توقعات باحتدام المواجهة بين السلطة والحراك في الجزائر بعد الجائحة
أعادت مجموعة الأزمات الدولية علاقة السلطة الجزائرية بالحراك الشعبي إلى الواجهة مجددا، عبر الدعوة إلى تنظيم حوار بين الطرفين، لكنها حصرته في بلورة توافق حول مخارج مرضية للأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد، لاسيما مع اجتياح وباء كورونا، وتجاهلت بذلك الأزمة السياسية التي لا تزال قائمة.
وألمحت المجموعة إلى أن البلد الذي يعاني من تقلبات سوق النفط، يسير نحو أزمة اقتصادية حادة ومعرض لاضطرابات اجتماعية خطيرة، خاصة في ظل الأضرار التي ألحقتها الجائحة بالنسيج الاقتصادي الهش.
ويبدو أن المنظمة التي ركزت على البعد الاقتصادي في علاقة السلطة بالحراك الشعبي، وأدرجت الاحتجاجات الاجتماعية والفئوية في ذلك السياق، قد دحرجت الأسباب السياسية للأزمة إلى الخلف، ومع ذلك استوجبت تحقيق انفتاح سياسي جاد، فضلا عن إطلاق سراح السجناء وإنهاء الرقابة على الإعلام وتوقيف الاعتقالات العشوائية، لتفادي تطورات غير مرغوبة في المستقبل.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد أبدى تفاؤلا بشأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلاده، وأكد في تصريحات إعلامية على أن “الجزائر لن تذهب إلى الاستدانة الخارجية، وأن رصيد النقد الأجنبي (60 مليار دولار)، ومشروع الإنعاش الاقتصادي والمداخيل الحالية للنفط كفيلة بالإبقاء على التوازنات الرئيسية للبلاد”.
ويبدو أن تقرير مجموعة الأزمات الدولية، بُنيَ على مجموعة مؤشرات اقتصادية ومالية للبلاد، على غرار تقلص المداخيل، وتقلب سوق النفط، وتوقعات الانكماش إلى نحو سلبي يقدر بستة في المئة، فضلا عن التضخم والبطالة والشلل الذي أصاب القطاع الخاص.
وربط التقرير الاستقرار المنشود، بليونة مطلوبة في علاقة السلطة بالحراك الشعبي، لاسيما وأن البلاد مجبرة في المستقبل للجوء إلى الإستدانة من المؤسسات المالية العالمية، والذهاب إلى إجراءات داخلية أكثر تقشفا، مما يحتم عليها فتح باب حوار اقتصادي مع الحراك الشعبي، واستغلال ظروف التضامن الوطني لإرساء قواعد توافق شامل بغية مواجهة التحديات المنتظرة.
ولفت إلى خطورة القطيعة بين الطرفين التي ستخلق تيارات متطرفة قد تجر البلاد إلى اضطرابات وصدامات، وهو الأمر الذي حذر منه معارضون سياسيون وشخصيات مستقلة في ما يعرف بـ”مجموعة العشرين” التي شددت على ضرورة تهدئة المشهد الداخلي قبل الذهاب إلى أي حوار سياسي.
معارضون وشخصيات مستقلة يشددون على ضرورة تهدئة المشهد الداخلي قبل الذهاب إلى أي حوار سياسي
وبالتوازي مع العفو والإفراج اللذين أقرهما الرئيس تبون في حق عدد من قياديي ونشطاء الحراك الشعبي، على غرار كريم طابو، سمير بلعربي وأميرة بورايو، لا زالت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي (مستقلة) تحصي نحو 60 موقوفا ومسجونا رغم خطاب التهدئة وتخفيف القبضة الأمنية.
وأصدر قضاء برج بوعريريج (شرقي العاصمة) مؤخرا، حكما بـ18 شهرا نافذة وغرامة مالية على الناشط إبراهيم لعلامي على خلفية تهمتي إهانة هيئة نظامية وإهانة موظف، وهي العقوبة التي وصفتها التنسيقية المذكورة بـ”الثقيلة والقاسية”.
وعلق نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي بالقول “توقعنا الإفراج عنه.. هذا أمر غير مفهوم ولا يسير في اتجاه التهدئة وبداية الحل السياسي.. هذا مقلق”.
وتعد هذه العقوبة الثانية في حق الناشط إبراهيم لعلامي، بعدما قضى عقوبة أولى بستة أشهر سجنا نافذة بتهمة التحريض على التجمع غير المسلح، عندما دعا إلى التظاهر عدة مرات.
وأفاد تقرير مجموعة الأزمات الدولية “تفاقم التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن أزمة كورونا، وإجراءات الحجر الصحي التي اتخذتها السلطات الجزائرية، بدفع حركة الاحتجاجات الشعبية (الحراك) نحو التطرف، ولتحاشي وقوع مثل هذا السيناريو، ينبغي على سلطات الدولة الجزائرية الاستفادة من حالة التضامن الوطني التي أحدثتها الجائحة لاستخدام لمسة أخف في تعاملها مع الحراك ودعم بعض المبادرات التي يقودها المواطنون”.
وأضاف التقرير “إذا كان الحوار السياسي غير واقعي على المدى القصير، فإن الحكومة والجهات المشاركة في الحراك ينبغي على الأقل أن تنخرط في حوار اقتصادي وطني لإيجاد السبيل لتنفيذ التغييرات البنيوية اللازمة لتفادي وقوع أزمة اقتصادية حادة، كما ينبغي على المنظمات المالية الدولية والدول الصديقة أن تكون مستعدة لتقديم الدعم المالي للبلاد، خصوصاً للإصلاحات الاقتصادية، لكن دون فرض شروط مفرطة في الصرامة”.
وتوقعت المجموعة لجوء الحراك إلى “مواقف أكثر عدوانية وتطرفا عند رفع قيود الحجر الصحي في سائر أنحاء البلاد”، ولم يستبعد “اشتعال صراعات مع الحكومة بالنظر إلى ملاءمة الظروف حينها لاستئناف المظاهرات التي كانت تخرج كل أسبوع، وأيضا لإعلان الاضرابات وانتشار حالات العصيان المدني، وحينها فإن المواجهة بين الطرفين ستكون أكثر عدوانية”.
وحذر التقرير من إمكانية “تفريق الحراك لأن ذلك يترك خلفه فراغاً، في غياب إجراءات تعالج المظالم التي عبر عنها، ويمكن لهذا أن يدفع مجموعات صغيرة إلى اتخاذ مقاربة متشددة على نحو متزايد وإجراءات أكثر تطرفا في المستقبل غير البعيد”.