بوادر استئناف الاحتجاجات تربك عودة الحياة العادية بالجزائر
عادت عملية التضييق الأمني على مداخل العاصمة الجزائرية، بالتزامن مع إعلان الحكومة عن رفع عدد من إجراءات الغلق الصحي المتصلة بالوقاية من وباء كورونا، حيث لوحظ تشديد الحواجز الأمنية بشكل يعيد للأذهان مشاهد غلق العاصمة قبل شهر مارس الماضي، للحيلولة دون تدفق محتمل للمحتجين عليها من المناطق المجاورة.
وتحدث شهود عيان، الأحد، عن صعوبات في الدخول إلى العاصمة، بسبب تشديد الإجراءات الأمنية المانعة لتدفق عدد كبير من سكان المدن والمحافظات المجاورة، تحسبا لعودة أي احتجاجات أو مسيرات شعبية مناهضة للسلطة.
وتعيد هذه الإجراءات إلى الأذهان مشاهد الغلق الأمني في العاصمة طيلة الأشهر الماضية، بغية التقليل من الزخم الشعبي للاحتجاجات السياسية التي كانت تتغذى من القادمين من المحافظات المجاورة، خاصة خلال أيام الجمعة والسبت والثلاثاء.
ولم تتأخر موجة الغضب كثيرا عن الموعد المحدد من طرف الحكومة، لرفع بعض الإجراءات الوقائية، حيث نظم محتجون في مدينة خراطة بشرق البلاد مسيرة احتجاجية مساء السبت، رددوا فيها الشعارات المألوفة في الحراك الشعبي على غرار “ارحلوا كلكم”، و”دولة مدنية وليست عسكرية”.
وتبقى مدينة خراطة مدينة تاريخية، وهي تحمل رمزية خاصة في مسار الحراك الشعبي الجزائري، كونها كانت أول مدينة تنتفض ضد طموح السلطة السابقة لتمرير الولاية الرئاسية الخامسة لعبدالعزيز بوتفليقة، وتكسر حاجز الصمت على الشارع الجزائري بعد عقود من الاستكانة والخوف من القبضة الأمنية.
ولوحظت منذ هذا السبت عودة تدريجية للحياة العادية في الجزائر، بعد قرار الحكومة القاضي برفع الحظر عن نشاط المنتزهات والشواطئ والمقاهي والمطاعم وبعض المساجد والصلوات الجماعية، رغم عدم الاطمئنان الكلي للوضع الصحي، حيث لا زال سقف الإصابات على عتبة الـ400 إصابة يوميا.
وكانت قوى الحراك الشعبي قد أعلنت شهر مارس الماضي، عن تعليق الاحتجاجات الشعبية احتراما لتدابير الوقاية، ودخلت في هدنة كانت من طرف واحد، بعد استغلال السلطة للظرف الصحي لتفكيك الغضب السياسي عبر موجة من التوقيفات والسجن لعشرات الناشطين والمدونين.
ولا زالت السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، تتجاهل المطالب المرفوعة منذ عدة أشهر، ولم تبد أي تجاوب مع عدد من المبادرات السياسية الداعية لإضفاء مناخ من التهدئة ومباشرة حوار سياسي مباشر، بدل الاستمرار في سياسة التعنت.
ودعت “مجموعة الأزمات” الحقوقية في آخر تقرير لها، السلطات الجزائرية لإشاعة “أجواء من الطمأنينة والثقة مع الحراك الشعبي، وفتح حوار سياسي معه”، كما حذرت من سيناريو تفكيك الحراك. واعتبرت أن “العملية ستفضي إلى ظهور بؤر متطرفة في صفوفه مستعدة للدخول في مواجهات عنيفة مع السلطة، والجزائر في غنى، خاصة في الظرف الحالي، عن أي انزلاق نحو الفوضى والعنف”.
وفيما عادت الاحتجاجات السياسية من بوابة مدينة خراطة، ولا يستبعد أن تمتد العدوى شيئا فشيئا نظرا لطابعها الرمزي ولموقعها في قلب منطقة القبائل المتعاطفة كليا مع الحراك، لا زالت مواقف الناشطين متضاربة بشأن موعد العودة إلى الشارع، بسبب اختلاف مواقفهم من التعاطي مع الجائحة الصحية.
وباتت ظاهرة الاحتجاجات في الجزائر ملتبسة بين التنديد بتقصير السلط والمؤسسات المحلية في توفير الخدمات الضرورية للحياة العادية للسكان، كتلك التي وقعت بمدينة وادي سوف في أقصى الجنوب الشرقي، حيث انتفض السكان ضد ما أسموه بـ”الانتشار الكبير لمظاهر الانحلال الأخلاقي”، وبين الرافعة للمطالب السياسية التي ألفها الرأي العام المحلي.