ركود الاقتصاد يتسبب في أزمة سيولة في الجزائر
سيطرت الحيرة والشكوك داخل الأوساط الاقتصادية الجزائرية حول الأسباب والخلفيات الحقيقية، وراء أزمة شح السيولة المالية في البنوك ومراكز البريد في وقت تهرب فيه السلطات إلى تبرير الإشكال بأنه مؤامرة تستهدف تفجير الوضع الاجتماعي.
شكك خبراء اقتصاد جزائريون في تبريرات الحكومة لشح السيولة في البنوك ومراكز البريد، بينما تدرج الحكومة المسألة في نظرية المؤامرة التي تستهدف تفجير الشارع وتأليبه على السلطات، وبين من اعتبرها مقدمة لأزمة مالية خانقة نتيجة التداعيات التي أفرزها وباء كورونا على الاقتصاد.
ومن بين وجوه هذه الأزمة، اضطرت مكاتب بريد في العديد من مناطق البلاد، إلى دفع مستحقات عملائها بواسطة النقود من فئة 50 و100 و200 دينار جزائري نتيجة افتقادها للسيولة المالية وللنقص الحاد للأوراق المالية خاصة خلال الأيام التي سبقت عيد الأضحى، بما فيها الأوراق البالية التي كانت محتجزة لدى البنك المركزي.
وأثارت الندرة اللافتة للسيولة المالية في مراكز البريد وعدد من البنوك التجارية، جدلا محتدما حول الأسباب والخلفيات الحقيقية للظاهرة التي حملت نذر انفجار اجتماعي، مما حمل الحكومة على عقد لقاء طارئ، لكن النتائج لم تتضمن قرارات عملية واكتفت بتقديم شروح وحض المصارف على توسيع التنسيق بينها من أجل توفير الحاجيات الضرورية للعملاء.
وذكر رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد أن “مكاتب البريد التي تضم 22 مليون زبون، تشهد ضغطا ملحوظا خلال المناسبات والأعياد الدينية وأن البريد دفع ما يقدر بـنحو 400 مليار دينار خلال الأسابيع الأخيرة، وأن التنسيق العملي بين المصارف والبريد بات حتميا لتغطية مثل هذه الحالات”.
ولكن المسألة أخذت أبعادا أخرى، بعدما قرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون فتح تحقيق حول ما أسماه بـ”تراكمات الأيام الأخيرة”، وعلى رأسها نقص السيولة، ما يعني أن الأمر لا يقتصر على البعد الاقتصادي، خاصة وأن رئيس الحكومة جراد، كشف عن وجود “عرقلة متعمدة لتوفير السيولة في بعض المكاتب والمراكز البريدية لأغراض تستهدف تأليب الشارع ضد السلطات”.
وهو الطرح الذي لم يقدم قراءة مقنعة لعملاء البريد ولا للمختصين في مجال الاقتصاد والمالية، لاسيما وأن تداعيات كورونا لم تظهر بشكل واضح في البلاد، وأن تأثر الشركات والمؤسسات المالية بالجائحة، بدأت تظهر بوادره في تقلص دفع حصائلها المالية في حساباتها سواء بالبريد أو البنوك.
وفسر الخبير والمستشار الاقتصادي إسماعيل لالماس الظاهرة المستجدة بعدة عوامل أوجزها في “تحويلات في نفس الوقت أو نفس الفترة لرواتب العمال والمتقاعدين وأصحاب المنح والمعاشات، وجمود الاقتصاد الوطني لاسيما منذ شهر مارس الماضي، مما أدى ذلك إلى تقلص الودائع، فضلا عن الزيادة في سحب الأموال للأشخاص العاديين والمؤسسات في ظروف الكورونا”.
وأضاف بأن تزامن “تحويلات أجور العمال مع عيد الأضحى، وعدم استغلال واستعمال وسائل دفع عصرية، وتعطل العديد من أجهزة السحب الإلكتروني للنقود، إلى جانب انعدام ثقافة الادخار، وسوء التنظيم على مستوى البنك المركزي، وسوء التسيير الإداري للبريد، أدى إلى تضخم كميات هائلة من الأموال خارج الإطار البنكي، نتيجة غياب الثقة بين العملاء والمصارف.
أما الديوان الجزائري للإحصاءات (حكومي) قد صرح بأن “معدل التضخم السنوي بلغ 1.9 في المئة، وأشار إلى أن أسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعا بنسبة 1.2 في المئة، في حين عرفت المنتجات الزراعية الطازجة ارتفاعا بنحو 4 في المئة، أما المواد الغذائية المصنعة فازدادت بـنحو 2 في المئة، وعن مجموعات الأثاث وتجهيزاتها فقد وصلت إلى 8 في المئة، بينما شهدت أسعار الخدمات ركودا بسبب جائحة كورونا وانخفاض أسعار البترول”.
وتبقى أرقام الديوان الواقع تحت وصاية وزارة المالية، محل شك الاقتصاديين المحايدين، في ظل الوقائع المناقضة في السوق الجزائرية، بالنسبة لمؤشر التضخم وارتفاع الأسعار، مما استنفد الرصيد النقدي المتداول، وأدى إلى بروز ظاهرة ارتفاع الأسعار والتضخم في آن واحد، كما هو الشأن بالنسبة لسوق المواشي قبيل عيد الأضحى.
وينفي مختصون في الشأن المالي فرضية الاكتناز المتداولة من طرف بعض الدوائر الرسمية، بكون أن “الواقع يثبت عكس ذلك، لأن الطبقة الاجتماعية الأوسع لا تحتكم على مدخرات، وبالكاد توفر لها الرواتب الشهرية الضروريات وكثيرا ما تضطر للاستدانة أو اقتناء المواد عن طريق نظام القرض”.
وفي إجراء يستهدف التخفيف من وطأة السيولة قرر بريد الجزائر بإيعاز من الحكومة، إلى فرض قيود على سحوبات الشركات، كما علقت عمليات السحب من المكاتب البريدية للأشخاص المعنويين الحائزين على حسابات بريدية، لكن الوضع بقي متأزما ولا يحمل بوادر حل للأزمة.
ولا يستبعد أن تطول الأزمة في ظل غياب حلول ناجعة، كما ينتظر أن تتوسع لتشمل مؤسسات مصرفية وشركات التأمين، خاصة في ظل تقلص الودائع من طرف الشركات الناشطة على غرار سوناطراك النفطية وسونلغاز (الكهرباء والغاز)، والخطوط الجوية والنقل العمومي، وهي قطاعات تأثرت بالجائحة الصحية.