عبدالمجيد تبون: إرساء استقرار سياسي في الجزائر يمر عبر النهوض الاقتصادي
ألمح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى حتمية مرور الاستقرار السياسي في البلاد عبر بوابة النهوض الاقتصادي، وإلى أن تراجع إمكانيات البلاد نتيجة تقلص مداخيل النفط وتداعيات أزمة كورونا، هو المصدر الأساسي للاحتجاجات الاجتماعية التي تغذي غضب الشارع على السلطات العمومية، كما لوّح بمراجعة جملة من الآليات التي وظفت الفساد في تصفية الحسابات السياسية.
ويشير انعقاد الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي الثلاثاء في العاصمة الجزائرية إلى تسوية تكون قد تمت بين السلطة وبين أبرز رجل أعمال في البلاد، عرف بمواقفه المعارضة لسلطة بوتفليقة، وتعرض للسجن خلال الأشهر الماضية بتهمة الفساد، وذلك بإيعاز من الرجل القوي حينها في الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.
وأعطى الحضور اللافت لرجل الأعمال البربري يسعد ربراب، المالك لأكبر مجمع اقتصادي في الجزائر، الانطباع بأن الطرفين طويا صفحة الماضي، ويتجهان إلى شراكة اقتصادية واجتماعية والمساهمة في النهوض بالاقتصاد المحلي المتهالك، وهو ما تم التمهيد له بلقاء سابق جرى بين الرجل والناطق باسم الحكومة ووزير الاتصال عمار بلحيمر.
ولم يتوان الرئيس عبدالمجيد تبون في انتقاد التركة الاقتصادية لسلفه، بالإشارة إلى التحالف بين السياسة والمال مما أنتج طبقة من رجال المال والأعمال، استغلوا مكانتهم في دوائر صناعة القرار للانقضاض على مقدرات البلاد، في صورة استثمارات وهمية وظفت لتهريب العملة واكتناز الثروة وامتلاك العقارات في الخارج.
وتوجهت إشارات الرئيس الجزائري إلى عدد من رجال الأعمال المحسوبين على الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذين استحوذوا على الاستثمارات الحكومية ونهبوا العقارات، في إطار صفقة زاوجت بين المال والسياسة، حيث ظل هؤلاء يمثلون الذراع المالية لما وصفه بـ”العصابة”.
يشير انعقاد ندوة الإنعاش الاقتصادي في الجزائر إلى تسوية تكون قد تمت بين السلطة وبين أبرز رجل أعمال في البلاد
وفي خطوة لإنهاء التوظيفات السياسية للحرب على الفساد التي أطاحت بعدد من رجال الأعمال وصنعت مناخا اقتصاديا ملوثا، قرر الرئيس الجزائري وقف العمل من طرف الأمن والقضاء بما وصفه بـ”الرسائل المجهولة”، في خطوة لإعادة الكرامة لحلفاء جدد للسلطة في مجال المال والأعمال.
وذكر “سأسدي تعليمات للمؤسسات الأمنية والقضائية لوقف العمل بالرسائل المجهولة، التي كثيرا ما وظفت لأغراض كيدية، وأن من يريد التبليغ عن الفساد أمامه مختلف الآليات القانونية والرسمية والإعلامية، فالبلاد تتضمن 180 صحيفة، يمكن اللجوء إلى واحدة منها لكشف الملفات، وأن الحكومة لديها من الإمكانيات ما يمكّنها من غربلة الحقيقة”.
وتعد ندوة الإنعاش الاقتصادي الأولى من نوعها منذ اعتلاء عبدالمجيد تبون لقصر المرادية في ديسمبر الماضي، وقد جاءت في إطار تقليد لقاءات الثلاثية التي كانت تنعقد سنويا قبل الدخول الاجتماعي، بين ممثلي الحكومة ومنظمات أرباب العمل والشركاء الاجتماعيين.
ورغم حضور رجل الأعمال يسعد ربراب كوجه من وجوه أرباب المال، فإن إقصاء النقابات المستقلة يبقى مستمرا وانحصر على النقابة المركزية المقربة من السلطة.
وتستعد الجزائر لدخول اجتماعي هو الأصعب والأعقد من نوعه في تاريخ البلاد، بسبب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا، والتراكمات السياسية في البلاد، في ظل استمرار القبضة الحديدية بين السلطة والحراك الشعبي الذي يهدد بالعودة إلى مسلسل الاحتجاجات مع عودة الحياة الطبيعية في البلاد.
ويبدو أن السلطة التي تراهن على الورقة الاقتصادية من أجل امتصاص حالة التململ الاجتماعي في البلاد، ليست مستعدة لفتح حوار مع قوى الحراك الشعبي، ومازالت ترى أن الاستقرار السياسي في البلاد سيمر عبر تحقيق نهضة اقتصادية، وهو تفاؤل حمله خطاب عبدالمجيد تبون في الندوة، رغم اعترافه بصعوبة المأمورية وبالتراكمات السلبية للمنظومة الاقتصادية.
ولأول مرة يقر تبون بأن الاعتماد على الريع النفطي أفقد البلاد القدرة على الابتكار، إلى درجة صارت لا تملك قرارها بيدها، وتنتظر ما يحدث في السوق الدولية للنفط، قائلا “من يريد لنا الخير يرفع الأسعار ومن يريد تحطيمنا يخفض الأسعار، وهذا خيار يجب أن يتوقف”.