مخاوف إسبانية من خطط المغرب لتحديث قدراته العسكرية
طالب حزب فوكس الإسباني اليميني المتطرف حكومة بلاده بتخصيص 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد للإنفاق على الجيش، مؤكدا أن مدريد ستحافظ من خلال اعتماد هذا المقترح على تفوقها العسكري في غرب البحر المتوسط ما سيسمح لها بـ”ضمان سيادتها على مدينتي سبتة ومليلية وعلى جزر الكناري”.
وتزامن هذا المطلب من الحزب الشعبوي مع اقتراب تصويت الحكومة الائتلافية على مشروع قانون المالية لعام 2021 حيث قال فوكس إن المغرب زاد من قدرات قواته المسلحة بشكل كبير ولديه بالفعل جيش، مع وجود 200.000 جندي، وهو من بين الأكبر والأكثر حداثة في أفريقيا، بفضل زيادة إنفاقه الدفاعي بنسبة 50 في المئة على مدى السنوات العشر الماضية.
وقال الشرقاوي الروداني، وهو خبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إن ’’الخطاب الأمني العسكري لليمين في إسبانيا نابع من العقيدة العسكرية لمدريد والتي مازالت تريد فرض تفوق استراتيجي على دول الجنوب خاصة المغرب الذي تجمعهما معا عدة ملفات استراتيجية وحساسة كالهجرة والإرهاب والاقتصاد‘‘.
وأضاف الشرقاوي في تصريح لـه أن ’’تحركات المغرب على مستوى الهندسة والخصوصيات الفنية لقواته العسكرية تحظى باهتمام كبير لدى مدريد التي ترى في أي علاقة استراتيجية للمملكة المغربية مع دولة من الدول الصناعية الكبرى محددا قادرا أن يغير من واقع التوازنات على الأرض وكذلك على مستوى موازنة الدفاع الإسباني التي تريد أن تبقي على مستوى معين من الإنفاق العسكري‘‘.
وبناء على ذلك، طالب الحزب اليميني المتطرف، الذي حقق صعودا في السنوات الأخيرة في بلاده لكنه ظل بعيدا عن دوائر الحكم، بتعزيز العلاقات مع واشنطن معتبرا ذلك ضروريا للحصول على الدعم في حالة النزاع مع الدول المجاورة أو للمطالبة بالسيادة على الأراضي أو البحار القريبة من المغرب.
ويوضح الشرقاوي أن العلاقات الثنائية والاستراتيجية بين الرباط وواشنطن والدور الكبير الذي أصبحت تلعبه المملكة على مستوى تدبير ملفات قارية إلى جانب دورها المتنامي في مجموعة من التحالفات، أصبح يقلق بعض الجهات في إسبانيا التي ترى المغرب منافسا استراتيجيا في قضايا مهمة على مستوى الهندسة العسكرية الأميركية.
وذكر فوكس أنه منذ عام 2018 تم تشغيل قاعدة عسكرية أميركية في طانطان، على بعد حوالي 25 كم من ساحل المحيط الأطلسي و300 كم من أرخبيل جزر الكناري.
وأضاف الحزب أنه ليس من الواضح لأحد إن كانت قاعدة كبيرة في جنوب المغرب ستسمح للبنتاغون بتحقيق أهداف استراتيجية ذات أهمية حيوية لمصالحها.
وأكد الباحث في المعهد الملكي الإسباني تشارلز باول أن المؤسسة العسكرية الإسبانية تتوجس من أي تطوير وتعزيز وتحديث في القدرات العسكرية والحربية المغربية، ومن تنويعه لشركائه العسكريين، لاسيما التركيز على سوق الأسلحة الأميركية والفرنسية.
ويرى الشرقاوي الروداني أن هذا التوجس الإسباني ليس وليد اللحظة باعتبار التحول الكبير في معادلات القوى ونقاط الارتكاز الاستراتيجية في منطقة غرب حوض البحر المتوسط والتي أصبحت محدداتها في صالح التصور الاستراتيجي المغربي لسياسة الدفاع المشترك والجماعي.
ولكن تخوفات الحزب اليميني المتطرف ليس لها ما يبررها حسب مراقبين، ففي تقريره المنشور في 27 أبريل 2020 حول أكبر 40 دولة إنفاقا على التسلح في العالم، صنف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إسبانيا في المركز الـ17 في العالم بـ 17.2 مليار دولار، بينما لم يتواجد المغرب في الترتيب.
وركزت عدة تقارير صحافية ومراكز أبحاث إسبانية على ملف تعزيز قدراته العسكرية، ومنها الموقع الدولي “إنفوديفينسا”، المتخصص بالشؤون العسكرية والصناعات الحربية والمقرب من المؤسسة العسكرية الإسبانية، على البحرية الملكية المغربية التي مازالت تواصل الرفع من قدراتها العسكرية.
ويوضح الشرقاوي أن ’’هناك اهتماما إسبانيا بالمنظومة الأمنية المغربية لاعتبارات كثيرة، منها ضبط أي تكتيك عسكري على اعتبار أن مراكز القيادة العسكرية في الاستراتيجيات مرتبطة في أسلوبها وعملياتها بقوة المعدات على مستوى التحرك الأرضي والجوي للقوات المسلحة العسكرية وهو عامل محدد في موازين التماثل الاستراتيجي‘‘.
ويقول خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية إن دعوة حزب فوكس اليميني يعتبر غطاء سياسيا لما يروج داخل المؤسسة العسكرية بعدم قبولها بمغرب قوي يحمي حدوده وأمنه القومي ويطور استراتيجيته العسكرية، حيث ربط هؤلاء قيام القوّات الجوية الإسبانية باستعراض قواتها بتحريك مقاتلات إف-18 قبالة سواحل جزر الكناري في العام الماضي بالقرار الذي اتخذه البرلمان المغربي بشروعهِ في رسم الحدود البحرية في المياه الإقليمية قبالة الأقاليم الجنوبية.
وطورت المملكة المغربية قواتها العسكرية على مستوى الموارد البشرية والمعدات إلى جانب ترسيم الحدود البحرية المغربية ما أعطى حسب الروداني إشارات مهمة في بلورة إستراتيجيات مهمة لحفظ الأمن في مجال جيوسياسي تعتبره مدريد حيويا بالنسبة لها. كما أن الوعاء القانوني للمملكة المغربية أصبح منفتحا ومتقدما في ما يتعلق بتقوية السيادة الوطنية على مستوى الصناعة العسكرية وكذلك على مستوى الأمن القومي المغربي بما فيه الأمن السيبرياني.
ومؤخرا أعطى العاهل المغربي بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية الضوء لتصنيع الأسلحة ومعدات الدفاع، ومنح تراخيص تسمح بتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية المستخدمة من طرف القوات المسلحة وقوات الأمن، والعمل على تصديرها إلى دول أخرى.
وحول مستقبل العلاقات الثنائية في ظل التوجس الإسباني من الاستراتيجية العسكرية للمغرب، أكد الروداني أن الرباط في إطار شركاتها الإستراتيجية حافظت دائما على مساحة كبيرة من التفاهمات مع مدريد حول ملفات مهمة وقد لعبت الرباط ومازالت دورا محوريا في الحفاظ على أمن إسبانيا من خلال تعاون أمني وثيق ورفيع.