أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية يقترب من السلطة

دخلت جبهة القوى الاشتراكية المعارضة على خط الأزمة السياسية في الجزائر، بدعوتها إلى الحوار والتحذير من أي تغيير سياسي في ظل دعوات لاستنئاف الحراك الشعبي، في خطوة وصفها متابعون بالمغازلة من أعرق أحزاب المعارضة بالبلد بهدف تحقيق مكاسب سياسية والعودة إلى دائرة الضوء مجددا.

 وضعت جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، السلطة الجزائرية في موقف حرج بعد تجديد دعوتها لبناء إجماع وطني للخروج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد، فبناء على رد فعلها المنتظر تتضح نواياها تجاه التعاطي مع المبادرات السياسية المطروحة عليها من طرف المقربين منها أو المعارضين لها.

ودعا الأمين العام الأول لجبهة القوى الاشتراكية، المنتخب في المؤتمر الأخير يوسف أوشيش، القوى السياسية والمدنية الفاعلة في المجتمع، إلى “الترفع عن الاعتبارات الضيقة والحسابات الظرفية، قصد الرقي إلى مستوى التطلعات الشعبية وإعطاء امتداد سياسي ضروري لبناء بديل ديمقراطي حقيقي”.

وأضاف في الكلمة التي ألقاها بمناسبة ذكرى يوم المجاهد (عيد وطني يصادف يوم 20 أغسطس)، وفي القرية التي احتضنت مؤتمر الصومام التاريخي (أول مؤتمر لثورة التحرير)، بأن “الوقت ما زال مواتيا لإعادة بعث الثقة وإعطاء العمل السياسي كل حقوقه”.

ويعد هذا التصريح للقيادي الجديد في أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية، الأول من نوعه منذ انعقاد مؤتمره الأخير، وقد أعطى فيه مؤشرا على عودة الحزب إلى خطابه السياسي الثابت بإحياء ما عرف بـ”مبادرة الإجماع الوطني” التي أطلقها منذ سنوات لما كانت الجزائر تعيش فراغا رئاسيا بسبب مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

كما ألمح إلى أن الحزب الذي يتبنى خطابا راديكاليا تجاه السلطة، بصدد العودة إلى مفرداته السياسية والابتعاد عن تحالف “البديل الديمقراطي” المشكّل في غضون الحراك الشعبي، من طرف أحزاب وتنظيمات تتبنى مقاربة جذرية على غرار حزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والاتحاد الديمقراطي الاجتماعي.

وتعهد المتحدث في الاحتفالية الرمزية التي نظمها الحزب في قرية إيفري أوزلاقن بمحافظة بجاية التي احتضنت مؤتمر الصومام التاريخي، بـ”بذل جهود قصد تحقيق حوار شامل بعيدا عن تكتلات الأجهزة مجهولة المساعي، وبحثا عن مخرج سياسي وديمقراطي للأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد”.

يوسف أوشيش: قوى تنشط بطريقة خبيثة لتمديد عمر الانسداد السياسي

وبذلك تؤكد جبهة القوى الاشتراكية، على إحياء مبادرة الإجماع الوطني التي أطلقتها منذ سنوات، من أجل إخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها، وذلك عبر فتح حوار سياسي شامل يفضي إلى توافق بين القوى السياسية الفاعلة حول مقاربة سياسية موحدة، والابتعاد تدريجيا عن حلفاء المرحلة الأخيرة.

وإن لم يفصح يوسف أوشيش، عمّا أسماه بـ”تكتلات الأجهزة مجهولة المساعي”، فإن الإشارات تتوجه إلى بادرة قوى الإصلاح الوطني، التي تشكلت من قوى حزبية وتنظيمات مدنية هجينة، يميزها القرب من السلطة، فإلى جانب هيمنة فصيل إخواني عليها، فإن أغلب رموزها من مرشحي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الذين ساهموا بمشاركتهم في شرعنة الاستحقاق، ومن التنظيمات التي دعمت المسار الانتخابي في ديسمبر الماضي.

ولا يستبعد من تلميحات أمين عام الحزب، توجه السلطة إلى إحاطة نفسها بنسيج مما تسميه بـ”المجتمع المدني”، الذي يراهن عليه الرئيس عبدالمجيد تبون، لأن يكون شريك السلطة السياسي والأهلي في المرحلة الجديدة، حيث تم إطلاق العنان لمستشار الحركة الجمعوية في مؤسسة الرئاسة لحشد آلاف الجمعيات بغية الانخراط في مسار السلطة، الأمر الذي يعيد للأذهان سيناريو مماثلا اعتمده نظام بوتفليقة خلال العشريتين الماضيتين، لكنه كان أحد أسباب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت به نتيجة الانغماس في سياسة الريع والفساد.

ويبدو أن الحزب الذي يعاني من أزمة صراع أجيال ونزيف داخلي، منذ رحيل مؤسسه التاريخي حسين آيت أحمد في 2015، بصدد ترتيب خطابه السياسي خاصة المتعلق بالشأن الداخلي، رغم عدم وضوح موقف السلطة من مبادرته السياسية، ففيما احتفظ بالتنديد بما أسماه “التجاوزات المسجلة ضد الحريات الأساسية وضد حقوق المواطنين، وغلق مجالات الحريات السياسية والإعلامية”، فإنه كرر مفردات التخويف التي ترددها السلطة على مسامع المعارضين والمطالبين بالتغيير.

وحذر الحزب من الانجرار إلى سيناريو الصراعات الدموية التي مست عددا من البلدان المجاورة والشقيقة، خاصة وأن تلك الصراعات تتغذى من التدخلات الخارجية بمختلف الطرق، مما يبعد يوميا إمكانية إيجاد حلول سياسية لهذه البلدان، ويزيد من متاعب الجزائر لتأمين نفسها من التهديدات المباشرة وغير المباشرة.

لكن في المقابل، دعا يوسف أوشيش “الجزائريات والجزائريين إلى الحفاظ على تجندهم ويقظتهم من أجل إجهاض كل محاولات الاستغلال، قصد جر الحراك المتسم بالوحدة والسلمية إلى فخ المواجهة”.

ولفت المتحدث إلى أن “قوى تنشط بطريقة خبيثة ومنظمة قصد تمديد عمر الانسداد، وتأزم الأوضاع واستدراج البلاد إلى فخ الانزلاق إلى الفوضى والعنف”، لكنه لم يكشف عن هوية تلك القوى ولا عن تفاصيل السيناريو، والذي تقابله السلطة بخطاب بات يروج بشكل لافت لـ”المؤامرة”.

وتتخوف السلطة الجزائرية من عودة محتملة للاحتجاجات السياسية، خاصة في ظل الإخفاقات المتكررة في تحقيق الفارق بينها وبين السلطة التي سبقتها، وعجزها عن التكفل بتحقيق الانشغالات المتراكمة، حيث ظهرت إخلالات لافتة في الآونة الأخيرة عزتها إلى “المؤامرة”. وهو ما يتجلى في وتيرة القمع والتضييق المنتهجة ضد الحريات السياسية والإعلامية، حيث بات الصوت المعارض مغيبا في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، كما تستمر حملة التوقيفات والسجن للناشطين والمعارضين المحسوبين على الحراك الشعبي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: