الجزائر: 1,1 مليار دولار من أموال الشعب حصل عليها نواب ومسؤولون وأبناؤهم في شكل إعلانات منحت لصحفهم خلال فترة حكم بوتفليقة!
كشف المدير الجديد لمؤسسة الاتصال والنشر والاعلانات الحكومية في الجزائر عن أرقام مهولة بخصوص الاعلانات الحكومية التي وزعت على الصحف خلال العقدين الماضيين، مشيرا إلى نواب ومسؤولين وأبنائهم أسسوا صحفا بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء واستفادوا من المليارات.
قدم العربي ونوغي المدير العام الجديد للمؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإعلانات في مقابلة مع صحفتي “الخبر” و”الوطن” معلومات حول عمليات الفساد والسطو والتلاعب في ملف الاعلانات الحكومية، خاصة في السنوات الأربعة الأخيرة التي شهدت توزيع ما ما لا يقل عن 311 مليون دولار على الصحف، مشيرا إلى أن التحقيقات ما تزال قائمة في العديد من الملفات التي ينتظر أن تسقط العديد من الرؤوس، سواء تعلق الأمر بالذين أشرفوا على تسيير القطاع، أو أولئك الذين استفادوا بغير وجه حق من إعلانات بالنسبة لصحف لم يكن سحبها يتجاوز سحبها الألفين نسخة.
وأضاف أن مؤسسته تخضع الآن لتحريّات 3 جهات، هي فصيلة الأبحاث التابعة للدرك الوطني والمفتشية العامة للمالية إلى جانب تدقيق للحسابات داخلي تم إطلاقه بالتعاون مع خبراء محاسبيين من خارج المؤسسة لتقييم حصيلة السنوات السابقة،
ومن بين أهم القضايا التي يعتقد أن التحقيقات ستشملها، ملف أموال الاعلانات التي منحت لصحف ووسائل إعلام أجنبية، وذلك بهدف ظاهر هو تحسين صورة الجزائر لكنه إشهار كان في الحقيقة حسب ونوغي، موجها لتلميع مجموعة الحكم السابقة، بتحويل العملة الصعبة للخارج. وأبرز أن الحملات الدعائية تمت بعقود قانونية، لكن الإشكال في مدى التزام الطرف المتعاقد معه بالشروط وتنفيذه كل ما تم الاتفاق حوله.
وأشار إلى أن الأموال التي صرفت في هذه الحملات الدعائية كبيرة جدا، في انتظار تحديد قيمتها، موضحا أن تلك الأموال ذهبت إلى صحف ومجلات مثل “لوموند” و”جون أفريك” و”أفرك آزي” ونشريات تابعة للصحافي والضابط السابق المقيم في فرنسا هشام عبود، وحتى قناة أورو نيوز التي ذكر أن الجزائر كانت شريكا فيها.
وذكر أن التحقيقات تشمل أيضا فترة تسيير وزير الاعلام الأسبق جمال كعوان، الذي جمع في الوقت نفسه بين منصبي الوزير ومدير عام مؤسسة النشر والاعلانات، وهو ما أدى إلى اشتباه المحققين بوجود تضارب مصالح، لأن كعوان كان مازال له علاقة بمجمع “وقت الجزائر” في نفس الفترة بوصفه عضوا في السجل التجاري للمؤسسة، موضحا أن المحققين اكتشفوا أنه في وقته أيضا تم كراء فيلا باسم المؤسسة بحي الأبيار الراقي أعالي العاصمة، بمبلغ 2300 دولار شهريا، دون أن يتم استغلالها في أي من نشاطات المؤسسة.
ووصل ونوغي إلى القول إن مؤسسته كانت في العهد السابق وكر فساد، خاضع لسلطة الهاتف، ومتحرر من كل المعايير القانونية والأخلاقية، معتبرا أن الضحية الكبرى لتلك الممارسات هم عمال المؤسسة وكوادرها النزيهة، الذين لم يستفيدوا من حقوقهم، رغم أن المؤسسة ذات طابع اقتصادي، وكانت تسير المليارات، غير أنه أبدى تفاؤلا بشأن تطهير الشركة مع نهاية العام الحالي، وفق الالتزامات التي قطعها مع الرئيس عبد المجيد تبون.
وأبدى ونوغي أسفه وحسرته لأن المليارات صرفت وذهبت أدراج الرياح دون أن يستفيد منها الصحفيون، ودون أن تساهم تلك الأموال الضخمة في تطوير قطاع الصحافة.
وقدّر العربي ونوغي حجم الأموال التي استفادت منها الصحف في إطار الإعلانات الحكومية بحوالي 1,1 مليار دولار خلال العشرين سنة الماضية، وهي أموال قال إنها كانت تصب في مصلحة ملاك الصحف بالدرجة الأولى على حساب الصحفيين الذين ذكر المتحدث، أن بعضهم لم يكن حتى مصرحا بهم لدى الضمان الاجتماعي.
ويتربع على عرش الاستفادة من ريع الاعلانات الحكومية صحيفة النهار التي كانت مقربة من محيط الرئيس السابق، والتي حصلت على حوالي 14 مليون دولار كاعلانات بين عامي 2012 و2015، وحوالي 13 مليون دولار بين سنتي 2016 و2019، بما يرفع القيمة الإجمالية لما حصلت عليه الصحيفة إلى 235 مليار سنتيم في الثماني سنوات الأخيرة.
أما صحيفة الشروق، فقد حصلت على حوالي 11 مليون دولار بين سنتي 2012 و 2015، ثم تراجعت حصتها إلى حوالي ثلاثة ملايين دولار بين سنتي 2016 و2019، أما صحيفة الخبر فاستفادت من مبلغ 2,7 مليون دولار في الفترة ما بين 2016 و2019، علما أنها لم تكن تحصل على الاعلانات الحكومية.
أما الصحف المملوكة للنائب عبد الحميد سي عفيف، فقد حصلت منها “منبر القراء” على 1,5 مليون دولار بين 2012 و2015، و31 مليار بين 2016 و2019، أما “تريبون دي ليكتور” (النسخة الفرنسية) فاستفادت من 2,4 مليون دولار بين سنتي 2012 و2015، و 2,1 مليون دولار بين سنتي 2016 و2019، ما يجعل مجموع ما حصلت عليه الجريدتين حوالي 8 مليون دولار.
ومن بين الصحف التي استفادت من الاعلانات بشكل لافت، صحيفة “لوجور” المملوكة لزوجة صحفي سابق، والتي حصلت على 4,3 مليون دولار بين 2012 و2015،و3,5 مليون دولار بين 2016 و2019، و أن هناك صحيفة أخرى هي “لي ديبا” تابعة للشخص نفسه وحصلت على 3.3 مليون دولار بين 2016 و2019، أما صحيفة “لانوفيل ريبوبليك” التي يسيرها عبد الوهاب جاكون على مبلغ 3,3 مليون دولار بين سنتي 2012 و2015، أما جريدة لاتريبون فقد حصلت كذلك على 3,3 مليون دولار في الفترة نفسها.
أما صحيفة “لاديباش دو كابيلي” التي يسيرها إيدير بن يونس شقيق وزير الصناعة السابق عمارة بن يونس على فقد حصلت على حوالي 1,7 مليون دولار بين الفترة 2016 و2019، أما صحيفة البلاد، فحصلت على 3,1 مليون دولار في نفس الفترة، أما صحيفة “البلاغ” التابعة للاعب والمدرب السابق رابح ماجر فقد حصلت 2,3 مليون دولار خلال الفترة نفسها.
وأوضح ونوعي أنه من أكثر المواضيع الشائكة التي وجد نفسه مضطرا للتعامل معها منذ بداية استلامه مهامه، هي وضع حدّ لاستفادة دخلاء مهنة الصحافة من أموال الإعلانات الحكومية، موضحا أنه وجد 40 شخصا بينهم نواب وسيناتورات وحتى رياضيين وأبناء مسؤولين، كانوا يديرون صحفا عبر أسماء مستعارة، ويحصلون عبر نفوذهم على أموال طائلة من الاعلانات.
وأشار إلى أن قانون الإعلام واضح في منع مثل هذه الممارسات، فالمادة 31 منه تشير إلى منع إعارة الاسم لكل شخص سواء بالتظاهر باكتتاب الأسهم أو الحصص، أو امتلاك أو تأجير بالوكالة لـمحل تجاري أو سند، كما أن المادة 25 من ذات القانون تنص على أن نفس الشخص الـمعنوي الخاضع للقانون الجزائري، لا يمكنه أن يملك أو يراقب أو يسير نشرية واحدة فقط للإعلام العام تصدر بالجزائر بنفس الدورية.
وشرح سبب توقيف الاعلانات عن صحيفة “إيدوغ نيوز” التي يمتلكها نجل رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، مؤكدا أنه قطع الاعلانات عنها أيضا لأن “صاحبها لا علاقة له بالصحافة”.