الرئيس الجزائري يهتم بمنتسبي الجيش قبل استفتاء الدستور
باشر الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، عمليةَ تفكيكِ عددٍ من الألغام الاجتماعية والسياسية، في خطوة لاستعطاف الشارع قبل الذهاب إلى استفتاء شعبي بعد أسابيع، على مشروع الدستور، الذي تراهن عليه السلطة ليكون منصة انطلاق نحو ما بات يعرف بـ”الجزائر الجديدة”.
وأعلنت وزارة الدفاع عن استقبالها ممثلين عن فئة معطوبي ومشطوبي ومتقاعدي الجيش، من أجل دراسة المطالب الاجتماعية والصحية المرفوعة من طرف هؤلاء منذ سنوات، وكانت محل احتجاجات ومسيرات ووقفات استعملت خلالها ممارسات قمعية، زادت من حدة الاحتقان والغضب لديهم.
وأضافت الوزارة في بيان لها أن مسؤولين مركزيين في المؤسسة العسكرية، تعهدوا لهؤلاء بتلبية المطالب المرفوعة في “حدود ما تسمح به نصوص وتشريعات المؤسسة والجمهورية”، لتكون بذلك أولى بوادر تفكيك أهم الألغام الاجتماعية المتصلة بأهم مؤسسة في الدولة.
وانتسب هؤلاء الى المؤسسة العسكرية خلال سنوات العشرية الدموية (1990 – 2000)، قبل أن يتم الاستغناء عن خدماتهم لأسباب مختلفة، تراكمت فيها الأعطاب الجسدية والشطب والتقاعد المجحف، وبقي هؤلاء في وضع اجتماعي وصحي هش لا يعكس “التضحيات التي قدموها خلال الحرب على الإرهاب”، حسب تعبير مسؤولي التنسيقية.
ويبدو أن السلطة تتجه إلى تهدئة مع الشارع الجزائري، بالتوجه إلى تفكيك الألغام الاجتماعية والسياسية، وذلك عشية الذهاب إلى استفتاء شعبي على الدستور الجديد.
فبعد إطلاق سراح عدد جديد من سجناء الرأي في بحر هذا الأسبوع، وإطلاق رسائل غزل لقواعد إسلاميي العشرية الدموية عبر التلويح بمراجعة وضعية سجناء تسعينات القرن الماضي، استغل الرئيس تبون فرصة الاحتفال بالذكرى التاريخية المصادفة للسنة الهجرية الجديدة، لدغدغة مشاعر القوميين والإسلاميين.
وتجلى ذلك من خلال دعوته لأول مرة منذ اعتلائه قصر المرادية، إلى “نبذ الفرقة والاختلاف بين الجزائريين من أجل تحقيق الانتقال والتغيير السياسي في البلاد”، وهي إشارة مبطنة إلى أنصار الحراك الشعبي وإلى الموالين للسلطة، الذين ظهرت بينهم فجوة عميقة منذ 2019.
ويبدو أن تبون المنتشي باستعادة رفات عدد من قدماء المقاومة الجزائرية، والتي كانت محتجزة في “متحف الإنسان” بباريس خلال الأسابيع الماضية، يريد توظيف ما وصف بـ “الإنجاز التاريخي” في استعطاف الشارع وتحقيق التفاف شعبي حول مشروعه، قياسا بما تمثله الذاكرة التاريخية من أهمية في مخيال الجزائريين.
وفيما تستمر مفاوضات الطرفين لتسوية الملف التاريخي بين الجزائر وفرنسا، لاسيما استعادة رفات 500 مقاوم متبقية في المتحف، لم يتوان تبون عن توجيه “اتهامات صريحة للاستعمار الفرنسي لبلاده”، بالقول “إن الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 – 1962) ارتكب جرائم وحشية ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، فضحت زيف شعار تمدين الشعب الفرنسي، الذي كان يتغنى به”.
وأضاف في رسالته الموجهة بمناسبة الذكرى المزدوجة لمؤتمر الصومام 20 أوت 1965 (أول مؤتمر لثورة التحرير) وهجومات المقاومين على الشمال القسنطيني (20 أوت 1955) “لقد فضحت هذه الجرائم مرة أخرى زيف شعار التمدين وتأخير حدود الجهل الذي كان الاستعمار يخفي به ما يقترفه من جرائم وحشية ضد الشعب ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”.
وأكد على التزامه بمواصلة عملية استرجاع رفات المقاومين الجزائريين من فرنسا، “حتى تحتضن تربتنا الطاهرة رفات جميع شهدائنا المهجرين والمنفيين معززين مكرمين في وطنهم المستقل وبين ذويهم الأحرار”.
ويبدو أن الرجل يتوجه إلى توزيع مشاعر الإثارة بالعدل بين القوميين والإسلاميين، ففيما اختار الصلاة في مسجد الجزائر (من أكبر المساجد في العالم) بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، أعلن عن تدشينه في الفاتح من نوفمبر القادم (عيد ثورة التحرير)، على أمل تحقيق التفاف شعبي على المسار السياسي الذي يخوضه.
وفي رسالة لتقليص الفجوة المتسعة، ذكر بأن “بلدنا يمر بظروف استثنائية داخليا وإقليميا وتحتاج إلى رص الجبهة الداخلية وتفجير الطاقات الخلاقة وتدفق الأفكار لإنجاز مشروع التغيير الجذري، ولطي صفحة الخلافات والتشتت والتفرقة”، في إشارة إلى التقريب بين المعارضين للسلطة وبين الموالين لها.
وأضاف “أدعوكم جميعا بمناسبة إحيائنا لهذه الذكرى المزدوجة الغالية علينا، إلى طي صفحة الخلافات والتشتت والتفرقة من أجل الانخراط الكامل في معركة التغيير الجذري التي شرعنا فيها بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما انخرط أسلافنا بالأمس في معركة التحرير الشامل، تاركين جانبا كل الحسابات الضيقة والاعتبارات الشخصية لتحقيق هدف واحد، وهو نهضة الجزائر العزيزة وإشعاعها الإقليمي”.