“تجديد الخطاب الديني ببلجيكا ” يضيع في متاهة غياب رجل الدين و تسلط المسترزقين.
شغلني هذا الموضوع على مدى سنوات عديدة وأنا أتابع تطورات الواقع الديني ببلجيكا من خلال العديد من التصريحات والوعود للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة التي لا تقدم حلولا جدية لمشاكل ومشاغل الجالية، بل تحاول في أغلبها أن تلامس واقعها بنوع من الديماغوجية والتوظي السياسي عبر جملة من الوعود والتعهدات والتطمينات ، دون إنجاز فعلي على مستوى الواقع مما يعطي انطباعا سلبيا لدى عموم الجالية يتزايد يوما بعد يوم ومن جيل لآخر ، والحال أن كل النصوص الصادرة عن هذه المؤسسات تعبر بوضوح عن جملة من المهام المنوطة بعهدتها لتنفيذها.
فقد تم تنظيم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة بموجب الظهير الشريف 1.08.17 الصادر في 20 شوال 1439 (20 أكتوبر 2008) الذي نصعلى أنه تسري أحكام الظهير الشريف 1.03.300 الصادر في 2 ربيع الأول 1425(22 أبريل 2004) والمغير والمتمم بموجب الظهير الشريف1.08.16 الصادر في 20 شوال 1429(20 أكتوبر 2008) بإعادة تنظيم المجالس العلمية على المجلس العلمي المغربي لأوربا.
في 20 شوال 1439 (20 أكتوبر 2008) تم تعيين السيد الطاهر التجكاني رئيسا للمجلس بنص الظهير الشريف 108.131 والذي نصت المادة الثانية فيه على أسماء الشخصيات أعضاء هذا المجلس.
وقد حدد الظهير الشريف 1.08.17 مهام المجلس العلمي المغربي لأوربا وتركيبته وسير عمله وموارده والفروع المحلية التابعة له.
وتكمن مهام هذا المجلس، في السهر على حسن أداء الفرائض الدينية والقيام بشعائر الإسلام وصون مقدساته في جو من الطمأنينة والأمنالروحي، بالنسبة لكافة المغاربة المقيمين بأوربا، رجالا ونساء، وفي إطار العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي؛ الى جانب الاسهام في أي حوارمفتوح بين كافة العقائد، وذلك للتأكيد عل القيم الأخلاقية التي تتقاسمها الديانات التوحيدية الثلاث من خلال نبذ كل أشكال رفض الآخروالتمييز وإعادة الاعتبار للدور المتميز الذي تضطلع به الأديان من الناحية الأخلاقية.
وتناط بالمجلس أيضا مهمة بحث كل المسائل التي يعرضها أمير المؤمنين الملك محمد السادس على أنظار المجلس، إلى جانب إعداد برنامج عمل سنوي يتضمن الأنشطة المراد القيام بها بتنسيق مع المجلس العلمي الأعلى.
الى جانب ذلك، يشتغل المجلس العلمي المغربي لأوروبا، على وضع التوجيهات وإبداء التوصيات لتأطير الحياة الدينية للمواطنات والمواطنين المغاربة المسلمين المقيمين فيأوربا.
كما يعمل أيضا على تعميق وعي الجالية المغربية المسلمة المقيمة في أوربا بقيم الإسلام المثلى القائمة على التسامح والاعتدال والتعاون علىالبر والتقوى ونبذ الإثم والعدوان والعمل على إصدار فتاوى تستند إلى أحكام القرآن والسنة وترعى وحدة المذهب المالكي؛ و تقديم المساعدة للجالية المغربية المسلمة لاسيما الشباب لتمكينها من الفهم الصحيح للإسلام ومقاصده ومبادئه وكذا مد الجسور بين الشباب المسلم والمنابعالأصيلة لعقيدتهم ولتراثهم الثقافي في إطار من التعايش والتجانس بين قيم الأصالة والمعاصرة.
ومن بين الأهداف الأخرى للمجلس:
–النهوض بالتربية الاجتماعية للنساء المغربيات المقيمات في أوربا، من خلال تمكينهن من اكتساب المعارف الدينية في إطار المذهب السنيالمالكي، وكذا تحقيق اندماجهن عل النحو الأمثل داخل البيئة التي يعشن فيها.
–الإشراف على عمل المساجد التي يسيرها مغاربة مقيمون في أوربا وتنسيق نشاطاتها وإصدار توجيهات تهدف إلى عقلنة الدور المنوط بهافي تأطير الحياة الدينية للجالية المغربية المقيمة في أوروبا–
–التعاطي العملي مع مفهوم المواطنة وقيم التقدم المرتبطة بها ودراستهما والانكباب على ما يترتب عنهما بالنسبة للجالية المغربية المقيمة فيأوربا من حقوق وواجبات يتمتع بها أفرادها في كافة الدول الأوربية.
–إنجاز أبحاث ودراسات فقهية تعالج الإشكاليات الاجتماعية التربوية والتعليمية والثقافية التي تواجه أفراد الجالية المغربية المسلمة بأورباوذلك من منطلق فقه المقاصد والمصالح المرسلة وفي إطار وحدة المذهب المالكي.
–دراسة وتحليل كل ما ينشر في مختلف وسائل الإعلام ويتطرق للتراث الإسلامي عموما وللمذهب المالكي على وجه الخصوص، وإبداء الرأيفي هذا الشأن وتصحيح ما يشوب ذلك من مغالطات وأخطاء والرد عليها بالرجوع إلى القرآن والسنة وأخذ وحدة المذهب المالكي بعينالاعتبار.
–العمل عند الضرورة وبتنسيق مع المؤسسات الوطنية المختصة على تنظيم دورات تدريبية لفائدة الأئمة المغاربة في مختلف شعب الفقه، فيإطار وحدة المذهب الماكي.
فأين نحن من كل هذا ؟ فهل فعلا السيد الطاهر التجكاني يفقه ما تعنيه هذه الإلتزامات ؟
لو كان لهؤلاء أثر من علم وذرة تقوى وخوف من الله تعالى ما تجرأ واحد منهم على اقتحام ميدان الفتوى دون التسلح بمؤهلات الإفتاء وأدواته، فليس الإفتاء كلأ مباحًا لمن أراده، بل هو صناعة ثقيلة لا يجيدها إلا مَن صقلت عقولهم بمجموعة من العلوم الشرعية والعربية والمعارف الحياتية، ووقفوا على المنقولات من اجتهادات سابقيهم، وأدركوا واقع عصرهم وأحوال معاصريهم، ويستطيعون الاهتداء بالنصوص الشرعية بعد إمعان النظر في دلالاتها أو بالقياس عليها أو بتطبيق القواعد المستخلصة منها إلى الفتوى التي تراعي حال السائل وتناسب زمانه ومكانه.
إن دورنا كإعلاميين يكمن في المعاينة من خلال رصد الواقع والإستماع لانشغالات المهاجرين، فلا يعقل أن يتعامل معلم اللغة العربية مع بيداغوجيا الطباشير وهو بعيد كل البعد عن فهم لغة البلد المضيف والتطورات الحاصلة فيه على مستوى العلم والمعرفة ، ولا يقبل بأي حال من الأحوال أن يظل دور البعثات الدبلوماسية مقتصرا على جوازات السفر، ومضامين الولادة ، وعقود الزواج دون الإنفتاح على الطاقات الشبابية والكفاءات العلمية ورجال الأعمال، ومن العبث أن يظل المجلس العلمي لمغاربة أوروبا في منأى عن الواقع الديني بدول الاستقبال واحتياجات المغاربة بالخارج ، وأن يظل نشاط مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج مقتصرا على بعض الأنشطة المناسباتية دون ضبط وتنفيذ لجل البرامج المتعلقة بحماية الأسرة والأجيال الجديدة بما ينمي الحس الوطني ويدعم التعلق بالهوية العربية الإسلامية، وأن تواصل الخطوط الملكية المغربية مواجهة المنافسة الحادة للشركات العملاقة دون رعاية من الدولة لتحسين جودة الخدمات وتفادي الإضطرابات الحاصلة على مستوى الرحلات وغلاء الأسعار.
هذه الصورة الملبدة بغيوم الإرتجالية وحالة التهميش، والملوثة بخيارات حزبية ومصلحية مرتبطة بتقاسم الكعكة والنفوذ تجعلنا نحن أبناء الجالية بين خيارات المواجهة العلنية أو الدعوة الحكيمة لمراكز النفوذ في الدولة لإعادة فتح باب الحوار حول هذه الملفات الساخنة بما يضم حسن فاعليتها ونجاعة أدائها، ذلك أن من لم يفهم طبيعة الحاضر ومقتضيات المصالح سيكون بدون شك خارج دائرة الفعل تحت جرافات العولمة وضياع الضمير.
ندرك جميعا أن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء ، وأن عقارب الساعة إن توقفت فستضيع مصالح الناس بين عتمة الفوضى ولحن الأحزان، ولن تكون في نهاية المطاف سوى مجرد أشباح تختصر مأساة الوطن.
أما الشعارات ودغدغة العواطف واستغفال البسطاء، فإنها لا تزيد الأوضاع إلا سوء ولا تزيد الناس إلا نفورا ربما حتى من الدين نفسه. فليس كل الناس في مستوى التمييز بين الدين والتدين والممارسات الشخصية للانتهازيين والوصوليين.