هل تحمل قرية في النيجر مفتاح هزيمة المتطرفين في أفريقيا

اعتبر محللون في الأزمات الدولية أن طريقة تعامل قادة وزعماء وسكان إحدى القرى في النيجر تقدم نموذجا لكيفية مقاومة تغلغل المتشددين الإسلاميين في الساحل والصحراء في أفريقيا دون أي مواجهة معهم في ظل تشتت عمل القوات الفرنسية بسبب الهجمات في مناطق أخرى واحتمال سحب الولايات المتحدة قواتها من هناك.

هدد نزاع بين رعاة الفولاني وجيرانهم من الطوارق الرحل حول ماشية ودراجات نارية مسروقة بإشعال أعمال العنف في قرية أماتالتال عندما انتزع رجل بندقيته وأطلق النار في الهواء.

ويؤكد السكان أنه كان تصعيدا نادرا في بلدة هادئة يسكنها بضع مئات من الأشخاص في شمال النيجر وكان بمثابة تحذير من أن مثل هذه النزاعات فتحت بابا للمتشددين المتمرسين على استغلال الصراعات لتعزيز عمليات التجنيد ونشر الفوضى.

وبدافع الخوف، دعا زعماء أماتالتال لجنة إقليمية لحفظ السلام للتوسط في يونيو العام الماضي. وفي غضون أيام، جلس الخصوم وجها لوجه على طاولة في بستان من شجر الكافور وأعربوا عن مخاوفهم واتفقوا على حفظ السلام، حسبما أظهرت لقطات فيديو وبحسب أقوال شاهدين.

واجتاحت أعمال عنف المتطرفين الإسلاميين أجزاء كبيرة من الساحل بغرب أفريقيا، المنطقة القاحلة التي تقع جنوبي الصحراء الكبرى، منذ 2017 عندما نصب مسلحون مرتبطون بتنظيم داعش كمينا وقتلوا أربعة جنود أميركيين في النيجر.

ووصلت مرحلة العنف إلى حد قتل ستة عمال إغاثة فرنسيين واثنين من السكان الأحد الماضي في محمية للزرافات على بعد 65 كيلومترا من نيامي عاصمة النيجر في منطقة كانت تعتبر آمنة في السابق.

لكن على بعد بضع مئات من الكيلومترات شمالا، ظلت منطقة أغاديز التي تقع أماتالتال داخل حدودها، وهي منطقة بحجم فرنسا على الحدود مع الجزائر وليبيا وتشاد، تنعم بالسلام إلى حد بعيد.

ويقول الزعماء المحليون إن شبكة من المتمردين السابقين ورجال الدين ولجان السلام المؤثرة، تشكلت ردا على انتفاضة مسلحة تسعى إلى قدر أكبر من الاستقلال السياسي للطوارق في تسعينات القرن الماضي، منعت المتشددين من اكتساب موطئ قدم من خلال مراقبة المظالم ومن يعتنقون الأفكار المتطرفة.

هانا أرمسترونغ: أساليب زعماء أغاديز تقدم نموذجا لهزيمة المتشددين دون سلاح

وبينما تكافح القوات الفرنسية لاحتواء العنف في أماكن أخرى، وتفكر الولايات المتحدة في سحب قوات من هناك، يقول زعماء أغاديز إن أساليبهم تقدم نموذجا ممكنا لهزيمة المسلحين دون اللجوء إلى السلاح.

واتفقت هانا أرمسترونغ، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، مع هذا الرأي قائلة “تظهر أغاديز أنه يمكن القيام بذلك. بالقيادة الصحيحة والعلاقات الصحيحة، يمكنك أن تنعم بالاستقرار“.

ويتناقض وضع أغاديز بشكل صارخ مع منطقة تيلابيري في جنوب غرب النيجر المتاخمة لمالي وبوركينا فاسو، ففي العام الماضي، تسببت الهجمات التي شنها متشددون على صلة بتنظيمي داعش والقاعدة في مقتل 367 شخصا على الأقل، جميعهم تقريبا في تلك المنطقة الحدودية.

وهذا الرقم ما يعادل أربعة أمثال العدد في 2018، وفقا لمشروع مواقع الصراعات المسلحة وبيانات الأحداث، وهو منظمة بحثية مقرها الولايات المتحدة. وفي النصف الأول من عام 2020، توفي 482 شخصا.

لكن أغاديز ليست بمنأى عن الخطر، فقد فجر مسلحون سيارة ملغومة خارج قاعدة عسكرية في عام 2013، مما أسفر عن مقتل 20 جنديا على الأقل. وفي 2010، اختطف فرع محلي تابع للقاعدة سبعة أجانب في منطقة تنقيب عن اليورانيوم حول بلدة أرليت.

وأظهرت جهود مماثلة لحفظ السلام في أماكن أخرى بمنطقة الساحل، بما في ذلك مالي قبل أن يسيطر متمردو الطوارق على الشمال ويبدأوا في التقدم نحو العاصمة في 2012، بوادر واعدة قبل الانهيار. ودفع تدخل بقيادة فرنسا المتمردين إلى التقهقر في العام التالي، لكن المسلحين الإسلاميين استعادوا منذ ذلك الحين موطئ قدم في الشمال والوسط، مستغلين الخصومات بين الطوارق والفولاني.

لكن قادة أغاديز مطمئنون في الوقت الحالي. وقال سليمان هيان هيار، وهو متمرد سابق عاش لسنوات في كهوف بالجبال يقاتل القوات الحكومية خلال انتفاضة تسعينات القرن الماضي إن “المتشددين بعيدون عن هنا. لم يصلوا إلى هنا لأننا نضع (الأمر) في دائرة اهتمامنا”.

وهيار الآن عضو في لجنة السلام التي زارت أماتالتال ويعيش في مجمع مع أسرته في العاصمة الإقليمية أغاديز، التي تحدث منها لرويترز.

وأعطى اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في 1995 المجتمعات في شمال النيجر صوتا مسموعا من خلال دمج متمردي الطوارق في الجيش وتعزيز وضع السياسيين
الطوارق.

وأصبح المتمردون السابقون أعضاء في لجان السلام ويطلعون الحكومة على تطورات النزاعات. ويسافر الزعماء الدينيون في قوافل للدعوة إلى السلام نيابة عن الحكومة.

ولم تحقق هذه التغييرات سلاما مستداما لأغاديز، إذ اندلعت انتفاضة أخرى للطوارق في الشمال من 2007 وحتى 2009، لكن خبراء يقولون إن المنطقة تعلمت من صراعات الماضي.

وقال إيسوف سيبي موسى، مساعد المنسق المساعد في منظمة هيد تامات المحلية للإغاثة، “رأى الناس الفظائع في أغاديز. والآن، بمجرد اندلاع صراع، يجتمع الناس لمناقشة المشكلة”.

ويقول خبراء أمنيون إن الافتقار إلى القيادة المحلية وآليات السلام والعلاقات القوية مع نيامي في منطقة تيلابيري سمح بتفاقم الخصومات العرقية واستمرار الهجمات. وقد كسبت الجماعات المتشددة مجندين من بين السكان المحليين المستائين الذين يعتقدون أن الدولة تخلت عنهم.

وقالت أرمسترونج إن “هناك خطورة على المسؤولين المحليين في تيلابيري في الاتصال بالدولة لأن شبكات مخابرات المتشددين متطورة للغاية. يتم التنصت على مكالماتهم واجتماعاتهم“.

ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر بشكل أوضح من بلدة إيناتيس الحدودية حيث قتل مسلحون أكثر من 70 جنديا في هجوم على معسكر في ديسمبر الماضي. ويقع جزء كبير من المنطقة المحيطة تحت سيطرة المتشددين ولاذ الكثير من سكانها بالفرار.

وقال الجيتيج محمد إنه كان يقود سيارته مع الزعيم المحلي إلى بلدة مجاورة في يوليو العام الماضي عندما طوق مسلحون على دراجات نارية سيارتهما وفتحوا عليها النار. وسرد كيف أن المهاجمين قيدوا يديه خلف ظهره وضربوه بعقب بندقية ففقد الوعي. وعندما أفاق وجد نفسه وحده فسار طوال الليل للوصول إلى المنزل. وعندما وصل، اكتشف أن الزعيم مات.

وفر محمد في اليوم التالي مع زوجته وأطفاله الستة. وقال لرويترز وهو ينام على الأرض في منزل أحد أصدقائه في نيامي “من هناك تنبعث رائحة الموت. لا يمكن أن أعود”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: