الرئيس الجزائري يعول على المجتمع المدني في مساره السياسي
يتوجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، لتغيير نمط وشكل الحزام السياسي الذي يستند إليه في الاستحقاقات المقبلة، بعد التعبير عن عدم حاجته لتأسيس حزب سياسي يسانده في المحطات الكبرى، وإبدائه رغبة في الاعتماد على نسيج مدني بدأت معالمه تتجلى في تعيين مستشار رئاسي يتكفل بملف المجتمع المدني.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية عن تعيين الإعلامي والنائب البرلماني عن جبهة المستقبل نزيه برمضان، مستشارا لدى رئاسة الجمهورية، مكلفا بالحركة الجمعوية، وهي خطوة تترجم اهتمام هرم السلطة بالنسيج المدني كوعاء شعبي وسياسي في المحطات القادمة، لاسيما بعدما عبر الرئيس عبدالمجيد تبون، في تصريح لوسائل إعلام محلية، عن عدم حاجته لتأسيس حزب سياسي يدعمه.
وذكر تبون، بأنه لا يفكر في تكوين أو إطلاق حزب سياسي، تفاديا لتجارب ماضية، لما تحوّل الائتلاف الحزبي المؤيد إلى أدوات فساد وتلاعب بمقدرات وسمعة البلاد، في إشارة إلى الرباعي (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، الجبهة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر)، فضلا عن أحزاب مجهرية أخرى، زج بقادتها ومسؤوليها في السجون بسبب تهم الفساد التي تلاحقهم.
مصداقية خطاب السلطة الجديدة في الجزائر، يسير على مسلك حاد، قياسا بالتناقض المسجل في الممارسات الميدانية، فالسلطة المضادة التي يجري الحديث عنها، تمارس عليها ضغوطات رهيبة
وقال الرئيس الجزائري “أنا رئيس انتخبني الشعب، وسأكون رئيسا لكل الجزائريين وانتمائي الآن لجميع الأحزاب الجزائرية، ولتفادي تجارب ماضية، نتوجه إلى الاعتماد ودعم المجتمع المدني ليكون شريكا ومساعدا على نقل البلاد إلى المرحلة الجديدة المنشودة”.
وفور تنصيبه، كشف المستشار الجديد برمضان لوسائل الإعلام، عن ترخيص المصالح المختصة لأكثر من 2600 جمعية في ظرف شهر واحد، في إطار التدابير المتخذة من طرف رئاسة الجمهورية لتشجيع المجتمع المدني، لاسيما بعد تخفيف الإجراءات الإدارية وحصرها في مدة وجيزة (10 أيام) ووثائق بسيطة للأعضاء المؤسسين للجمعية.
وكثفت الجهات المحلية (المحافظات والدوائر والبلديات)، من عملية استقطاب الناشطين في مختلف المجالات من أجل إطلاق جمعيات تؤطرهم، وتساعدهم على الانخراط في الشأن العام، مما يمهد لميلاد نسيج مدني يخلف الطبقة السياسية في مرافقة السلطة في عملية المرور بالبلاد من النمط البوتفليقي إلى النمط الجديد.
وذكر تقرير لوكالة الأنباء الرسمية، بأن “المجتمع المدني مدعو إلى الاضطلاع بدور أساسي وحاسم في مشروع تشييد الجزائر الجديدة التي دعا إليها رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، منذ اعتلائه سدة الحكم، أين ركز مرارا على هذا الدور الهام المنوط بالمجتمع المدني، وما فتئ يذكر بمناسبة خرجاته الإعلامية بأنه كان مترشح المجتمع المدني”.
ورغم أن الخطوة تنطوي على مخاطر فتح الباب أمام الفئات “الطفيلية والمتسلقة”، التي ساهمت في المرحلة السابقة في “تعفين” الوضع السياسي والاجتماعي، ووسعت الهوة بين السلطة والشارع، إلا أن خلفيات الاعتماد على الوجه الآخر للمستفيدين من ريع السلطة يبقى محل استفهام من طرف متابعين للشأن الجزائري المحلي.
وأثار البعض التضارب في مواقف السلطة وسياسة الكيل بمكيالين، ففيما يتم تشديد القبضة السياسية والأمنية على المشهد الداخلي منذ تعليق احتجاجات الحراك الشعبي، حيث لا زالت العديد من الأحزاب السياسية تنتظر لسنوات الحصول على ترخيص وزارة الداخلية، في حين منعت قوى البديل الديمقراطي المعارض في أكثر من مرة من تنظيم أنشطة سياسية، وزج بأعضاء قياديين بجمعية “راج” في السجن، بينما يتم الترويج لخطاب المجتمع المدني.
وأضاف تقرير الوكالة الرسمية، بأن “رئيس الجمهورية أكد على الإرادة السياسية القوية لقيادة البلاد من أجل تحقيق التغيير، ودعا إلى دعم وانضمام المواطنين من أجل تحقيق المسعى، وعليه بات من الضروري أن يستعيد المجتمع المدني تحكمه في زمام الأمور قصد إضفاء حركية على المجتمع، وهو ما يتم ترجمته في فتح المجال لإنشاء عدد كبير من الجمعيات المدنية التي تعمل من أجل الصالح العام وستستفيد من مساعدات الدولة”.
وظلت “مساعدات الدولة”، كلمة السر في ترويض الفاعلين والناشطين الاجتماعيين طيلة العشريات الماضية، حيث يتم توظيفها في كسب الولاء والترويج لأجندات السلطة، أو تكميم الجمعيات التي اختارت التغريد خارج السرب، أو الحفاظ على طابعها المستقل، مما يوحي إلى أن السلطة التي تريد تغيير حزامها بالمجتمع المدني بدل الأحزاب السياسية لا زالت تحتفظ بنفس الأساليب التي تستخدمها في كسب الولاء وشراء السلم الاجتماعي.
تبون لا يفكر في تكوين أو إطلاق حزب سياسي، تفاديا لتجارب ماضية، لما تحوّل الائتلاف الحزبي المؤيد إلى أدوات فساد وتلاعب بمقدرات وسمعة البلاد
وكان الرئيس تبون، قد أدرج المسألة ضمن التعهدات الـ45 التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، بتركيزه على دعوة مختلف الفئات الاجتماعية إلى “التأطير والتنظم في مجتمع مدني حر وناشط، كفيل بتحمل مسؤولياته كسلطة مضادة وأداة الدعوى العمومية في خدمة المواطن والأمة، في إطار تنفيذ خارطة طريق خاصة بالشباب، بغية تحضيره لتحمل مسؤولياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المستقبل”.
ولكن مصداقية خطاب السلطة الجديدة في الجزائر، يسير على مسلك حاد، قياسا بالتناقض المسجل في الممارسات الميدانية، فالسلطة المضادة التي يجري الحديث عنها، تمارس عليها ضغوطات رهيبة والكثير من التضييق غير المسبوق، خاصة بالنسبة للحريات السياسية والإعلامية، حيث يقبع عدد من الصحافيين والمدونين وراء القضبان لأعمال صحافية أو منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي.