“الصندوق الأسود” لقيادة الجيش الجزائري أمام القضاء
تنتظر الأوساط السياسية والمتابعون للشأن الجزائري أن تكشف التحقيقات التي بدأها القضاء العسكري مع ضابط تم تسليمه من تركيا مؤخرا، العديد من الخبايا والملفات على اعتبار أن المتهم كان يشغل منصبا حساسا ومهما، حيث كان السكرتير الشخصي لقائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، ما مكنه من الاطلاع على العديد من الملفات والأسرار المتعلقة بالمؤسسة العسكرية وبأمن البلاد.
شرع القضاء العسكري في الجزائر، الاثنين، في التحقيق مع ضابط مقرب من رئيس الأركان الراحل أحمد قايد صالح سلمته تركيا إلى الجزائر مؤخرا.
وتتوقع الأوساط السياسية في الجزائر أن تكشف إثارة قضية الضابط العسكري الذي هرب في السابق إلى تركيا عن الكثير من الملفات والحقائق على اعتبار أنه كان يشغل منصب السكرتير الشخصي للجنرال الراحل قايد صالح.
وبدأت المحكمة العسكرية في النظر في قضية ضابط الصف قرميط بونويرة، حيث شرع المحققون في الاستماع إلى إجاباته على أسئلة تحمل في ثناياها تهما خطيرة تتعلق بتسريب أسرار عسكرية إلى جهات خارجية، بالإضافة إلى التعاون مع ضباط فارين في الخارج وأطراف أخرى من أجل تحقيق مصالح ضيقة تهدد استقرار وتماسك المؤسسة العسكرية والدولة الجزائرية عموما.
وكانت السلطات الجزائرية قد استلمت الضابط بونويرة من تركيا بعد اتصال هاتفي من الرئيس عبدالمجيد تبون مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان طلب فيه تسليم الضابط. ولم يتأخر عرض الضابط على القضاء العسكري استعدادا لمحاكمته بتهم ثقيلة، خاصة أنه كان يحمل في حقيبته ملفات في غاية الأهمية تتعلق بالمؤسسة العسكرية.
واستحوذ بونويرة على ملفات وصفت بـ”المهمة والخطيرة ” وفر إلى خارج البلاد إثر وفاة قايد صالح في ديسمبر الماضي.
ويوصف بونويرة بـ”الصندوق الأسود” لقيادة أركان الجيش وللجنرال الراحل قايد صالح، فضلا عن امتلاكه لشبكة علاقات كبيرة في صفوف ضباط المؤسسة العسكرية، اكتسبها من خلال منصبه في قيادة الأركان واطلاعه الكلي على مختلف الملفات والأسرار. كما كان ضباط سامون في الجيش يعتبرونه المفتاح الرئيسي للمرور إلى قائد الأركان آنذاك.
واعتبر تسليم السلطات التركية الضابط المطلوب في الجزائر بمثابة هدية دبلوماسية قدمتها أنقرة للجزائر بهدف تحفيزها على اتخاذ موقف داعم لأنقرة في ما يتعلق بالأزمة الليبية، أحد القواسم المشتركة بين البلدين، لاسيما بعد ظهور بوادر انزعاج جزائري من الدور التركي المتنامي في المنطقة وبلورتها لمبادرة لحل الصراع مع رفض التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا.
وأربك فرار المساعد الرئيسي لقائد أركان الجيش السابق موقف المؤسسة العسكرية خاصة تجاه المتعاطفين معها، قياسا برتبته المتواضعة التي لا تعكس المنصب الذي كان يشغله وأهمية الملفات التي كانت بحوزته.
كما يعد فرار بونويرة إحدى حلقات فرار متنام لعدد من الضباط السامين إلى خارج البلاد، من بينهم قائد الدرك السابق الجنرال الغالي بلقصير.
ويرجح مراقبون أن يكون بونويرة وراء تسريب بعض الوثائق التي تحمل معلومات خاصة عن ضباط في المؤسسة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما يجعل هذا الأمر أحد الأسباب التي جعلت السلطات العليا تتحرك من أجل إعادة الانضباط داخل المؤسسة العسكرية وتحييدها عمّا تصفه بـ”المؤامرات” التي تستهدفها.
وذكرت تقارير إعلامية محلية أن قرميط بونويرة استحوذ على ملفات مهمة في مبنى قيادة الأركان بعد الإعلان عن وفاة الجنرال قايد صالح وفر بعدها بأسبوع إلى تركيا. ولم تستبعد هذه التقارير أن يكون قد سرب البعض من الوثائق والمعلومات التي كانت بحوزته إلى ناشطين سياسيين ومعارضين للنظام يقيمون في الخارج.
ويعد سقوط “الصندوق الأسود” للقيادة السابقة للجيش حلقة جديدة من سلسلة سقوط العديد من الضباط المحسوبين على قايد صالح، مما يطرح إمكانية وجود مخطط داخل السلطة لتصفية التركة التي خلفها الجنرال الراحل، خاصة أنه أحاط نفسه منذ هيمنته على المؤسسة التي تعد الواجهة الأولى للسلطة في البلاد خاصة بعد تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بضباط وقادة موالين له على غرار صهره قائد الناحية العسكرية الثانية السابق الجنرال مفتاح صواب.
ضباط في الجيش الجزائري كانوا يعتبرون قرميط بونويرة المفتاح الرئيسي للمرور إلى الجنرال الراحل قايد صالح
وأجرى الرئيس تبون تغييرات داخل الجيش، خلال الأسابيع الأخيرة خاصة بعد تثبيت حليفه الجديد قائد أركان الجيش سعيد شنقريحة، شملت عددا من الضباط السامين والمناصب الحساسة في المؤسسة العسكرية كان أبرزها إقالة مدير الأمن الداخلي السابق الجنرال واسيني بوعزة وإحالته على القضاء العسكري الذي حكم عليه في قضية واحدة بالسجن ثماني سنوات نافذة.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن الرئيس تبون يريد ترتيب الأوراق داخل المؤسسات المهمة، من أجل ضبط الإيقاع على أداء واحد لاسيما أن عددا من كبار الضباط لم يؤيدوه في الانتخابات الرئاسية وسعوا بكل الوسائل من أجل دعم منافسه المرشح عزالدين ميهوبي.
ولا يستبعد هؤلاء أن يكون بونويرة أحد الأذرع التي استغلها المناوئون لتبون في ترتيب الانتخابات الرئاسية لصالح ميهوبي، لولا تدخل قايد صالح في آخر المطاف وحسم دعم الجيش لتبون.