مشروع التقارب مع الإسلاميين يفجر أزمة داخل الأصالة والمعاصرة المغربي

تتفاقم الأزمة التي يمر بها حزب الأصالة والمعاصرة والتي نجمت عن اتباع أمينه العام عبداللطيف وهبي لمواقف وسياسات تحيد بشكل واضح عن المنهج السياسي للحزب الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة في المغرب، لكن محاولاته للتقرب من الإسلاميين وضعته أمام غضب حرج من الكواليس الضيقة للحزب ليصبح معلنا حيث هدد قياديون بتصعيد احتجاجهم من المتوقع أن يقود في نهاية المطاف إلى إجبار القيادة الحالية على التنحي.

تتزايد الخلافات داخل حزب الأصالة والمعاصرة ليتخذ استياء القيادات من مواقف الأمين العام عبداللطيف وهبي شكلا أكثر حدة بالتعبير عن انتقاداتهم له علنا وصراحة في بيان يعد أحدث تداعيات الجدل الذي خلفه لقاء الأسبوع الماضي بين وهبي وسعدالدين العثماني رئيس الحكومة وأمين عام حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

وتوقع الرئيس السابق لكتلة الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي محمد أبودرار، رحيل القيادة الحالية للحزب نتيجة حدة الغليان الداخلي بسبب أسلوبها غير المسبوق في تسيير شؤون الحزب والذي وصفه بـ”الكارثي” إلى جانب القضايا المرفوعة ضدها في التزوير.

وأكد أبودرار في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، أن القضاء الاستعجالي أحال الاثنين ملف إبعاده (أبودرار) من رئاسة الفريق البرلماني للحزب دون سند قانوني بالإضافة إلى ملف قرارات الأمين العام إلى النيابة العامة للتحقيق في ملابساتها، وهو ما اعتبره تطورا مهما في مسار القضية، موردا أن مثول القيادة الحزبية أمام النيابة العامة وقاضي التحقيق سبب كاف لتقديم استقالتها من المسؤولية الحزبية.

واستنكر العشرات من القياديين داخل الحزب، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة في المغرب، الأزمة الداخلية التي يعيشها الحزب حاليا، حيث حملوا المسؤولية كاملة لرئيسه في ما أسموه “حجم الإذلال والإساءة المباشرة” التي لحقت الحزب جراء تصريحات قياديين من حزب العدالة والتنمية، إثر اللقاء الذي جمع وهبي بالعثماني قبل أيام.

واستفز تصريح العثماني عند حديثه عن استقلالية القرار الحزبي وخدمة مصالح المواطنين كشروط ضمنية “لوضع النقاط على الحروف” وللتداول “في الصيغ الممكنة للعمل سويا”، إلى جانب حديثه عن “تصفية تركة الماضي، والحقائق الخفية، والصفحات المرعبة” قيادات حزب الأصالة والمعاصرة وأثارت تصريحات العثماني نقاشا بينهم.

قياديو حزب الأصالة والمعاصرة يهددون بتصعيد احتجاجهم ضد سياسات وتحركات عبداللطيف وهبي

وذكر بيان موقع من 50 قياديا بحزب الأصالة والمعاصرة أن ما وقع “يضع هذا اللقاء في موقع الشبهة السياسية التي تدين القيادة الحالية وتضعها خارج الرهانات الحقيقية للحزب وهويته، ومشروعه الحداثي الديمقراطي، بقبولها وضعية التبعية من خلال استجداء خصم سياسي لطالما هاجم مؤسسي مشروع حزب الأصالة والمعاصرة والقيادات التي تعاقبت على تسييره.

واستنكر البيان “الاستمرار في نعت حزبنا بأبشع وأحط النعوت التي وصلت إلى اتهامات جنائية رخيصة أمام صمت مخجل لمهندسي هذا اللقاء المشؤوم”.

وأكد أبودرار أن نهج الانفتاح على مختلف الشركاء السياسيين الذي يتبناه حزب الأصالة والمعاصرة مختلف عما تفعله القيادة الحالية ما يفسر بأنه فقدان واضح للبوصلة. واعتبر أن هذا الأمر أسوأ ما يمكن أن يعيشه أي تنظيم سياسي، فما يفعله وهبي كممثل لتيار معين في حزب الأصالة والمعاصرة -في محاولة تقربه من حزب العدالة والتنمية- يدخل في إطار البلبلة الفكرية والارتباك في الاصطفاف السياسي.

ووضع القيادي في حزب العدالة والتنمية عبدالعالي حامي الدين، شروطا لبناء علاقة مع الأصالة والمعاصرة من قبيل “تصفية الجرائم التي ارتكبت في العهد السابق لحزبه”، و”تصفية تركة الماضي بالكشف عن الحقائق الخفية التي توجد في أرشيف الأصالة والمعاصرة، وداخل مطبخ الشؤون المالية الذي كان يشرف عليه إلياس العماري (الأمين العام السابق لحزب الاصالة والمعاصرة)”.

وعبر أبودرار عن مدى استيائه من الأمين العام للأصالة والمعاصرة، معتبرا أنه لم يكفه الانخراط في معارك وحروب بالوكالة ضد خصوم حزب العدالة والتنمية، مستغلا في ذلك المؤسسات الحزبية وفريق الحزب داخل البرلمان، بل تعداها لدعم وتزكية تصريحات شاذة لبعض صقور حزب العدالة والتنمية الذين اغتنموا الفرصة لاستهداف رموز ومؤسسي الأصالة والمعاصرة.

وطالبت البرلمانية عن الأصالة والمعاصرة ابتسام عزاوي، الأمين العام للحزب بفتح تحقيق قضائي في “الاتهامات الخطيرة” التي وردت في تصريحات حامي الدين بخصوص الجرائم التي ارتكبت في العهد السابق.

محاولاته للتقرب من الإسلاميين وضعته أمام غضب حرج

وأكد المعارضون لتوجهات وهبي أنهم “غير مستعدين أن نتلقى دروسا من حزب العدالة والتنمية” مشددين على ضرورة أن يقدم هذا الحزب للشعب المغربي حصيلة تجربتين حكوميتين، وتوضيحا في التهم الجنائية التي ما زالت تلاحق قيادييه ومنهم حامي الدين نفسه.

وأشار البيان إلى “تحريف وتشويه المنطلقات التأسيسية لحزب الأصالة والمعاصرة، وتموقعاته داخل المشهد السياسي المغربي بحثا عن تحالفات هجينة، ومناصب حكومية”.

وذكر أن ذلك لا يسيء فقط إلى المسار السياسي والنضالي للأجيال التي تعاقبت على المسؤولية داخل الحزب، “بل يضرب في العمق التوازنات السياسية المطلوبة في المشهد الحزبي، ويشوه الفعل السياسي القائم على تباين المنطلقات والمرجعيات”.

وحمّل المحتجون القيادة الحالية التي تسير حزب الأصالة والمعاصرة باسم تيار بعينه “المسؤولية السياسية الكاملة عن تبعات ونتائج هذه الخرجات المذلة والمسيئة إلى كل المنتسبات والمنتسبين إلى هذا المشروع الذي راهن عليه المغاربة”.

وقالوا “بالمقابل نحتفظ بحقنا في اتخاذ ما نراه مناسبا للرد على هذه الانحرافات والانزلاقات غير المسبوقة في مسار حزبنا”.

ولفت أبودرار إلى أن هناك رغبة قوية للعديد من القيادات والقواعد في مغادرة الحزب، خاصة أمام تعنت القيادة الحالية وإمعانها في الهيمنة على مؤسسات الحزب. ولفت إلى أنه بدلا من احتواء الأزمة لتهدئة الغاضبين وفتح حوار معهم، جاء رد وهبي “متعاليا” حيث قلّل من شأن المنتفضين ضد سياسته واعتبر أن احتجاجهم وانتقاداتهم “مجرد حملة انتخابية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: