انفجار مرفأ بيروت يثير مخاوف الجزائر في ميناء العاصمة
خيّم السيناريو اللبناني على أداء الحكومة الجزائرية، بشكل ألمح إلى اعتراف مبطن بتقاسم الفشل الرسمي في البلدين، فالفشل الذي أدى إلى انفجار مرفأ بيروت، حرك الحكومة للدفع بوزير النقل لتفقد ميناء الجزائر والاطلاع على وضعية المواد المخزنة، تفاديا لأي سيناريو شبيه بكارثة بيروت.
وأكد وزير النقل الجزائري لزهر هاني، على “خلو موانئ البلاد من أي نوع من السلع الخطيرة أو المواد المتفجرة”، وطلب من مسؤولي الميناء بإعداد “إحصاءات أسبوعية للمواد المحجوزة والمخزنة، وإرسال تقارير مفصلة بشأنها للمسؤولين للنظر فيها”.
وأوضح بأن بلاده “كانت من الدول السباقة لمنع حجز أو تخزين البضائع الخطيرة على مستوى الموانئ، وأن القانون مطبق بشكل صارم على مستوى كل موانئ، ولا وجود لبضائع خطيرة بها”.
ولفت إلى أن “ما وقع في ميناء بيروت يمكن أن يحدث في أي ميناء آخر، ولهذا يجب السهر على التطبيق الصارم للقوانين لتفادي مثل هذه الكوارث”، وإلى ضرورة “الصرامة في محاربة التصريحات المغلوطة، للمستوردين، خاصة وأن نقل البضائع الخطيرة مكلف، ولهذا يتفادى البعض التصريح بها”.
وجاء التحرك الميداني لتفقد وضعية ميناء الجزائر والاطلاع على ظروف وإجراءات الحجز والتخزين، ليعكس مخاوف الحكومة الجزائرية من أي حادث مماثل لما شهده مرفأ بيروت، ويعكس الفشل الرسمي ولو بشكل متفاوت في التعاطي مع الأوضاع الحساسة.
ولم تجد السلطات الجزائرية بدا في تعليق إخفاقاتها المتكررة بسبب تعثر سياساتها الداخلية، وعدم تجسيد الفارق اللافت عن ممارسات فترة حكم بتوفليقة، على “الأيادي الفاعلة التي تستهدف تأليب الشارع على السلطات العمومية”.
وشكل الكشف عن فاعلين مفترضين لموجة الحرائق التي ضربت البلاد خلال الأسبوعين الأخيرين، جزءا من المعادلة التي كانت تراهن عليها الحكومة، لإقناع الرأي العام، بما وصفته بـ”الأحداث المتراكمة” خلال إجازة عيد الأضحى.
وأوعزت لوسائطها الإعلامية من أجل توجيه الرأي العام، إلى ظهور بوادر التحقيق الذي أمر به الرئيس عبدالمجيد تبون، للنظر في حوادث تذبذب توزيع المياه وموجة الحرائق، في حين تغاضت عن عجز المؤسسات المحلية، التي لم تكيف مخططات عملها مع الأوضاع والحالات الاستثنائية في البلاد.
ورغم موجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ عدة أشهر، فإن وزير الموارد المائية أرزقي براقي، لم يتوان قبل أشهر في التصريح بأن “نسبة امتلاء السدود تفوق الـ 7 في المئة”، مما يعني أن البلاد لن تعرف شحا في المياه خلال الموسم الصيفي، إلا أن شهادات ميدانية أثبتت أن الكميات المحجوزة في تناقص كبير، وأن السدود الكبرى في البلاد، عرفت تراجعا كبيرا بسبب شح موسم التساقط السابق.
وعند نهاية فصل الربيع صدرت مديرية الحماية المدنية (الدفاع المدني)، حملة علاقات عامة، عن حملات الاستعداد لأي طوارئ محتملة خاصة الحرائق، وأظهرت إمكانيات ضخمة لذلك، إلا أن الموجة المسجلة في الأسبوعين الأخيرين، أظهرت قصورا كبيرا في تغطية التراب الوطني بالإمكانيات البشرية واللوجستية، لاسيما حوامات الإطفاء التي لم تكف لإطفاء النيران.
وأمام هول الحرائق التي التهمت مساحات واسعة من الغطاء الغابي خاصة في مناطق الشمال، والتي اضطرت سكان بعض القرى إلى الفرار والنجاة بما خف حمله، الأمر الذي اضطر فرق الدفاع الوطني في العديد من المرات إلى الاكتفاء بحماية الأرواح والممتلكات الهامة، وإبقاء الآخر لمصير الرماد.
ورغم غرابة الأحداث المتراكمة في الآونة الأخيرة، وأخذها بعدا وطنيا هدد بتفجير الوضع الاجتماعي في البلاد، أمام صدمة شح المياه والسيولة المالية في البنوك وموجة الحرائق، إلا أن عجز الحكومة عن تكييف مؤسساتها المحلية ومخططاتها العملية مع الأوضاع الاستثنائية يزيح ولو نسبيا نظرية المؤامرة التي تروج لها السلطة.
ولا يستبعد إطلاق سيناريو مخطط تخريبي أعدته جهات معادية وجندت له أياد داخلية، من أجل المساس بالخدمات الحساسة للسكان بغية تأليب الشارع على السلطات العمومية، وهو ما ألمح إليه رئيس الوزراء في تصريحه الأخيرة، عن توقيف أشخاص جاري التحقيق معهم للحصول على معطيات أكثر حول تفاصيل المخطط وكيفية تجنيدهم.
وهو سيناريو غير مستبعد لاسيما وأن ما يعرف بـ”لوبيات الفحم واستيراد الحبوب”، لها تقاليد في هذا المجال حيث كان ينسب إليها في السابق بعض موجات الحرائق التي استهدفت محاصيل القمح من أجل تعطيل الإنتاج المحلي من الحبوب، بشكل لا يزعج المستوردين ولا يضر بمصالحهم، ومن أجل إنتاج الفحم وتسويقه في المناسبات.
واستغرب شهود عيان الموجة الواسعة للحرائق، حيث قدرت بنحو 20 حريقا في اليوم خلال الأسبوعين الأخيرين، ومنها ما يتزامن في وقت واحد، ولم يعد الأمر مقتصرا على التضاريس الغابية والأحراش، بل تعداه حتى إلى بعض واحات النخيل في الصحراء.
وأحصت الحكومة الجزائرية 1381 بؤرة حريق التهم مساحة إجمالية تقدر بـ14496 هكتارا، منها 4268 هكتارا من الغابات. وكشفت التحقيقات الرسمية عن توقيف 15 شخصا افتعلوا حرائق موزعة على محافظات الطارف وباتنة وجيجل (شرقي البلاد)، وتيبازة (غرب العاصمة)، والمدية (جنوب العاصمة)، وتم وضع ثلاثة من بين هؤلاء رهن الحبس المؤقت إلى غاية عرضهم على القضاء.