ما هي فرص التوقيف الدولي لقائد الدرك الجزائري السابق “الفار” في الخارج؟

أثار إصدار قاض عسكري جزائري، أمس الثلاثاء، أمرا بالقبض على قائد الدرك الوطني السابق العميد غالي بلقصير “الفار في الخارج”، بتهمة “الخيانة العظمى”، جدلا وتساؤلات عن إمكانية توقيف القائد السابق للجهاز الأمني الهام التابع لوزارة الدفاع، على اعتبار أنه إذا كان أمر التوقيف دوليا فإن هذا يعني أنه موجه إلى الهيئة المعنية عالميا بأوامر التوقيف أي الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول”، لكن الأخيرة كما تؤكد في موقعها لا تصدر نشرة توقيف في “حال انتهكت المادة 3 من القانون الأساسي للإنتربول، التي تحظر على المنظمة أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري”.

وذهب معلقون إلى القول إن أمر القبض الدولي الصادر عن المحكمة العسكرية بالبليدة (جنوب العاصمة) قد يكون إعلانا بأبعاد إعلامية أكثر منه أمرا بتوقيف المسؤول الأمني السابق “الفار”، الذي يتردد أنه موجود في فرنسا أو إسبانيا رفقة عائلته.

وإلى جانب الغالي بلقصير تم إيداع عسكريين اثنين الحبس.

وجاء في بيان لوزارة الدفاع أن “قاضي التحقيق العسكري بالبليدة أمر بوضع المتهمين بونويرة قرميط (رتبة مساعد أول) ودرويش هشام (رتبة رائد) الحبس المؤقت، بموجب أمر إيداع لدى المؤسسة العقابية العسكرية بالبليدة، كما أصدر أمرا بالقبض ضد المتهم غالي بلقصير”.

وأوضح البيان أن العسكريين الثلاثة متابعون “من طرف النيابة العسكرية بالبليدة من أجل تهم الخيانة العظمى (الاستحواذ على معلومات ووثائق سرية لغرض تسليمها لأحد عملاء دولة أجنبية)”، دون تقديم تفاصيل أكثر حول القضية.

وقبل أيام، أعلنت السلطات الجزائرية تسلم المساعد الأول بونويرة قرميط من تركيا بعد اتصال هاتفي بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من نظيره التركي رجب طيب أردوغان، كما كشفت وكالة “رويترز” للأنباء.

ونقلت الوكالة عن مصدر أمني جزائري بارز قوله إن رئيس البلاد اتصل بنظيره التركي، الشهر الماضي قبل أسبوع من عيد الأضحى، من أجل عودة العسكري الذي فر من الجزائر بعد أيام من وفاة قائد الجيش في ديسمبر كانون الأول.

وأضاف المصدر لرويترز أن مسؤولين أمنيين جزائريين تسلموا قرميط بونويرة، المتهم بتسريب أسرار عسكرية. وقد وصف بونويرة بـ “خزنة أسرار رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح”.

وقال المصدر إن بونويرة، الذي كان من كبار مساعدي قايد صالح، يواجه اتهامات بتسريب جدول يظهر تحركات ضباط في الجيش ويشمل أسماءهم وأرقاما خاصة بهم. وانتشر الجدول على مواقع التواصل الاجتماعي مما أحرج الجيش لكن لم يتضح من نشره.

والعميد بلقصير قاد الدرك الوطني التابع لوزارة الدفاع بين عامي 2018 و2019 ويتواجد منذ إنهاء مهامه في دولة أوروبية، رجحت تقارير أن تكون فرنسا، برغم ذكر اسم إسبانيا كذلك.

وإذا كان تسليم “خزنة أسرار قايد” (قرميط بونويرة) بدا سهلا بسبب التعاون التركي فإن استلام الغالي بلقصير، الذي كان محسوبا على قايد صالح هو كذلك، سيكون صعبا سواء من فرنسا أو إسبانيا إلا إذا كان بترتيبات أخرى غير الترتيبات القضائية.

وكان موقع “مغرب إنتليجنس” الاستخباراتي الفرنسي قال قبل نحو شهرين إن غالي بلقصير، القائد السابق للدرك الجزائري، دفن على ما يبدو حلمه بالعودة إلى الجزائر ذات يوم، في ظل التفكيك التدريجي لحاشية قائد الجيش السابق الفريق الراحل أحمد قايد صالح من قبل الرئيس عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة، الرجل القوي الجديد في الجيش الجزائري.

وكشف الموقع الاستخباراتي المختص في شؤون المنطقة المغاربية أنه على صعيد القضاء العسكري الجزائري، يقوم ضباط بجمع كل المعلومات اللازمة لإصدار مذكرة توقيف دولية ضد الجنرال غالي بلقصير، المستهدف من قبل عديد الملفات والتحقيقات في فضائح الفساد رفقة زوجته، القاضية السابقة فتيحة بوخرص، الرئيسة السابقة لمحكمة تيبازة.

وأكد “مغرب إنتليجنس” أنه منذ بداية وباء كورونا حاول بلقصير الانتقال إلى دبي، بعيداً عن أوروبا التي لا تمنحه راحة البال بسبب احتمال ترحيله منها إلى الجزائر. غير أن الجنرال الجزائري لم يتمكن من فتح حسابات مصرفية في دبي بسبب الفضائح التي نشرتها وسائل الإعلام والموثقة من قبل غوغل والتي تصنفه كمرتش في النظام الجزائري.

وعليه عاد غالي بلقصير إلى المنفى في أوروبا مع أبنائه وزوجته. ولكنه هذه المرة، لم يكتف بوضعه كمقيم في إسبانيا أولا بجواز السفر الدبلوماسي الجزائري الذي يسمح له بالدخول بانتظام إلى الأراضي الفرنسية؛ إذ قرر منذ مايو الماضي الدخول في اتصالات رسمية مع الأجهزة الاستخباراتية الغربية، وبالتحديد الفرنسية والإسبانية، للتفاوض معهم بخصوص اللجوء السياسي الآمن.

فالرجل يريد المساومة مع هذه الأجهزة الاستخباراتية بكافة الأسرار التي بحوزته فيما يتعلق بسير العمل الغامض للنظام الجزائري، يؤكد موقع “مغرب إنتليجنس”، مشيراً إلى أن غالي بلقصير يعد صندوقاً أسود حقيقياً لحاشية الراحل أحمد قايد صالح على مدى السنوات الخمس الماضية، بحيث يحمل وثائق وأسرار جميع القضايا الكبرى للنظام الجزائري: قضية الكوكايين والإثراء غير المشروع للجنرالات والقضايا السرية للأوليغارشية في الجزائر ولسعيد بوتفليقة.

بالإضافة إلى ذلك، فهو يعرف جيدا الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، كما أنه يعد الرجل الذي بحوزته صور جميع كبار المسؤولين الجزائريين الذين كانوا يتوافدون على مكتب الملياردير كامل شيخي الملقب بـ”البوشي” (الجزار) للتفاوض على الرشاوي.

ويرى الموقع أنه بالنسبة للأجهزة الفرنسية أو الإسبانية، فإن غالي بلقصير يمثل ثروة من المعلومات، من شأن الحصول عليها أن يشكل مصدر ضغط لباريس ومدريد على الجزائر العاصمة، مشيراً إلى أن الرجل يمتلك العديد من الاتصالات الأمنية، لا سيما في فرنسا حيث سبق له التعاون مع نظرائه من الدرك الفرنسي، وهو اليوم يستخدم هذه الشبكة للتفاوض حول “اللجوء الآمن” في فرنسا أو إسبانيا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: