حمى بريكست تصل إلى إيطاليا بعد بريطانيا

يسعى الشعبويون إلى استثمار تأخر التضامن الأوروبي مع إيطاليا، التي تتصدر الدول الأوروبية المبتلاة بجائحة كورونا، في إعادة تدوير دعوات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي والتشكيك في جدوى مؤسساته أسوة ببريطانيا. ولئن قلل القادة الأوروبيون في وقت سابق من شأن هذه الدعوات فإن تأسيس حزب سياسي يرفع شعار الانفصال في روما تزامنا مع أزمة اقتصادية أوروبية حادة قد يقلب المعطيات.

روما – يعكس تأسيس حزب سياسي يهدف إلى انفصال روما عن الاتحاد الأوروبي مدى جدية هذا الطرح ومقبوليته داخل أوساط اجتماعية إيطالية تنامى غضبها من “تقصير” مؤسسات الاتحاد في نجدتها عقب انتشار فايروس كورونا، ما شكك في مبدأ التضامن والعمل الأوروبي المشترك وأجج النعرات الانفصالية.

وأعلن عضو في مجلس الشيوخ الإيطالي الخميس تأسيس حزب سياسي يهدف إلى إخراج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أيام قليلة على حصول روما على حزمة إغاثة من التكتل لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، يصفها الشعبويون بالمتأخرة.

وقدم جانلويجي باراغونه، وهو صحافي تلفزيوني سابق، حزبه الذي أطلق عليه “إيطاليكست” بعد يومين على اجتماع في لندن مع رئيس حزب “بريكست” نايجل فاراج، الذي لعب دورا حاسما في قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وأشار باراغونه إلى استطلاع أجراه معهد بييوبلي في أواخر يونيو، أظهر أن قرابة 7 في المئة من الإيطاليين سيصوتون على الأرجح لصالح حزب يقود حملة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وقال السياسي اليميني المتطرف إن “الإجماع سيزيد فحسب، تماشيا مع الأكاذيب التي تقولها لنا أوروبا”.

وباراغونه الذي كان مرتبطا سابقا بحزب الرابطة بزعامة ماتيو سالفيني اليميني المتطرف، انتخب على لائحة حركة الخمس نجوم المناهضة للمؤسسات، لكنه سرعان ما انسحب منها بعدما شكلت حكومة مع الحزب الديمقراطي المؤيد لأوروبا العام الماضي، حيث خففت كل من حركة الخمس نجوم وحزب الرابطة مواقفهما المناهضة لمنطقة اليورو، لجذب ناخبين أكثر اعتدالا.

وذكر المحلل السياسي وخبير الاستطلاعات ريناتو مانهايمر أن مشاعر الإيطاليين تجاه الاتحاد الأوروبي “تغيرت كثيرا في الأشهر القليلة الماضية رغم أننا مازلنا أقل الدول ثقة ببروكسل”.

وقال إن ما اعتبر فشلا أوليا من جانب الكتلة الأوروبية للاستجابة بسرعة لفايروس كورونا في إيطاليا، أثار غضب وخيبة الشعب، لكن مذاك تصاعدت نسبة التأييد مجددا للاتحاد الأوروبي.

وتابع إن “غالبية الإيطاليين لا يريدون الخروج من الاتحاد الأوروبي. فقط حوالي 30 في المئة، ترتفع إلى 40 في المئة في بعض الفترات، يقولون نعم للانسحاب. وترتفع قليلا في المقابل نسب الإيطاليين المؤيدين للانسحاب من منطقة اليورو”.

7 في المئة من الإيطاليين سيصوتون على الأرجح لصالح حزب يقود حملة انفصال عن الاتحاد

وبينما ينخرط الاتحاد في مفاوضات مع بريطانيا للاتفاق على شكل العلاقة المستقبلية بينهما بعد انسحاب لندن رسميا في 31 يناير الماضي، يحذر مراقبون من أن إيطاليا قد تحذو حذو بريطانيا، ما يهدد مستقبل الوحدة الأوروبية.

وأشاروا إلى ضرورة عدم التقليل من شأن تشكل لبنة انفصالية في إيطاليا قد تستثمر الأزمة الاقتصادية الحالية الناتجة عن تداعيات كورونا في مزيد التحشيد لدعواتها التي أصبحت تجد آذانا صاغية داخل الأوساط الإيطالية الأقل تطرفا.

ونبه هؤلاء أيضا إلى الدعم الخارجي الذي تتلقاه مثل هذه الأحزاب في نشر أفكارها داخل مجتمعاتها، فالحلفاء (الولايات المتحدة) والأعداء (الصين وروسيا) يدفعون بأشكال مختلفة نحو إضعاف الوحدة الأوروبية في المقام الأول تمهيدا لتفكيك مؤسسات التكتل.

وفي وقت سابق تعهد ستيفن بانون، كبير مستشاري البيت الأبيض السابق للشؤون الاستراتيجية، بتوحيد الشعبويين اليمينيين في أوروبا وإسقاط الاتحاد الأوروبي في شكله الحالي.

وأسس بانون مؤسسة ”ذا موفمنت” في بروكسل، عرض من خلالها تقديم المساعدة للأحزاب المناهضة لليورو لكي تفوز بانتخابات البرلمان الأوروبي.

وفي مقابلة مع صحيفة “دايلي بيست”، قال بانون إنه أجرى محادثات مع مجموعات يمينية من أنحاء أوروبا على غرار فاراج في بريطانيا وأعضاء من التجمع الوطني في فرنسا بزعامة مارين لوبان وصولا إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وبعد أن وجد بانون حليفا في جنوب القارة الأوروبية ومعجبا بآرائه في شرقها أصبح يتطلع الآن لشمالها لضم أنصار جدد لحملته لتقويض الاتحاد الأوروبي.

وهو يعتقد أن الوقت أصبح مثاليا بعد أن صوت الناخبون في السويد، التي اشتهرت بأنها دولة ليبرالية، بأعداد قياسية لحزب يميني يريد إجراء استفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

ويريد بانون، الذي ساهم في وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إحداث ثورة على مؤسسات الحكم القائمة في أوروبا مماثلة للتحول الذي شهدته الولايات المتحدة.

وقد ضمن بالفعل تأييد أبرز زعماء إيطاليا المشككين في الوحدة الأوروبية وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني لقضيته كما أثنى على مشروع مناهض آخر للوحدة الأوروبية هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

ولا يخفي الرئيس الأميركي دفعه باتجاه تغذية الدعوات المطالبة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، حتى أنه ألقى بثقله السياسي خلف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في معركته الداخلية للانفصال.

وفي المقابل يمثل ارتفاع أعباء المديونية في إيطاليا قلقا مزمنا في بروكسل، خاصة مع انخراط روما في مشروع “طريق الحرير” الصيني الذي تعتبره مؤسسات التكتل خطرا على تماسكها ووحدتها.

وفي تصريحات لموقع “بريكست ووتش”، حذّر الاقتصادي البريطاني روجر بوتل، رئيس شركة الاستشارات والأبحاث “كابيتال إيكونوميكس”، من أن الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار أمام مشكلات ما بعد أزمة وباء كورونا.

وركز بوتل على إيطاليا باعتبارها حالة “غير مستقرة على الإطلاق”، متوقعا أن يضطر ثالث أكبر اقتصاد في دول منطقة اليورو إلى التخلف عن سداد الديون (إفلاس)، ما سيؤدي إلى فوضى في الاتحاد الأوروبي.

وأضاف “لا أتصور أن ينمو الاقتصاد الإيطالي بينما إيطاليا مازالت عضوا في مجموعة دول اليورو”.

وحسب تقديره فإن “الدين الإيطالي سيصبح غير قابل للاستمرار، فكيف الخروج من أزمة المديونية؟ يمكن توريق الدين وتقديم منح كبيرة، لكن مع عبء ديون بهذا الحجم اضطرت دول إلى إعلان الإفلاس. يمكن لإيطاليا أن تعلن الإفلاس، لكن هل ستفعل ذلك وتظل عضوا في مجموعة دول اليورو؟”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: