السلطة الجزائرية تزيح القوى التقليدية من خطط شراكتها السياسية
الرئيس الجزائري يراهن على مكونات المجتمع المدني كبديل للأحزاب.
أوحى اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بأعضاء من مبادرة قوى الإصلاح الوطني بأن السلطة الجزائرية تكون قد اختارت شركاءها السياسيين وحسمت بشكل بعيد مسألة حلفائها المستقبليين، لاسيما بعد إعطاء الضوء الأخضر لمستشار الحركة الجمعوية في مؤسسة الرئاسة لحشد المجتمع المدني تأييدا للرئيس تبون.
واستقبل تبون ممثلين عن مبادرة قوى الإصلاح الوطني ليكون ذلك أول لقاء يجمعه بفصيل سياسي معين منذ انتخابه رئيسا للبلاد في ديسمبر الماضي، وهو ما أعطى الانطباع بأن اللقاء سيكون انطلاقة شراكة سياسية بعيدا عن القوى التقليدية سواء كانت في الموالاة أو المعارضة.
وأعلن عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات والنقابات، الأسبوع الماضي، عن إطلاق “مبادرة قوى الإصلاح الوطني” في خطوة تستهدف الاستئثار بتحريك الجمود السياسي في البلاد والاستثمار في مطالب الحراك الشعبي، بدعوى الدفاع عن القيم والثوابت الوطنية والانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة.
وتشكلت المبادرة من تيارات وأحزاب هجينة غلبت عليها المواقف المتشبثة بعباءة السلطة، وكان من بين المشاركين مرشحون للانتخابات الرئاسية الأخيرة، على غرار عبدالقادر بن قرينة وبلعيد عبدالعزيز، إلى جانب وجوه عرفت بموالاتها المطلقة للسلطة الجديدة كالضابط المتقاعد محمد العربي شريف.
وبدت اللمسة الإخوانية واضحة في المبادرة التي هيمن عليها الحضور اللافت لشخصيات مستقلة ونواب في البرلمان وناشطين محسوبين على التيار الإسلامي، وعلى رأسهم حزب حركة البناء الوطني بقيادة بن قرينة، إلا أن اللافت هو مقاطعته من طرف أكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد، حركة مجتمع السلم.
وفيما لم يتسرب أي شيء عن مضمون اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية بممثلي المبادرة، فإن اللقاء في حد ذاته والخطاب المهادن من طرف هؤلاء يمهد الطريق لميلاد شراكة سياسية جديدة بين السلطة وبينهم، ولو أن الاتجاه ينحو إلى تجاوز الشراكة الحزبية إلى تكتلات وفواعل المجتمع المدني.
ويبدو أن أعضاء المبادرة البارزين قد فهموا رسائل عبدالمجيد تبون، عندما شدد على دعمه لفكرة أن يكون المجتمع المدني شريكا للسلطة وتجاوز الشراكة التقليدية مع أحزاب معينة، ولذلك تم إطلاق المبادرة لتكون الشريك الذي تتطلع إليه السلطة لتعزيز جبهتها بجمعيات ومنظمات ونقابات لتلبية طلب رئيس البلاد.
ومنحت السلطة الضوء الأخضر لمستشار رئاسة الجمهورية المكلف بالجمعيات، نزيه برمضان، من أجل حشد مكونات المجتمع المدني تأييدا لرئيس الجمهورية ودعم إنشاء آلاف الجمعيات من أجل أن تكون فاعلا أساسيا في القطاعات والمناطق التي تنشط بها، حيث باشر المستشار الرئاسي جولة مكوكية لمختلف مدن ومحافظات البلاد من أجل شرح مسعى السلطة في ما يتعلق بالجمعيات الأهلية.
وأكد برمضان، وهو أيضا نائب في البرلمان عن جبهة المستقبل، أن “اللقاءات التشاورية مع الجمعيات وعناصر المجتمع المدني ستستمر من أجل بناء استراتيجية مستقبلية تسمح بتنظيم نشاط الجمعيات لتمكينها من لعب دورها الأساسي في التنمية”.
وأوضح خلال لقاء جمعه بممثلي الجمعيات المحلية في قسنطينة شرق البلاد بأن “هذه اللقاءات ليست مناسباتية أو أملتها الظروف ثم ستنتهي، بل هي تشاورية مع كل الفاعلين في الميدان من مكونات المجتمع المدني”.
وأوضح برمضان أن “هذا ما جعلني أتنقل من محافظة إلى أخرى انطلاقا من وهران، فورقلة ثم بشار وقسنطينة وباتنة، وسأكمل هذه اللقاءات حتى أتم المحافظات الـ48”.
وتابع “كان بإمكان هذه اللقاءات أن تكون محلية أو تستمر لخمسة أو ستة أيام فقط إلا أنها ستنظم بكل محافظة على حدة، نظرا لخصوصية كل منطقة وثرائها بتجارب وخبرات عناصر المجتمع المدني في العمل والنشاط الجمعياتي خدمة للمجتمع والتي نحن بحاجة إليها اليوم”.
وتترجم جدية برمضان رهان السلطة على رسم معالم شراكة سياسية جديدة في البلاد، لاسيما بعد أن أبدى الرئيس تبون فتورا تجاه الشراكة مع الأحزاب وعبر عن رفضه تأسيس حزب سياسي يدعمه. إلا أن التجربة تبدو غير مضمونة النتائج قياسا بنظيرتها السابقة، عندما أحاط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة نفسه بجيوش من الأحزاب ومكونات المجتمع المدني لم تسعفه لما انتفض الشارع ضده في فبراير 2019.
ويتخوف متابعون من مآلات التجربة التي اعتمدتها السلطة في اكتساب دعائمها الشعبية عبر فتح المجال أمام من يوصفون بـ”جحافل المتطفلين والمتربصين”، خاصة في ظل الانغلاق الممارس من طرف السلطة تجاه القوى التي تملك أدوات تجنيد الشارع والتأثير فيه، خاصة وأنها أظهرت صمودا قويا أمام مناورات السلطة لإطفاء جذوة الحراك الذي بات يتغذى من مواقف وخطاب أطراف معروفة في البلاد.