بني ملال وجهة عشاق التخييم وتسلق الجبال في المغرب

مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الأيام الأخيرة، يمّم العديد من شباب بني ملال وجوههم شطر مرتفعات وجبال المنطقة، حيث نصب بعضهم خياما على جنبات وادي أحنصال بإقليم أزيلال، للاستمتاع بالأجواء المنعشة بالبحيرة الواقعة في وسط الجبال بشلالاتها ومناظرها الخلابة.

لا ملاذ أمام هؤلاء الشباب، الذين يفرون من موجة الحر التي تناهز 48 درجة في هذا الوقت من العام، غير هذه الفضاءات الطبيعية للترويح على النفس والتمتع بأجواء التخييم التي لا تتطلب منهم سوى توفير خيام تقليدية بسيطة تتلاءم مع مختلف أشكال التضاريس بالمنطقة، أو التلذذ بين الفينة والأخرى بالمياه الزرقاء البلورية لوادي أحنصال.

وللانغماس في هذه الأجواء الطبيعية الجميلة يكفي هواة الهواء الطلق هؤلاء قليل من الإمكانيات المادية، وتأمين بعض مستلزمات التغذية المتواضعة من معلبات مصبرة وخبز وفطائر وجبن وشاي وسكر وشموع وفوانيس تقليدية للإضاءة، مدفوعين في ذلك بشغف لخوض مثل هذه المغامرات الشيقة في أجواء بعيدة عن روتينية الحياة المعاصرة.

ويختار هؤلاء الشباب نصب خيامهم بمحاذاة ضفتي وادي أحنصال، تحت ظلال شجيرات تقيهم لفح الشمس، قريبا من بيئة جبلية وطبيعية هادئة، تؤمن لهم مياه الشرب التي يجلبونها من ينابيع وعيون في المكان، وبعض الأعشاب المجففة التي يستعملونها في إشعال المواقد المعدة لطهي الطعام.

جهة بني ملال ستكون في قلب الاهتمام الدولي في حال احتضنت المغرب سنة 2022 المؤتمر الدولي للمنتزهات الجيولوجية

مدفوعين بفرح طفولي، يضع هؤلاء برنامجا زمنيا يتوزع بين ممارسة الرياضة والمطالعة وإعداد الطعام والتسوق والقيلولة والسباحة وزيارة المغارات وتسلق الجبال وشلالات المنطقة، كما يوزعون بينهم المهام المطلوب القيام بها يوميا، حيث لا مكان هنا للكسل أو الخمول بعيدا عن مناخ كورونا.

يستيقظ كريم، الطالب بشعبة اللغة الإنجليزية، في وقت مبكر، وقد حان دوره لإعداد وجبة الفطور الذي لا تكتمل نكهته من دون شاي منعنع وشطائر خبز “تافرونت” بزبدة ومربى في فضاء ظليل وأجواء صباحية منعشة.

تلك حياة بدائية لطالما لقنت هؤلاء وأمثالهم الكثير من الدروس والعبر، وشحذت عزائمهم وقوت إراداتهم، ومن عوالمها الممتعة ها هم يغرفون الطاقة الإيجابية لمواصلة الحياة والاستعداد لموسم جديد يبدو أنه سيكون استثنائيا، وهو يواكب ظرفية ما يزال فيها وباء كورونا يتسيد المشهد العام.

يقول بدر، الحاصل على البكالوريا هذا العام، أن الوقت حان، بعد أشهر من الحجر الصحي، للاستمتاع بالحياة، ونسيان التوتر الناجم عن هذه الأزمة الصحية العالمية، والاستئناس بعالم الطبيعة الغناء. وعبر عمر، الطالب بشعبة القانون بجامعة السلطان مولاي سليمان، أن ضفاف البحيرات والجبال لا تزال أماكن باردة مقارنة بالمدينة، توفر لزوارها فرصة للاستجمام مجانا، وهي الملاذات الجميلة البعيدة عن صخب المدن وقيظها والتأثيرات الصحية والنفسية للفايروس الماحق.

ولتوفير مثل هذه الأجواء قامت السلطات المحلية بإقليم أزيلال مؤخرا بإعادة تأهيل المسارات بقرية تيلوكيت المؤدية إلى وادي أحنصال، وفتحت عددا من المسالك إلى المناطق الوعرة، مثل المناطق المحيطة بجبل الكاتدرائية أو شلالات آيت تمجوت.

وفي الشهر الماضي قرر مجموعة من شباب مدينة بني ملال من مشارب مختلفة، مهندسون ومصرفيون ورياضيون، احتفالا بتخفيف الحجر الصحي الذي طال لأزيد من ثلاثة أشهر بسبب انتشار كورونا، تسلق جبل الكنيسة والذي يعرف محليا بالكاتدرائية ويرتفع 1872 مترا فوق مستوى سطح البحر.

من بين هؤلاء الشباب معاد، متسلق جبال، سفيان وأمين، مصرفيان وطارق مدرب رياضي، طال انتظارهم لاستئناف أنشطتهم الترفيهية المفضلة بجبال الأطلس المتوسط بسبب

جائحة كورونا التي أثرت بشدة على السياحة الجبلية بالمنطقة ومختلف الأنشطة الرياضية التي دأب على ممارستها عشاق المشي وتسلق الجبال والمغارات.

الترويح عن النفس في الطبيعة

وفي هذا الجبل الصخري الذي يقع على مقربة من زاوية أحنصال، المنطقة الخلابة بغابات الصنوبر والوديان والمجاري المائية، بدأت مجموعة من متسلقي الجبال رحلتها بعد شهور من الحجر الصحي باحترام كامل لتدابير الوقاية والتباعد الاجتماعي، من لبس القفازات والكمامات، مع حرص كل فرد من المجموعة على حمل مؤونته على ظهره دون إمكانية لتبادل أو تشارك المتاع، فيما بدأت الرحلة أصعب من المتوقع نظرا للحالة البدنية للمتسلقين نتيجة الحجر الصحي ولظروف المناخ القاسية خصوصا ارتفاع درجات الحرارة والجو الجاف.

وعلى الرغم من ذلك، فقد عقدت المجموعة العزم على الصعود إلى القمة وهو ما تحقق بالفعل مخلفا ارتياحا، وشعورا بالنشوة والفرح.

وغير بعيد من هناك، في “بحيرة بين الويدان”، الوجهة السياحية الجذابة في الأطلس المتوسط، التقى عشاق الرياضات المائية لأول مرة بعد ثلاثة أشهر من الحجر الصحي وذلك لاستئناف أنشطتهم المفضلة.

وتقاطر على البحيرة العديد من عشاق رياضات سباق القوارب والتجديف، وغيرهم من الباحثين عن رياضات التشويق مثل التزحلق على الماء والدراجات المائية.

وستكون جهة بني ملال – خينفرة، وضمنها إقليم أزيلال في قلب اهتمام دولي في حالة الظفر باحتضان المغرب سنة 2022 للدورة العاشرة من المؤتمر الدولي للمنتزهات الجيولوجية العالمية لليونسكو، مما سيساهم في تثمين هذا الإرث الطبيعي الزاخر، ودوره في تعزيز جاذبية هذه المنطقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: