وداعا القيم
مرة قال السوسيولوجي الراحل محمد جسوس:”إننا في سلم شرف التخلف ننتقل من الدرجة الرابعة إلى الثالثة فالثانية فالأولى، نتقدم، لكن مع كامل الأسف نحو مزيد من التراجع، بالنسبة إلى القيم الحضارية الكبرى”.
أسباب الرجوع إلى قولة الراحل، أن أزمة كورونا أماطت اللثام عما اعتبره تراجعا للقيم، إذ في غفلة العيد ، ارتدى بعض الباحثين عن الأضحية أقنعة اللصوص، وشنوا غارتهم على سوق بالبيضاء، بل وسرق بعض ضحايا الفيروس تجهيزات ومعدات المستشفى الميداني بابن سليمان، بعد أن تعافوا من الوباء، وارتكبت امرأة جريمة قتل مزدوجة راح ضحيتها اثنان من أبناء زوجها، ودهس سائق سيارة أطفالا بكورنيش آسفي…
رحم الله القيم المغربية. النخوة والشهامة والتسامح والعفو شُيعت إلى مثواها الأخير. والحياء والتكافل والتعاون والتعاضد أصبحت مثل إبرة وسط قش من العنف والحقد والوصولية.
قديما، كان المجتمع مثل جسد واحد، يسوده التراحم والمحبة والاحترام، وتحكي قصص الأجداد نبل العلاقات الإنسانية وتشبث المغاربة بالقيم، وتتحدث عن طبائع تضامن راقية، فإذا مرض الجار، مثلا، يمرض سكان الحي، وإذا احتفل أحدهم بمناسبة ما، عمت الفرحة الجميع من شدة الترابط والتماسك.
لو سرق لص، في زمن الأجداد، كبشا لنفره المجتمع، وصار منبوذا إلى أن يعود إلى رشده، ولو قتل شخص آخر، مهما كانت أسبابه، لانتفض الجميع منددا ومستنكرا.
دائما كان مجتمعنا يرفض المساس بهيبته وتماسكه… فطوبى لكل من تدثر بالقيم، ولا خير في مجتمع يدنس تاريخ شرفائه بالضغينة والانتقام.
أحداث سرقة الأكباش وتجهيزات المستشفى ليست استثناء، ولو أنها ظهرت بشكل عنيف، لكنها مؤشر على مجتمع يهوي في قاع الفوضى، ويفقد نصاعة حضارته تدريجيا، رغم مقاومة الصادقين والحالمين والتواقين إلى استعادة قيم المغاربة الجميلة.
في ذلك الزمان، كانت للشيخ هيبة، والآن يهان في الطرقات، وكانت للمعلم رهبة، فإذا تجول بأزقة الحي هرع التلاميذ للاختباء، أما الآن، فيعتدون على الأساتذة بالسكاكين إذا منعوهم من الغش، كما كانت للممتلكات العمومية والخاصة قدسية في الحفاظ عليها، واليوم تخرب حافلات نقل المسافرين وتشوه تجهيزات الحدائق، دليلا على اندثار القيم.
تتعدد أسباب انتكاسة القيم، لكن ناقوس الخطر يدق بقوة، محذرا من نهاية “الترابي”، التي تلقيناها من الأب والفقيه، وقرأناها على جدران مدارس خلدت أبياتا ذهبية لأمير الشعراء..
“فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.