الملك محمد السادس يحاصر شبهة فساد في قطاع المحروقات

دخل العاهل المغربي الملك محمد السادس على خط الجدل الدائر حول مخرجات عمل لجنة تم إنشاؤها العام الماضي بهدف كشف حقيقة وجود تواطؤ بين موزعي النفط وتجمع النفطيين حيث أعلن العاهل المغربي عن بعث لجنة دستورية جديدة للتحقيق في الغرض بغية مكافحة الفساد أولا ومنع أي إساءة لصورة المغرب لدى المستثمرين الأجانب ثانيا.

عين العاهل المغربي محمد السادس لجنة دستورية تضم موظفين سامين للنظر في احتمال وجود تواطؤ بين موزعي المحروقات وتجمع النفطيين لاسيما في ما يتعلق بالأسعار المطبقة.

وأشار بلاغ الديوان العاهلي الثلاثاء إلى أن العاهل المغربي تلقى ورقة صادرة عن العديد من أعضاء مجلس المنافسة (مؤسسة دستورية) يبرزون من خلالها أن إدارة هذا الملف اتسمت بتجاوزات من طرف الرئيس مسّت جودة ما طاول  نزاهة القرار الذي اتخذه.

وسجل أعضاء مجلس المنافسة تظلماتهم متمثلة في الضرر الذي لحق بالتحقيق المتعلق بالقضية ومصداقية المجلس، واللجوء الإجباري إلى التصويت قبل إغلاق باب المناقشة، والتفسير المبتور وانتهاك المادة 39 من القانون المتعلقة بحرية الأسعار والمنافسة.

وأكد المحامي والمحلل السياسي نوفل البعمري في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”  أننا عمليا أمام تفعيل المادة الـ42 من الدستور التي تنص بشكل صريح على الوظيفة التحكيمية للملك، فيما يرتبط بسير مؤسسة من المؤسسات الدستورية مصنفة ضمن هيآت الحكامة خاصة وأن الأمر يتعلق هنا بتضارب التقارير المرفوعة إلى العاهل الذي توصل بتقرير من طرف رئيس مجلس المنافسة وبتقرير مواز لأعضاء المجلس.

ويشير المحلل إلى أن ’’البلاغ يُظهر حرص المؤسسة العاهلية على إعلاء لغة القانون وترسيخ وضعية المؤسسات الدستورية للتعامل مع قضايا الفساد والتعاطي مع كل ما ينتج عنها من تداخل وتشابك وتهديد للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وأيضا باعتبار المؤسسة العاهلية كمرجعية دستورية في مجال التحكيم بين المؤسسات والفصل في الملفات الحساسة كقطاع المحروقات‘‘.

نوفل البعمري: اللجوء إلى الملك بشأن المحروقات فرضه تداخل اللوبيات

وكان من المرتقب أن يعلن مجلس المنافسة المغربي خلال الأيام المقبلة، فرض غرامات على شركات المحروقات المخالفة لقواعد المنافسة، قد تُودي بنحو 9 في المئة من رقم معاملاتها.

وأكد نوفل البعمري أن ’’اللجوء إلى المؤسسة العاهلية في موضوع المحروقات فرضه تداخل لوبيات مالية قوية بلوبيات سياسية واقتصادية أدت إلى تفجير ملف المحروقات، لذلك كان اللجوء إلى العاهل في هذا الملف حاسما خصوصا مع تضارب التقارير المرفوعة إليه وإلى مؤسسات الدولة وضمانة قوية لإخراج تقرير اللجنة بخلاصات تخدم الاقتصاد الوطني والمواطن المغربي‘‘.

ورصد أعضاء مجلس المنافسة حسب البلاغ العاهلي، ما أسموه بغُموض الإجراء الخاص بالتحقيق، والذي تميز بتقاسم انتقائي للوثائق، وعدم تلبية مطالب الأعضاء الرامية إلى إجراء بحث متوازن للمعطيات المقدمة من طرف الشركات، إضافة إلى ما اعتبروه سلوك الرئيس الذي يوحي بأنه يتصرف بناء على تعليمات أو وفق أجندة شخصية.

وتعليقا على هذه الفقرة يقول نوفل البعمري إنها ’’تؤكد على أن استقلالية مجالس هيآت الحكامة قرار دستوري لا يمكن الخروج عنه، كما أنه تأكيد على رفض أي محاولات لتحريف عمل تلك المؤسسات عن دورها المنوط بها خاصة عندما يتعلق بمؤسسة كمجلس المنافسة وبملف المحروقات‘‘.

بناء على ذلك، ونظرا لأهمية هذا الملف دستوريا وسياسيا قرّر العاهل المغربي أن تتكون اللجنة من لحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، وحكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، واسعيد إهراي، رئيس المحكمة الدستورية، وإدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، وعبداللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، ومحمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فيما سيضطلع محمد حجوي، الأمين العام للحكومة، بمهمة التنسيق.

ويرى مراقبون أن هندسة اللجنة وتكليفها بإنجاز تقرير في أقرب الآجال، يعتبر قرارا من العيار الدستوري والسياسي الثقيل وتأكيدا على علوية القانون وترسيخا لروح ومبادئ الدستور. ويرى خبراء في الاقتصاد السياسي أن تكليف رؤساء مؤسسات دستورية تمثيلية وتحكيمية وقضائية وتكليف الأمانة العامة للحكومة بمهمة إنجاز التقرير يعكسان تعقيدات الملف وتداعيات الصراع بين اللوبيات التي امتدت إلى أعضاء مجلس المنافسة الذين أغرقوا المجلس في مناقشات ماراثونية لا تنتهي إلا بما تلهث وراءه اللوبيات ضدا على قانون المنافسة.

وأكد نوفل البعمري أن ’’الثقة العاهلية ليست شيكا على بياض لاستغلالها في غير موضعها الدستوري أو خارج المهام المنوطة بمن يتم تعيينه، بل هي ثقة مشروطة باحترام اختصاصات المجالس وبتدبير ملفاتها بتجرد واستقلالية وروح وطنية‘‘.

العاهل المغربي تلقى ورقة صادرة عن العديد من أعضاء مجلس المنافسة (مؤسسة دستورية) يبرزون من خلالها أن إدارة هذا الملف اتسمت بتجاوزات من طرف الرئيس

وبدأ مجلس المنافسة تحقيقا أواخر العام الماضي حول ممارسات تخرق قواعد المنافسة من أبرزها المبيعات الشهرية المحققة من طرف الشركات المتنافسة وتوزيعها حسب المنتجات من أجل استخدامها في أغراض تجارية، مما أتاح وضع نظام مراقبة متبادل بين الفاعلين المعنيين، حيث يعرف كل منهم وبشكل منتظم ووثيق المبيعات التي حققها باقي المنافسين، وهو ما مكنها من رصد كل محاولة للانحراف عن الطابع شبه الاحتكاري في السوق.

ولاحظ المجلس أيضا قيام بعض الفاعلين بنشر بيانات صحافية تفيد بشكل علني تخفيض الأسعار على مستوى محطات التوزيع، وهي البيانات التي لم تكن في الواقع موجهة للرأي العام والمستهلكين، بل كانت عبارة عن “كود سري” ترسله الشركة المعنية لباقي المنافسين من أجل توجيه السوق، حيث خلص المجلس إلى أن هدف هذه البيانات كان تحديدا غير مباشر لأسعار البيع، وهو ما اعتبره المجلس من بين الممارسات المنافية للمنافسة.

ويقول خبراء في الاقتصاد السياسي إن تشكيل لجنة خاصة للتحري والتحقيق كان ضروريا لتوضيح وضعية هذا القطاع الذي يتهرب من سلطة الدستور والقانون والمؤسسة الدستورية المنوط بها السهر والإشراف على تطبيق القانون في مجال استيراد وتوزيع المحروقات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: