العاهل المغربي يعرض خارطة طريق متقدمة للتعامل مع تداعيات كورونا

في تآزر كبير مع شعبه أبرز العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء الأربعاء في خطاب إلى الأمة بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش،  أن العناية التي يعطيها لصحة المواطن المغربي وسلامة عائلته، هي نفسها التي يخص بها أبناءه وأسرته الصغيرة، لاسيما في هذا السياق الصعب التي يمر به المغرب والعالم بسبب انتشار وباء كوفيد – 19.

ودعا الملك محمد السادس إلى مواصلة التعبئة واليقظة والتضامن والالتزام بالتدابير الصحية، أمام أي موجة ثانية محتملة من فايروس كورونا المستجد، مشيرا إلى أن مواجهة الوباء يهدف إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها.

وأشاد الملك محمد السادس، بمستوى الوعي والانضباط والتجاوب الايجابي الذي أبان عنه المغاربة خلال أزمة فايروس كورونا المستجد، وقيامهم بدورهم بكل جد ومسؤولية، بالإضافة إلى روح التضامن، سواء على المستوى الفردي أو من خلال مبادرات المجتمع المدني.

وتميز الخطاب الملكي بكونه خطابا خلاقا على مستوى المبادرات وإنسانيا عبر توقفه على القيم التي أطرت مرحلة مواجهة كوفيد – 19، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن لـ”.أخبارنا الجالية “، فضلا عن كونه خطابا واقعيا لا يستبعد السيناريوهات الصعبة ويقدم الواقع كما هو علاوة على كونه خطاب يطرح سؤال المستقبل وأهمية تضافر جهود القوى الحية من أجل السير وفق خطط اقتصادية واجتماعية جديدة ترتب الأولويات من جديد.

وأكد الملك محمد السادس أنه إن كانت هذه الأزمة قد أكدت صلابة الروابط الاجتماعية وروح التضامن بـين المغاربة، فإنها كشفت أيضا عن مجموعة من النواقص، خاصة في المجال الاجتماعي، ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية.

محمد بودن: خطاب العاهل المغربي يطرح سؤال المستقبل وأهمية تضافر جهود القوى الحية من أجل السير وفق خطط اقتصادية واجتماعية جديدة ترتب الأولويات من جديد.
محمد بودن: الخطاب الملكي بحجم المرحلة حيث واكب دقتها وقدم رؤية لمواجهتها وتجنب المزيد من تحدياتها

وذهب الملك محمد السادس في خطاب العرش، إلى أنه بالرغم من الجهود التي تم القيام بها للتخفيف من حدة الأزمة الصحية، إلا أن عواقبها ستكون قاسية، مضيفا أننا ندرك حجم الآثار السلبية، التي خلفتها هذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فقط، وإنما أيضا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

ودعا الملك لمواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أي موجة ثانية من هذا الوباء، لا قدر الله، خاصة أمام التراخي الذي لاحظناه.

وكخطة بعيدة المدى للتعاطي مع تداعيات كورونا أعلن الملك محمد السادس، مساء الأربعاء، عن اعتزام المغرب ضخ حوالي 12 مليار دولار في اقتصاده الوطني، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام، موضحا أن هذا الحجم من المال سيجعل تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداما في سياسة إنعاش اقتصاده بعد هذه الأزمة.

وفي هذا الإطار دعا الملك الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين للانخراط في هذه الخطة  لضمان شروط نجاحها، في إطار تعاقد وطني بناء، يكون في مستوى تحديات المرحلة وانتظارات المغاربة.

كما دعا الملك إلى الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قـصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية.

وأوضح الملك محمد السادس، أنه سيتم رصد خمسة ملايير لصندوق الضمان المركزي، في إطار إنعاش الاقتصاد، مشيرا إلى أنه وجه الحكومة لدعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر رزقها.

وقال محمد بودن الأكاديمي والمحلل السياسي، لـ”.أخبارنا الجالية “، أن الخطاب الملكي بحجم المرحلة حيث واكب دقتها وقدم رؤية لمواجهتها وتجنب المزيد من تحدياتها، إذ جاء باضاءات مطمئنة في لحظة تمور بالتقلبات حيث قدم رؤية مؤسساتية جديدة تتعلق بإحداث صندوق الاستثمار الاستراتيجي ووكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات.

وهذه الرؤية الملكية، حسب محمد بودن، تنطلق من نتيجة تراكمية توصل اليها الملك محمد السادس بشأن فاعلية تعدد صناديق التمويل وضعف الدور الاجتماعي لبعض المؤسسات.

ويعتبر إحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية، من الاجراءات التي دعا الملك محمد السادس إلى تنفيذها، مشيرا إلى إن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات التي نقوم بها، هو النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.

وكعادته في وضعه الأمور في نصابها أكد الملك إلى أن هذه الأزمة كشفت عن مجموعة من النواقص، خاصة في المجال الاجتماعي، ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية.

وفي هذا السياق، قدّم الملك محمد السادس من أجل جعل هذه المرحلة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، وبناء مقومات اقتصاد قوي وتنافسي، ونموذج اجتماعي أكثر إدماجا، كما اعتبر أنه حان الوقت قد حان، لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة.

ودعا الملك في خطاب العرش، مساء الأربعاء، إلى الشروع في ذلك تدريجيا، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.

ويتطلب هذا المشروع، بحسب الملك، إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد.

وعلق محمد بودن، قائلا ان مستويات الرؤية الملكية في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي هدفها بناء اقتصاد تنافسي ومواطن يتمتع بالامان والضمان الذي يحميه من الوقوع في المخاطر الصحية والاجتماعية، وهذا يندرج كذلك في إطار منح الدولة الحديثة دورا اجتماعيا اكبر وهي مقاربة حيوية ستجنب الدولة مأزق الحمل الاجتماعي الثقيل الذي يشوش على المنجزات في اصعدة أخرى.

ولبلوغ هذا الهدف، يؤكد الملك محمد السادس، يجب اعتماد حكامة جيدة، تقوم على الحوار الاجتماعي البناء، ومبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: