المرأة المغربية فاعل اقتصادي مهمش
على الرغم من تكريس المرأة المغربية لكل طاقاتها ونجاحها في تحقيق عدة مكتسبات، ما زالت تعمل جاهدة من أجل ضمان المشاركة في النهوض بالتنمية في بلادها. وقد صادقت الحكومة، مؤخرا، على برنامج يهدف إلى توفير بيئة ملائمة لتمكين المرأة اقتصاديّا، وهو ما سيساعد المغربيات على تجاوز كل عقبات ولوجهن سوق العمل، وسيخفض من نسب البطالة في صفوفهن.
حققت المرأة في المغرب خلال السنوات الأخيرة مكتسبات مهمة في عدد من القطاعات، غير أنها مازالت بحاجة إلى دفعة رسمية قوية وجهود موجهة تركز على عوامل مختلفة لدعم تمكينها الاقتصادي، وتعزيز قدرتها على القرار والفعل المجتمعي.
وقد عرف السياق الدولي حملة واسعة للنهوض بوضعية المرأة، وشجعت الإرادة الملكية في المغرب والسياسات الحكومية على نهج إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية تخوّل للمرأة المغربية ولوج ميادين متنوعة كانت حكرا على الرجل.
وحتى يتسنى للمرأة المساهمة بفعالية في تنمية البلاد تعمل الحكومة المغربية على تجاوز هذا الواقع برفع نسبة تواجد النساء في سوق الشغل بحوالي الثلث خلال العقد المقبل، حيث تعتزم رفع هذه النسبة إلى 30 في المئة بحلول سنة 2030.
وفي هذا الإطار صادقت اللجنة الوزارية للمساواة داخل البرلمان، بتاريخ 14 يوليو الجاري، برئاسة رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، على “البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في أفق 2030″، الذي يروم تحقيق ثلاثة محاور استراتيجية ذات أولويات رئيسية تتمثل في الولوج إلى الفرص الاقتصادية، والتربية والتكوين بمضاعفة نسبة خريجات التكوين المهني لتصل إلى 8 في المئة، وتوفير بيئة ملائمة للتمكين الاقتصادي للنساء.
تمكين النساء اقتصاديّا
يؤكد خبراء الاقتصاد التضامني أن التمكين الاقتصادي للمرأة يتطلب العناية بالسياسة العامة المتعلقة بالعدالة والرعاية الاجتماعية وهيكلة الاقتصاد بما يفسح المجال للمرأة لتحقيق طموحاتها وخلق فرص شغل وكذلك إصلاح التعليم والتكوين بما يلائم التغييرات التي تطرأ على المجتمع، والرعاية الاجتماعية للمطلقات والأرامل، والنهوض بوضعية البوادي والقرى، ومحاربة الفقر والجهل والتهميش.
وقال العثماني إن هذا البرنامج “سيعزّز فرص الولوج المتساوي للعمل اللائق، وفرص الولوج والارتقاء المهني، من خلال التربية والتكوين وتأهيل البيئة الملائمة الآمنة والمستدامة للتمكين الاقتصادي للنساء”.
كما أفادت جميلة المصلي، وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، أنها وضعت محور التمكين الاقتصادي للنساء ضمن قائمة أولوياتها والتزاماتها المندرجة في الخطة الحكومية للمساواة “إكرام 2”. وهي بذلك تحرص على تفعيل مضامين البرنامج الحكومي (2017 – 2021) الذي أكد على تقوية الإدماج الاقتصادي للمرأة والتمكين لها في الحقل التنموي.
وذكرت المصلي بالتزامات المغرب على المستوى الدولي نحو تكريس المساواة وتقليص الفجوة بين الجنسين، والمتمثلة في الانخراط في أجندة التنمية المستدامة في أفق 2030 التي تكرس أهمية مقاربة النوع الاجتماعي، والانخراط في تنفيذ خطة عمل بكين التي تجعل من التمكين الاقتصادي للنساء أحد أهدافها الأولية الـ12؛ والانضمام إلى أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 التي تؤكد على اعتماد أفريقيا على طاقات شعوبها، لاسيما النساء والشباب.
وثمّن محمد البقالي، كاتب عام المعهد المتوسطي الديمقراطي للتنمية والتكوين، في حديثه ”، البرنامج المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في أفق 2030، الذي يهدف إلى تطوير الشركات مع مختلف الفاعلين من أجل تمكين النساء من الوسائل الضرورية على مستوى امتلاك وسائل الإنتاج والموارد والتأطير والتكوين وتنمية القدرات المهنية وخلق شبكات لتطوير الأنشطة المدرة للدخل.
وقد تمت المطالبة بتفعيل برنامج النهوض بمأسسة الإنصاف ومساواة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية.
واعتبرت خديجة الرباح، عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أن الاستراتيجية الحكومية المتعلقة بالتمكين الاقتصادي للنساء لا يمكن أن تنجح ما لم يُجْر أولا تقييم للاستراتيجية الوطنية للتشغيل (2015-2030) لتشخيص العوائق التي تحُول دون ولوج المرأة إلى سوق الشغل وتذليلها، واصفة الظروف التي تشتغل فيها النساء حاليا بـ”الكارثية”.
تمكين النساء اقتصاديا غير مرتبط فقط بالتشغيل بل التحرر من العجز والتبعية الاقتصادية؛ يتحقق في أجرة كريمة باعتبارها عاملة في مجال معين وتمتيعها بظروف الاستقرار المادي والنفسي، كما أنه رهين بحجم الفرص الاقتصادية المتاحة وفي ارتباط بمستوى التكوين والتعليم والتدريب الذي نالته المرأة، وعليه يجب توفير الموارد المالية والبنية التحتية الأساسية للحد من عطالة النساء، وذلك بتوسيع الفرص الاقتصادية بهدف القضاء على تأنيث الفقر وتفعيل مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية.
وإذا كان الشأن الاجتماعي المرتبط بمتطلبات المرأة من حيث الاستثمار يعزز موقع الدولة ويخفف من الضغوط والاحتقانات على جميع المستويات، فإن المهتمين يرون بأن عدم التمكين الاقتصادي للنساء ستكون كلفته ثقيلة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لهذا تتضافر جهود الدولة والمنظمات النسائية بغض النظر عن التوجهات والمرجعيات والمصالح الخاصة من أجل تعبئة متعددة الأوجه والمجالات لتعزيز مسار التمكين للنساء المغربيات.
أما في ما يخص الجانب المتعلق بالولوج إلى الفرص الاقتصادية فإن برنامج الحكومة، تحدث عن ضرورة توفير المزيد من فرص العمل اللائق والقضاء على العمل غير المهيكل، وتعزيز مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية، عن طريق الولوج إلى العمل، وتخفيف عبء المسؤوليات العائلية، وإبراز النماذج النسائية الواعدة، وتيسير إقلاع الشركات وتحويل فرص العمل الحر لسيدات أعمال، وتيسير ولوج النساء إلى وسائل الإنتاج (ملكية الأراضي والمعدات والتمويل..)، وأيضا تعزيز الاقتصاد الاجتماعي التضامني كرافد عملي يقي من الهشاشة والإقصاء، من خلال دعم الجمعيات والتعاونيات خاصة، وتشجيع إنشاء سلاسل الأنشطة المنتجة للقيمة الربحية.
ونظرا لارتباط ضعف ولوج المرأة إلى سوق الشغل بالمستوى الدراسي، فستعمل الحكومة على تنفيذ تدابير صارمة لمكافحة الهدر المدرسي، خاصة في صفوف الفتيات بالمناطق الريفية، وإقرار إلزامية التعليم والحد من الأمية وزيادة عدد الخريجات من التدريب المهني وتوعية المجتمع صغارا وكبارا بالدور الاقتصادي المحوري للنساء على جميع المستويات.
الحق في العمل
هناك من يؤكد أن على الفاعل السياسي امتلاك إرادة حقيقية مصحوبة بأفعال ملموسة قابلة للقياس من أجل التمكين للنساء، انطلاقا من المؤسسات الحزبية والهيئات النقابية وكل مؤسسات المجتمع المدني، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولياتها في الوفاء بالتزاماتها.
وترى البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي فتيحة سداس أن المغرب خطا خطوات مهمة في تعزيز حقوق النساء على جميع المستويات، ولكن النصوص المؤطرة لا تزال تحتاج إلى جهد تشريعي كبير ولنَفَس ديمقراطي في تنزيل بنود الدستور المتعلقة بالمناصفة وتمكين النساء.
وكشفت سداس “أخاف على المكتسبات التي حققناها كحركة نسائية مغربية لأننا توقفنا عن تناول النقاط الهامة في مجال الحقوق الأساسية للنساء للعيش بكرامة وفي إطار تكافؤ الفرص، وأصبح يطغى على الجانب النسائي الجانب الإحساني، لهذا قلت إن تنزيل الدستور يحتاج إلى نفس ديمقراطي”.
وقالت إن التقدم في حقوق المرأة يكمن في “تعزيز حقوقها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، واليوم عندما نتحدث عما تم القيام به لصالح حقوق النساء، يتكلمون عن دعم الأرامل، ولا يتم التحدث عن عدم تطبيق مدونة الشغل بشأن التساوي في الأجر، عندما نتحدث عن تكافؤ الفرص في تحمل المسؤولية نتغنى جميعا بمعدل 5 و10 في المئة، أو على الأكثر 20 في المئة في حين أن الدستور كان واضحا في الفصل 19 للوصول إلى المناصفة”.
وبحسب إحصائيات رسمية انخفضت نسبة النساء النشيطات من 1.28 في المئة في سنة 2000 إلى 1.25 في المئة سنة 2013، كما جاء في تقرير حول النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واصفا هذا المنحنى بأنه “مثير للقلق”.
وبخصوص الوضعية الحالية للنساء في سوق العمل، تشير عضو الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء، يسرى البراد، إلى أنه يمكن التمييز بين فئتين، النساء اللواتي حصلن على درجات تعليم عليا، مكنتهن من الدخول إلى سوق الشغل، ونساء يعانين من الأمية والهشاشة التي تحتم عليهن البقاء في نفس الوضعية رغم ولوجهن سوق الشغل، حيث يشتغلن في ظروف صعبة، لا تحترم قانون الشغل ومجموعة من الظروف الأساسية للعمل الكريم، في وحدات صناعية أو في القطاع غير المهيكل، ويبقين في وضعية التفقير، أي الغرق في الفقر.
ولا يؤثّر غياب التمكين الاقتصادي للنساء فقط على وضعيتهن الاقتصادية والاجتماعية الفردية، بل يؤثر على نسبة كبيرة من الأسر، وتؤكد ذلك المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط التي تفيد بأن نسبة الفقر في صفوف الأسر التي ترأسها نساء تبلغ 12.5 في المئة، في حين تصل نسبة البطالة في صفوف النساء إلى 53 في المئة.
ولخّص البقالي العوامل التي تمنع النساء من الولوج إلى سوق الشغل في عدة نقاط من بينها: مسألة التمييز في النوع بين المرأة والرجل وسيادة المجتمع الذكوري، إضافة إلى التمييز في وصولها إلى المناصب العليا، إلى جانب الهدر المدرسي وخصوصا في المناطق الريفية، حيث يظل مرتفعا في صفوف الفتيات بسبب عادات مجتمعية تؤكد على أن الفتيات مصيرهن الزواج وتربية الأبناء وليس العمل.
أما العوامل النفسية المثبطة لمشاركة المرأة في سوق الشغل فتتمثل في الصورة النمطية الراسخة في الأذهان حول عدم قدرة النساء على المغامرة في خلق مشاريع اقتصادية مدرة للدخل والتعامل مع المصاريف والقروض بفوائد مرتفعة خوفا من الفشل، وفق البقالي. وأكد البقالي أن مجال التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية من المداخل الأساسية لإرساء المساواة بين الرجال والنساء، وهو محدد أساسي لتكريس دولة القانون، وكذلك لتأهيل النساء والحد من هشاشة أوضاعهن وإدماجهن في الدورة الاقتصادية، من خلال توفير فرص الولوج المتساوي للعمل وتوفير الارتقاء المهني لها.
وبدورها، شددت سميرة الدليمي، أستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط وعضو مؤسس للمركز الجامعي لثقافة الأعمال، على أهمية المقاربة الاقتصادية لتمكين المرأة المغربية وتحسين وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية لما لذلك من أثر إيجابي على مستوى عيش الأسرة، وعلى حجم الاستثمار الموجّه للأطفال في مجالات الصحة والتعليم والتربية، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، والنهوض الاجتماعي للبلاد بشكل عام.
التعاونيات النسائية
يعرف المجتمع المغربي تحولا عميقا يظهر في انخراط النساء بالأعمال الاقتصادية والمشاريع المدرة للدخل، وخاصة في التعاونيات التي تشكل رافعة أساسية للتمكين الاقتصادي للنساء، وفي هذا الصدد تشير البيانات الرسمية إلى أن 29 في المئة من أعضاء التعاونيات بالمغرب نساء، وقرابة 14 في المئة من مجموع التعاونيات تسيّرها نساء.
ولفت البقالي إلى ضرورة توفير ضمانات لتيسير إقلاع ونجاح الشركات النسائية والارتقاء أيضا بالوضعية الاقتصادية للمرأة بالعالم القروي لتمكينها من الوسائل والموارد بما فيها ملكية الأراضي والاستغلاليات.
ويبدو تنامي الوعي حول أهمية مشاركة المرأة الاقتصادية بالقرى المغربية، جليا حيث توجد قرويات لم ينلن حظهن من التعليم ومع ذلك تحدين الظروف الاجتماعية، وأسسن مشاريع ذات مردودية اقتصادية جيدة بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مما ساعدهن على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية والرضا الذاتي.
وتقول نادية فتاح العلوي، وزيرة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، إن مجال التمكين الاقتصادي للنساء، يُعدّ مدخلا أساسيا لإرساء المساواة بين الرجال والنساء ويحظى بأهمية بالغة لتمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، مشيرة إلى دور التعاونيات النسائية كمقاولات اجتماعية مستقلة تساهم بصفة مباشرة في التمكين الاقتصادي للنساء في مختلف البرامج القطاعية عبر تشجيع إحداث التعاونيات النسائية. وأكّدت العلوي أن التعاونيات النسائية في المدن والبوادي عرفت تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة بما مجموعه 4524 تعاونية و35025 منخرطة أي بنسبة 6.16 في المئة من مجموع التعاونيات ببلادنا والذي يبلغ 27262 تعاونية، مضيفة أنه تم إحداث 3360 تعاونية نسائية خلال الأربع سنوات الأخيرة أي منذ صدور القانون 11212 بمعدل 840 تعاونية في السنة.
وتابعت أن الظرفية الحالية والدينامية الجديدة التي يعرفها المغرب هي جد مناسبة لتشجيع التعاونيات النسائية وتحقيق التمكين الاقتصادي، خاصة بعد إطلاق المبادرة الملكية الأخيرة المتعلقة بالبرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات بشروط جد ميسرة وأكثر تحفيزا، لافتة إلى إمكانية أن تستفيد منها كذلك المرأة المنتجة سواء على شكل مقاولة ذاتية أو شركة صغيرة أو ناشئة أو في إطار تعاونيات.
وأطلقت وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، بهدف المساهمة في البرنامج الوطني للتمكين الاقتصادي للنساء عبر تشجيع وتطوير التعاونيات النسائية، مبادرة تنظيم تظاهرة “الجائزة الوطنية لأحسن فكرة تطوير مشروع تعاوني نسوي” تحت اسم “لالة المتعاونة” بمشاركة فعلية للقطاع الخاص، وذلك تحت شعار “التعاونيات رافعة للتمكين الاقتصادي للنساء”.
ويشير خبراء التنمية إلى أن نساء البوادي المتمتعات بالتمكين الاقتصادي هن مفتاح نجاح الأسر والمجتمعات والاقتصادات الوطنية، من خلال عملهن، فإنهن يحافظن على تعليم أطفالهن والصحة الأسرية والأمن الغذائي والتغذية ويحسنونها وبالتالي لا غنى عنهن في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والجهود المتعمدة لتحسين التمكين الاقتصادي لسبل العيش المستدامة هي أيضا حاسمة لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وتتحدث الحكومة عن عزمها تهيئة بيئة مواتية لظهور حلول رقمية لفائدة المرأة، خاصة في المناطق الريفية، والاستثمار المباشر في الحلول الرقمية أو من خلال تحسينات تطال القوة الشرائية والتجهيزات، خاصة تلك المتعلقة بإنشاء بنية أساسية أو آليات إدارية لتسهيل وصول المرأة إلى الفرص الاقتصادية، عبر القيام بأعمال توعوية لفائدة الرأي العام (بما في ذلك النساء)، لتغيير العقليات والصور النمطية.