في غياب مركز ثقافي مغربي، من أين يكتسب شباب الجالية أخلاقياتهم سوى الشارع

أشار العديد من الخبراء والمختصين سواء في علم النفس أو في التربية أو في علم الاجتماع بعد دراسات وبحوث كثيرة ركزوا فيها على وضع شباب مغاربة ببلجيكا اليوم إلى أن النقص في الأندية الثقافية مغربية أو أندية الأنشطة الترفيهية كالموسيقى والرياضة القادرة على استيعاب الأطفال والمراهقين والشباب المغاربة من ناحية، وارتفاع تكاليف التسجيل في مراكز بلجيكية من ناحية ثانية، يجعل الأطفال والشباب يمضون معظم أوقاتهم في الشوارع. الأمر الذي يطرح إشكاليات جمّة من ناحية المشكلات والظواهر الاجتماعية ببلجيكا.

هذا ما يحصل اليوم بالرغم من تعدد أنماط وأساليب نشر المعرفة والتثقيف المجتمعي والترفيه الإيجابي البنّاء للناشئة بطريقة أوروبية، بهدف رفع مستوى الوعي لديها وحمايتها من الأفكار الهدامة والمتطرفة، وربط علاقة بناءة بين الأطفال وبين أقرانهم من مراحل عمرية متقاربة. وهذه الأنماط لم تعد قاصرة اليوم على المكتبات والكتب الورقية، إذ صارت الثقافة الرقمية أكثر تشويقًا وجاذبية في عصر التكنولوجيا والإنترنت.

تعاني مشروعات الثقافة التقليدية المغربية  في بلجيكا من مشكلات عدة، منها عدم تواجد أي مركز ثقافي مغربي ببلجيكا، الأمر الذي يشكل خطورة على الأطفال والمراهقين والشباب، المعرضين للوقوع في براثن أخلاقيات الشارع في ظل عدم انغماسهم في أنشطة مجتمعية مغربية مثمرة.

فالكثير من أزماتنا تخص الشباب والأجيال القادمة (بعنفها وتطرفها)، كما أن جزءا هاما من أزماتنا يبدأ من هذه الدائرة، دائرة القصور حيث لا نأخذ خطوة واحدة تجاه التفكير، مجرد التفكير، في الحل، وما يستتبعه من مسؤوليات.

بالطبع يعاني الشباب والأطفال من مشكلة أمكنة تستوعب جموعهم وجموحهم في العطلات الأسبوعية والشهرية والسنوية، وأصبح البديل الطبيعي والمنطقي هو الشارع، بثقافته، وأخلاقياته، وجرائمه، ونزواته، وحوادثه، مما جعل بيوتنا في معظمها منفتحة على الشارع بكل ما ينضح به”.

“الجميع يدرك الأزمة وأبعادها، باستثناء الجهات المعنية أو الوزارات المعنية الغائبة عن المشهد، أزمة التطرف وأسبابها التي تتغافل عنها جهات هي المسؤولة بالأساس عنها. كما أن اللحظة الراهنة تتفجر عن الكثير مما يجب الوقوف عليه بحثًا عن حلول ليست بعيدة، غير أنها مغيبة، على الرغم من أننا في أمسّ الحاجة إليها كي لا نعيد طرح المشكلة، نقف على جانب منها يتمثل في احتضان المجتمع للأزمة، واحتضانها يعني توفير البيئة المناسبة للحل، أقول المناسبة ولا أقول المثالية”.

إن حلولا جزئية أو تفكيرًا خارج العمل، من خلال منظومة تتبلور في مشروع ثقافي اجتماعي بروكسيل تتشارك فيه أكثر من جهة، بدونه سيظل الوضع على ما هو عليه، وسيظل الشارع معملا لتفريخ ما فشل وخاب من الأجيال، وسنظل نتشدق بمقولات وجودها يغني عن تطبيقها من مثل: علينا أن نفهم أن حلول مشكلة التطرف والإرهاب بين أفراد الجالية ليست أمنية فقط، وهي واحدة من المسكوكات التي يرددها الجميع دون استثناء، لكنها لا تتجاوز حدود المدى الزمني الذي تقال فيه.

تبدو الأزمة مسؤولية مجموعة مؤسسات من الصعب تخلي واحدة منها عن مسؤولياتها، والمفترض، أن تقوم وزارة الخارجية بدور المايسترو لتحريك الجهات الأخرى وتفعيل دورها.

وهذه المؤسسات “ليست مسؤولة عن العمل من أجل الشباب والأجيال من مغاربة العالم فحسب، لكنها مسؤولة أيضًا عن التخلي عن فكرة قوامها أن الرياضة نوع من الترفيه أو شكل من أشكال اللعب الذي نمارسه وقت الفراغ”.

المغرب أمام عدد من الحلول، تتبلور في الاستفادة من تجارب الآخرين وما أكثرها، ما يعني ضرورة الاستفادة مما هو قائم عبر استثمار الممكنات المتاحة التي يمكن توظيفها لإدارة الأزمة والخروج منها، وهو ما يعني أيضا التفكير في إدارة المتاح، فهناك مقر القنصلية المغربية القديم لازال مغلقا ينتظر حجزه من طرف السلطات البلجيكية التي تشهد على إهماله.

فإنشاء مركز ثقافي مغربي بالعاصمة الاوروبية يعتبر بمثابة الثروة القومية التي لم تستثمر بعد الاستثمار الأمثل أو الافضل .

ظهرت تجليات ومبادرات مبتكرة لمخاطبة الأطفال والمراهقين والشباب ببعض الدول الاوروبية  انطلاقًا من تنوع أنماط التثقيف الموجودة، وهي مشروعات تأخذ على عاتقها الوصول إلى جميع أفراد الأسرة، خصوصًا الصغار منهم، أيًّا كان مكانهم. وتقوم على تطوير أساليب مخاطبة الأطفال من خلال تقنيات جذابة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والشبكة البينية، والمزج بين التثقيف المعرفي والتوعوي للصغار، وبين وسائل الترفيه؛ الأنشطة الإبداعية، ممارسة الألعاب الرياضية، المسابقات المختلفة وغيرها و ربط علاقة ثقافية بين أطفال مغاربة العالم و ووطنهم الأم .

مثل هذه المبادرات الجديدة، تسير جنبًا إلى جنب مع المشروعات التقليدية التي ترعاها الدولة منذ سنوات من خلال وزارتي “الثقافة”، و”الشباب والرياضة”، ومنها: قصور الثقافة، والمكتبات العامة، ومكتبة الطفل، ومشروع القراءة للجميع، ومراكز الشباب، والأندية الرياضية، وغيرها.

ويملك الطفل طاقة كبرى يجب أن توجه في الاتجاه الصحيح، ولن يتم ذلك إلا عن طريق أشخاص محبوبين لدى الطفل نفسه، يستطيع أن يتحدث معهم ويرتاح لهم ويستجيب لتعليماتهم غير المباشرة، سواء كان هؤلاء الأشخاص المحبوبون من الأسرة كالأب والأم والإخوة والأخوات، أو المدرس أو المدرسة، أو المدرب والمدربة، أو حتى من الأقارب والجيران.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: