عندما حاول الجنرال أفقير اصطياد طائرة الحسن الثاني

كان ذلك في يوم شديد الحرارة أواسط شهر أغسطس من سنة 1972. قرّر الجنرال محمد أفقير الإطاحة بنظام الحسن الثاني بطريقة «جراحية» لا تزهق الكثير من الأرواح، وذلك باصطياد طائرته وهي في أجواء البحر الابيض المتوسط محاولا أن يتم إسقاطها بالمياه الإقليمية المغربية حتى لا يصبح البحث في الأمر دوليا. كان الحسن الثاني قد قضى عطلته الصيفية بفرنسا ثم توقف ببرشلونة لبعض الوقت. كان للملك موعد نقاش وغداء مع برافو لوبيز وزير خارجية إسبانيا وأحد أقرب المقربين من ديكتاتورها العجوز فرانسيسكو فرانكو. أقلعت طائرة الملك ثماني دقائق قبل موعد إقلاعها من عاصمة كاتالونيا دون أن يُخبَر أحد بذلك، إمّا لأن تقديم وقت الإقلاع طفيف نسبيا، وإما لأن حدس سليل الدولة العلوية كان أقوى من خطط وتوقعات الانقلابيين. وصول الطائرة قبل الوقت أربك الانقلابيين الذين فوجئوا حسب الرواية الرسمية بدخول طائرة الملك الأجواء الوطنية فوق مدينة تطوان… فلم يستطيعوا إسقاطها رغم إطلاق النار الكثيف عليها ورغم محاولة شبه انتحارية، في آخر دقيقة للرائد الجمهوري الوافي كويرة الذي أراد تفجير طائرة الملك في السماء بتوجيه الطائرة العسكرية التي يقودها وبسرعة فائقة لصدم الجزء الأمامي الحيوي من البوينغ الملكية، لكن الطائرةـ السهم خدشت بالكاد أسفل هدفها وذلك لأن الضابط المغامر ضغط على زر مظلة الهبوط ثانيتين أو ثلاث قبل الاصطدام.
وهنا لابد أن نذكّر، وذلك احتراما لشهادة بعض أفراد أسرة أفقير، أن الأخير ربما لم يهدف الى قتل الملك عنوةً وإنما إرغام طائرته على النزول بالمطار العسكري للقنيطرة، 40 كيلومترا شمال العاصمة الرباط، ثم إجباره على التنازل عن العرش.
لماذا قرر الجنرال، هذا الصديق الشخصي للملك أن يتخلص منه، وهو كاتم سره ومرافقه في الجد واللهو. فأفقير هو قائد الجيش الفعلي ورئيس المخابرات والمشرف الشخصي على قمع اليسار والوطنيين المعارضين للملك، وأسرته تعامل وكأنها جزء من العائلة الملكية. كما أنه قبلَ، وإن على مضض، أن تصبح مليكة ابنته الأولى والتي كان يهيم بحبها أيما هيام، كريمة بالتبني لمحمد الخامس ثم للحسن الثاني بعد وفاة الملك الوطني. تحريات المؤرخين وقبلها بعض تحقيقات صحافيي تلك الفترة تظهر أن هناك حزمة معقدة من الأسباب الموضوعية والشخصية أدت إلى تحول هذه الصداقة الطويلة (1955/1972) بل والمودة العميقة بين الرجلين إلى عداء تناحري:
ـ يبدو مع مرور الوقت وتراكم شهادات الفاعلين والملاحظين الذين عايشوا الأحداث كالوزير والكاتب عبد الهادي بوطالب في كتابه الموسوم بنصف قرن في السياسة والمؤرخـالمفكر عبد الله العروي في شهادته الموثقة عن «المغرب والحسن الثاني»، أن اللقاءات والاتصالات المتتالية للملك الحسن الثاني مع الرئيس الجزائري هواري بومدين ابتداء من سنة 1969 والتي نتج عنها تقارب غير متوقع بين بلدين وخصوصا بين نظامين يختلفان في كل شيء، قد أقلق إلى حد كبير بعض كبار ضباط الجيش الملكي.

تحريات المؤرخين وقبلها بعض تحقيقات صحافيي تلك الفترة تظهر أن هناك حزمة معقدة من الأسباب الموضوعية والشخصية أدت إلى تحول هذه الصداقة الطويلة (1955ـ1972) بل والمودة العميقة بين الرجلين إلى عداء تناحري

خصوصا وأن هذا التقارب ـ والذي، وللحقيقة والتاريخ كان إيجابيًا جدا في مايخص استقرار المنطقة كلها ـ بدا وكأن فيه تنازلا من الملك للكولونيل عن مساحات حدودية كان يعتبرها الكثير من الوطنيين المغاربة ومنهم الملك محمد الخامس والزعيم علال الفاسي وطبعا بعض قواد الجيش ومنهم المذبوح وأفقير، أقول كانوا يعتبرونها ترابا مغربيا لا نقاش فيه، ضمّته فرنسا جورا للجزائر ابتداء من الثلاثينيات وذلك نظرا لاختلاف الوضعية القانونية الدولية للبلدين قبل الاستقلال. فالجزائر كانت عبارة عن ثلاث محافظات فرنسية خالصة، إذ هي تابعة لوزارة الداخلية بباريس، أما المغرب فمجرد حماية مرتبطة بالكي دورسي، أي وزارة الشؤون الخارجية. وفعلا فإن الحسن الثاني ولتحقيق السلام التام بين البلدين قد توصل إلى اتفاق حدودي مع بومدين يتخلى فيه المغرب عن أية مطالب ترابي وان ترسم الحدود كما هي في الواقع. طبعا كان للحسن الثاني، وهو داهية حقيقي، أهداف أخرى من الاتفاق ومن بينها أن تتوقف الجارة الشرقية القوية عن دعم المعارضة اليسارية الثورية في المغرب والتي كان يقودها آنذاك وطنيون ذوو شعبية تقض مضاجع القصر الملكي كالفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي وبنسعيد وبونعيلات وغيرهم. كان الملك ربما يفكر أيضا في تهييء الأجواء إلى إطلاق حملة ديبلوماسية ناجحة لإخراج إسبانيا من الساقية الحمراء وواد الذهب بمساندة، أو على الأقل مع حياد الهواري بومدين، سلطان الجزائر الثوري كما كان يسميه هنري كيسنجر… محاولتا الانقلاب لسنتي 1971/1972 ستوقفان تنفيذ الاتفاق الحدودي خصوصا وأن البرلمان المغربي لم يكن قد صادق عليه.
ـ أما السبب الثاني الذي دفع الجنرال للانقلاب على الملك فهو معارضة أفقير لأية مصالحة بين القصر وزعماء الحركة الوطنية المعتدلين، لأن ذلك التقارب لا يمكن أن يتم إلا على حساب الجيش الذي أصبح يشارك في التدبير السياسي للبلاد منذ سنوات عديدة. وفعلا فإن الحسن الثاني كان بدأ في اتصالات مع عبد الرحيم بوعبيد وعلال الفاسي، كما عرض للاستفتاء في بداية سنة 1972 دستورا متقدما جدا على سابقه.
ـ أما السبب الثالث فهو كراهية أفقير للنخبة المدنية والسياسية المحيطة بالنظام، ومنها عدة وزراء مقربين من الملك، بالإضافة إلى بعض الوطنيين السابقين من الأطر الوسطى للأحزاب.
ـ هناك أسباب أخرى عديدة ولا شك ومنها الشك الذي أصبح يساور الحسن الثاني حول نوايا الجنرال وموقفه الحقيقي وربما دوره الخفي في محاولة انقلاب يوليو 1971. هناك شهادات كذلك لبعض ضباط الجيش السابقين تقول إن أُفقير كان ينزعج كثيرا من تعامل الحسن الثاني، الذي كان يبدو له احتقاريا، مع ضباط الجيش رغم أن هذا الاحتقار المزعوم كان يستثني بعض أقوى الضباط ومنهم هو نفسه ومحمد المذبوح والماريشال أمزيان…

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: