الجيش والمعارضة في مالي يتّحدان لمواجهة رافضي الانقلاب
فشلت موجة التنديد الدولية وحتى الإجراءات العقابية التي اتخذتها دول غرب أفريقيا في إحباط الانقلاب العسكري في مالي، بعد أن انضمت المعارضة السياسية إلى دعم قادة الانقلاب، ما فرض أمرا واقعا جديدا يتوقع أن يجهض تماما مساعي العودة إلى الوراء.
رفض تحالف المعارضة في مالي، الخميس، الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية لمنع تغيير الحكومة عن طريق الانقلاب قائلا إنه سيعمل مع المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا من أجل استعادة الاستقرار في البلاد، فيما يعمل شركاء مالي الإقليميون على توسيع حزمة العقوبات على البلد الذي عاد إليه الهدوء تدريجيا.
وساد الهدوء العاصمة باماكو لليوم الثاني على التوالي، إذ أذعن الناس في ما يبدو لدعوات الكولونيل إسماعيل واجو المتحدث باسم المجلس الحاكم للعودة للعمل واستئناف الأنشطة المعتادة.
ورحّبت المعارضة المالية بالانقلاب العسكري معتبرة أنّ الانقلابيين “أنجزوا” معركتها ضدّ كيتا وتعهّدت بالعمل معهم لإعداد خارطة طريق لتحقيق انتقال سياسي.
وعلقت الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، التي تجتمع بخصوص الأزمة، عضوية مالي وأغلقت الحدود معها وأوقفت التدفقات المالية لها الثلاثاء ردا على الإطاحة بالرئيس كيتا.
وقال ائتلاف 5 يونيو (تجمّع القوى المعارضة) في بيان إنّه “أخذ علماً بالتعهّد” الذي قطعته اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب (المجلس العسكري الحاكم الذي شكّله الانقلابيون لإدارة البلاد) بشأن “بدء عملية انتقال سياسي مدني”.
وأضاف الائتلاف أنّه “سيتّخذ كل المبادرات من أجل بلورة خارطة طريق سيتمّ الاتّفاق على محتواها مع اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب وجميع القوى الحيّة في البلاد”.
لكن رئيس النيجر محمد يوسفو، قال في كلمة، الخميس، إنه يريد “التذكير بأنه في 2012، سمح انقلاب آخر للمنظمات الإرهابية والإجرامية باحتلال ثلثي الأراضي المالية لأسابيع”، داعيا نظراءه في مجموعة غرب أفريقيا إلى “دراسة مختلف الإجراءات سعيا إلى عودة سريعة للنظام الدستوري”.
وقوبل الانقلاب، الذي هز بلدا يعاني بالفعل من تمرد للمتشددين واضطرابات مدنية، بإدانة إقليمية ودولية كبيرة.
وغذى مخاوف من أنه قد يعطل حملة عسكرية ضد المتشددين المرتبطين بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية والذين يعملون في شمال ووسط مالي ومنطقة الساحل الأوسع في غرب أفريقيا.
وبدّدت فرنسا الخميس، هذه المخاوف عقب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مواصلة مكافحة الجهاديين في المنطقة المضطربة، قائلا “لا نريد أي شيء يصرف الانتباه عن المعركة ضد عنف الإسلاميين في منطقة الساحل الأفريقي”.
لكنه جدّد تنديده بالانقلاب العسكري، مؤكدا “نريد أسرع عودة ممكنة للحكم المدني في مالي”.
وأطلقت فرنسا عملية “برخان” العسكرية في مالي عام 2014 بمشاركة 4500 جندي، بهدف القضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي والحد من نفوذها، كما بعثت الأمم المتحدة 15 ألف جندي لتحقيق الاستقرار في مالي.
ورغم أن فرنسا سارعت إلى التنديد بالانقلاب العسكري في مالي، إلا أن موقفها السياسي لم يتعارض مع استراتيجيتها العسكرية في الساحل الأفريقي.
ويرى مراقبون أن الموقف الفرنسي في مالي ناتج عن تقييمات استخباراتية تحذر من تداعيات سحب الدعم العسكري على المصالح الفرنسية في المنطقة.
ويشير هؤلاء إلى أن الموقف الفرنسي الرافض للانقلاب العسكري محكوم بالتطورات السياسية في البلاد ومدى التزام الجيش بتسليم السلطة للمدنيين.
وبالتزامن مع قوة “برخان” تعمل فرنسا في الأثناء على إنشاء عملية جديدة تحت اسم “تاكوبا”، تضم قوات خاصة من عشرات الدول الأوروبية.
وتأمل باريس في أن تقنع الأوروبيين المترددين في الانضمام إليها، فهؤلاء مؤيدون لضرورة مكافحة الجهاديين في تلك المنطقة، لكنهم قلقون من تعرض فرنسا لانتقادات دون تحقيق مكسب سياسي من هذا التدخل.
ويعدّ تردد الأميركيين الذين لا يمكن الاستغناء عن دعمهم العسكري في المنطقة، مصدر قلق آخر لباريس.
وعلى الرغم من تشتت الجماعات الجهادية وطرد جزء كبير منهم من شمال مالي منذ 2013، ما زالت مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وتلك التابعة للأمم المتحدة.
وتستهدف الجماعات المتشددة، من حين لآخر، القوات الأمنية والعسكرية المتمركزة في المنطقة على الرغم من توقيع اتفاق للسلام في يونيو 2015، كان يفترض أن يسمح بعزل الجهاديين نهائيا.
والثلاثاء، اعتقل عسكريون متمردون رئيس مالي أبوبكر كيتا، ورئيس الوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين، فيما أعلن كيتا، في كلمة مقتضبة بثها التلفزيون الرسمي، صباح الأربعاء، استقالته من رئاسة البلاد وحل البرلمان.
ومنذ يونيو، يخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع ، مطالبين كيتا بالاستقالة، معللين ذلك بـ“إخفاقاته في معالجة تدهور الوضع الأمني والفساد”.
وكان كيتا يأمل أن تساعد تنازلات قدمها للمعارضين وتوصيات وفد وساطة من قادة المنطقة في وقف موجة الاستياء، لكن قادة الاحتجاج رفضوا مقترحات الانضمام إلى حكومة لتقاسم السلطة.