انهيار الطلب العالمي على الغاز يهدد صادرات الجزائر
يهدد انهيار الطلب العالمي على الغاز اقتصادات الدول الريعية، التي تعتمد بشكل كبير على تصدير هذه المادة، مثل الجزائر ما يجعل اقتصادها في صدارة المتضررين من هذه الأزمة التي خلفها فايروس كورونا، ومهددا بانهيار شامل في مفاصله يغذيه ظهور مؤشرات انكماش حادة.
بثت تصريحات كبار المسؤولين عن قطاع الغاز في الجزائر عن احتمال تراجع صادرات البلاد من هذه المادة خلال السنوات الخمس المقبلة التشاؤم داخل الأوساط الاقتصادية التي تنتقد تعامل السلطة مع أزمة الطاقة في العالم.
ويهدد التراجع غير المسبوق للطلب العالمي على الغاز الدول المصدرة لهذا المنتج بالانهيار مثل الجزائر التي تراجع نشاطها الاقتصادي بصفة متسارعة أكثر من انتشار الفايروس نفسه.
ويواجه الاقتصاد الجزائري ضربات متتالية بسبب اعتماده الشديد على سلعة وحيدة وهي صادرات الغاز، وبدرجة ضئيلة على صادرات النفط، التي تتعرض هي الأخرى إلى تراجع العوائد.
ونقل تلفزيون النهار المحلي عن وزير الطاقة عبدالمجيد عطار قوله إن “صادرات الجزائر من الغاز ستنخفض إلى 26 مليار متر مكعب سنويا في 2025 من 45 مليارا في 2020.
وأضاف عطار أن الصادرات بين 2025 و2030 ستدور بين 26 و30 مليار متر مكعب سنويا.
ويرجع الانخفاض بشكل رئيسي إلى ركود الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المحلي وعدم كفاية الاستثمار. وبلغت صادرات الجزائر من الغاز ذروتها في 2005 عند 64 مليار متر مكعب. وسجلت الصادرات 51.4 مليار متر مكعب في 2018 وتستمد الجزائر 95 في المئة من إيراداتها الخارجية من مبيعات النفط والغاز.
وتسببت جائحة كورونا في انخفاض قيمة الدينار وارتفاع التضخم وتوقف الشركات عن العمل، إلى جانب انخفاض عائدات النفط.
وحذر خبراء الاقتصاد من أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لمواجهة الوضع على نطاق واسع، فإن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية سيصبح أمرا لا مفر منه.
26 مليار لتر مكعب قيمة انخفاض صادرات الغاز سنويا في 2025 مقارنة بـ45 مليارا في 2020
وأعلن الديوان الوطني للإحصاء عن أرقام مقلقة من انخفاض بنسبة 3.9 في المئة في إجمالي الناتج الداخلي في الربع الأول من 2020 إلى اقتراب نسبة البطالة من 15 في المئة في يوليو بعدما ثبتت عند 11.4 في المئة في نهاية 2019، حسبما كشف منصور قديدير، الأستاذ المشارك في المدرسة العليا للاقتصاد في وهران.
وباستثناء قطاع الطاقة، انخفض إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 1.5 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة مقابل زيادة قدرها 3.6 في المئة للفترة نفسها من 2019، بحسب ديوان الإحصاء وهو هيئة حكومية.
ومع إجراءات الحجر منيت الشركات المملوكة للدولة بخسائر تبلغ نحو مليار يورو، من جراء الأزمة الصحية، حسب تقديرات وزير المالية أيمن بن عبدالرحمن.
ولم يتم تقييم خسائر القطاع الخاص بعد، لكن العديد من المتاجر المغلقة بما في ذلك المطاعم والمقاهي ووكالات الأسفار. وهي تواجه خطر الإفلاس بسبب إغلاقها منذ 19 مارس.
واعترف رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد بأن “الجزائر تعيش وضعا اقتصاديا صعبا غير مسبوق ناتجا عن أزمة هيكلية للحكومات السابقة، إضافة إلى انهيار أسعار البترول وأزمة فايروس كورونا”.
ويعتمد أكبر اقتصاد في منطقة المغرب العربي على عائدات النفط، مما يعرضه لتقلبات الأسعار، بسبب عدم تنويع الموارد.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سيشهد الاقتصاد الجزائري انكماشا نسبته 5.2 في المئة هذا العام مع عجز في الميزانية هو الأعلى في المنطقة.
وكان الرئيس عبدالمجيد تبون استبعد اللجوء إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي أو من الهيئات المالية الدولية الأخرى باسم السيادة الوطنية.
وتحتفظ الجزائر بذكريات مؤلمة من لجوئها عام 1994 إلى صندوق النقد الدولي وخطة الإصلاح الهيكلي أدى إلى تخفيضات هائلة في الوظائف وإغلاق شركات عامة وخصخصة جزء منها.
خبراء يعتبرون شركة سوناطراك، إحدى بؤر الفساد ويدعون إلى تغيير العقلية في التعامل مع النفط والغاز
وحاولت الحكومة تخفيف أثار الوباء وأعدّت خطة للانتعاش الاقتصادي، وقررت في بداية مايو حيث تم خفض ميزانية تسيير الدولة إلى النصف.
وفي قانون المالية االتكميلي لسنة 2020 تم إقرار انخفاض إيرادات الميزانية إلى حوالي 38 مليار يورو، مقابل 44 مليار يورو كانت متوقعة في الميزانية الأصلية.
وتنبّأ الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول بأن “يتراجع احتياطي العملات الأجنبية إلى 37.21 مليار يورو مقابل تقديرات أولية بنحو 43.44 مليار يورو”.
وبحسب الخبراء، فإن الحلول متوفرة لتفادي الانكماش، لكن أي حل سيتطلب إصلاحات جذرية.
واقترح قديدير تخفيض معدلات فائدة، مع استقطاب الأموال المتداولة في القطاع غير الرسمي وخفض الضرائب اعتمادا على عدد فرص العمل الجديدة التي يتم خلقها.
ودعا إلى إطلاق مشاريع كبرى مثل استخدام الصحراء لبناء مناطق صناعية زراعية مع بنية تحتية للتجهيز، بالإضافة إلى توسيع شبكة السكك الحديدية إلى الجنوب، وكل ذلك باستخدام القوى العاملة المحلية المؤهلة.
واعترف مبتول بأن المحروقات ستبقى مصدر الإيرادات الرئيسي للسنوات الخمس أو العشر القادمة، مشيرا إلى أن خطة الخروج من الأزمة الاقتصادية يجب أن تستند إلى حوكمة جديدة ولا مركزية، تعتمد على خمسة أقطاب اقتصادية جهوية.
ودعا إلى “تكافل بين الدولة والمواطنين يضم المسؤولين المنتخبين والشركات والبنوك والجامعات والمجتمع المدني من أجل محاربة البيروقراطية” التي تشل البلد.
ودعا خبراء الحكومة إلى تفكيك أخطبوط الفساد الذي تسبب في شلل الإدارة ومراكمة الخسائر خصوصا في قطاعات حيوية منها قطاع النفط.
ودخلت االجزائر منذ فبراير الماضي في جولة حاسمة لإعادة هيكلة شركة سوناطراك، إحدى بؤر الفساد في عهد الحكومات السابقة، في تحرّك وصفه محللون آنذاك بأنه منقوص إذا لم تتمكن الحكومة من تغيير العقلية القديمة في التعامل مع قطاع النفط والغاز.وأعلنت حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون عن تنصيب إدارة جديدة في أعلى هرم الذراع النفطية للدولة، في أحدث خطوات تنفيذ الإصلاحات العاجلة، التي يطالب بها الحراك الشعبي منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة.
وعكس التأخر في تنفيذ استراتيجية واضحة المعالم لتطوير القطاع حجم العراقيل المتراكمة والتي زادتها الأزمة الاقتصادية منذ منتصف 2014، أمام تنفيذ خطط الخروج من الاقتصاد الريعي.
ويرى محللون أن الخطوة التي اتخذتها الجزائر لترتيب عمل الشركة وجعلها تؤدي دورها بالشكل المطلوب ليست كافية إذا لم يصاحب هذه الخطةَ برنامج متكامل لتغيير عقلية إدارة قطاع النفط والغاز.