احتراز، كما أكد ذلك جيرانهم الذين باتوا يعيشون رعبا حقيقيا، ويشعرون أنهم يعيشون في جحيم سارتري أبطاله آخرون من ذوي القربى والجوار.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: