لا تفضل الشاعرة المغربية علية الإدريسي تقسيم الأدب جنسيا، كما تتعامل مع قصيدتها بتركيز عال على الاشتغال اللغوي والفكري والعاطفي. التقتها “العرب” وحاورتها حول تجربتها الإبداعية المتحققة، وملامح الكتابة النسوية الفاعلة كصوت للمرأة الحاضرة، ومستجدات قصيدة النثر الراهنة، وتأثيرات وباء كورونا على المشهد، وقضايا أخرى متعددة. في عالم لا يتوقف عن دورانه بالألم واللذة، لا تقيم الشاعرة المغربية علية الإدريسي وزنا إلا لومضات الجمال الخاطفة التي لا تزال قادرة على التسرب خلسة من بين الشقوق. هي قادرة بالكلمة على صنع أعشاش في قلب شجرة، حيث تكتب من مدينة صغيرة اسمها الكون، وحروفُها دائما ماءُ أنوثتها؛ كلما تشققتْ هي من ظمأ. دواوين الشاعرة علية الإدريسي البوزيدي مغلّفة دائما بالتحدي، ومنبئة عناوينها بالرغبة في ارتياد المستحيل، والتحايل على الأزمات الفردية والجماعية بالأمل والصمود، فالهواء لديها هو “هواء طويل الأجنحة”، والظلال لو سقطتْ فإنها “ظلال تسقط إلى أعلى”، والحانة الروحية حتما “سيأتيها النبيذ”. لعبة الوقت في أحدث أعمالها “أزهار تقلدني في السقوط”، الصادر عن دار التوحيدي بالرباط، تحوّلت الشاعرة المتمردة إلى عود ثقاب، به تخطّ خرائط حرائقها التي كان آخر حدودها الجنون، أملا في نجاة الذات من ذلك السجن الداخلي، الذي بات كلّ مبدع يحمله في داخله. تعيش الحياةُ الحالية أياما مجدبة قاحلة، وتعاني قلقا كبيرا، وتشككا، وضبابية تكاد تقترب من العتمة. لكن رهانها في هذه الأجواء المتشابكة ينعقد على ذلك “الحب الذي على قيد الحياة”، حيث تسعى إلى تفادي الخرائب بعشبها الأخضر، وخربشات الطفولة التي تعيد المعاني إلى كل الموجودات “رأسي يصطاد وديانا صغيرة، كلما مرّ العالَمُ مرتعشا كنزلة برد”. “أنتِ ضيفة.. وبيتكِ الموت، تقول الحياة”، بذلك آمنت علية، فأدركت مبكرا أن العشق المخطوف والابتسامات المسروقة والأشياء البسيطة والأفراح الصغيرة هي الطرق البديلة المتاحة لكي يشعر الإنسان بأنه قادر على الاستمرار، وبأن المضخة التي في صدره هي قلب ينبض. الشاعرة لا تشغل بالها بالتصنيفات والتعميمات الجنسية، فهي محتمية أكثر بما هو إنساني وما هو كوني وتقول في حديثها لـ”العرب”، “هذه الحقيقة المشحونة بالفقدان الدائم، والسابحة في مجرات الذاكرة الحية، جعلتني أرمي ثيابي منذ كنت نطفة في صفحات أحلام تركل أكياس النفاق المهرب. وعلى النافذة تركتُ بذورا تستدل بها عصفورة قلبي على اكتظاظ أنفاسي، في أقصى زاوية حب”. في الماضي، عَلَّبتْ الإدريسي قِطَعَ غضبٍ قديمٍ، ويبّستْ آهات نرد شارد، وأجّرت قبرها، وطَلَبَتْ لنفسها عصيرَ برتقال، وتستطرد “في الحاضر، أستمع للأغاني القديمة، أجالس وعود يدي، أمشّط شعر ابتساماتي، أعطل لمح البصر، أجرّ قلبي الذي ليس فارغا منذ سنوات برق، وأطلب لنفسي فنجان قهوة، لكنها مُرّة. وفي المستقبل سأنظر إلى نفسي، لن أحذرها من رأسي الصغير، سأنظر إلى الحب، كما أدعو الطيور إلى قلب شجرة. سأرمي بتركيزي الطفولي على أطراف قوس قزح، وسأطلب لنفسي ماء زلالا”. هكذا أرجوحة الوقت في قصائد الشاعرة، التي ارتضت مثلما تقول بأن تبعثر شواهد غيابها كروح لا تفرغ من النسيان، وتسقي ألعابها برزخ التجربة، رغم جفاف تربتها، حتى والربيع يدخل من أرض غيرها، نجحتْ في رسم حواجبها، التي لم يبلغ صبرها من النتف عتيّا “يدي أشبكها، أجلسني قبالة مزهرية، الضوء في السماء.. هل مرّ الحب من هنا”. النسوية والخصوصية بطريقة ما، تدقّ الشاعرة علية الإدريسي الباب، لكنها قد تقصد إقناعه بألا يفتح! لملامح النسوية العامة حضور في كتابتها، لاسيما باعتبار أن المرأة هي صوت الطبيعة الأصدق، لكن الخصوصية هي النبرة الأعلى في قصائدها، سواء في التمايز المألوف بين ما هو أنثوي وذكوري في النص الشعري، أو في الاختلاف الدقيق بينها وبين رفيقات جيلها، في المغرب والعالم العربي، من جهة أخرى. وتعلّق في حوارها بأنها لا تشغل بالها بالتصنيفات والتعميمات، محتمية أكثر ما تحتمي بما هو إنساني، وما هو كوني. الشاعرة المتمردة تحوّلت إلى عود ثقاب، به تخطّ خرائط حرائقها وتقول “على سطح منزلنا كنت أجلس، تحت سماء في بؤبؤ زرقتها، حتى أشاركها تلك الحقول الشاسعة التي كانت تتجند بالفزاعات، مخافة أن يداهمها سرب من آكل الحب. لا شأن لي بكاميرات المراقبة، ولا هناك رغبة في تقصي عورات الأشجار والأنهار والوديان. عندما أعانق نصّا أتماهى معه بكل حواسي، وآخذه إلى أعماقي. لا أريد إفساد حزني، الذي ربيته كبيت تقليدي، لذا أنا مع عبور هذه الجسور كلها بخفة دمعة، وانتظار تلك الجروح التي ستخرج لمواعدتي، ربما عليَّ الغطس في فتحات ضيقة، ليصبح جسدي مشدودا كرغيف خبز بارد، ثم انتظار متسلق يجمع الليل في نظرة حزن أو فرح”. وتشير الإدريسي إلى أن الكتابة أمر شخصي جدّا، نجدها في تفاصيل عديدة متنوعة، كتنوع هذه الرسائل التي سرقت من عوالم وأكوان، وألفت حولها حكايا حتى صار لها (الورقة البيضاء) جسد وروح مدونان تحت اسم في سجلات الإيداع القانوني “أنا لستُ قلقة إلا على علية، التي تطلب مني أن أكتب حتى أشارك مبدعا/ مبدعة عقيقة ذرية حبه/ حبها للورقة البيضاء”. يُخبر الواقع بأن المرأة المغربية، والعربية عموما، تعاني من قضايا وإشكالات كثيرة، يتعلق بعضها بالجندر أو النوع، ومن ثم فقد تثار تساؤلات حول طبيعة كتابة المرأة، وهل الأنسب لها أن تتسع أحيانا لقضاياها النوعية أكثر، أم أن هموم الأنثى هي من أشغال كل صاحب قلم وضمير بغض النظر عن جنسه؟ تؤمن الشاعرة بأن الكاتب إنسان أولا وأخيرا، وعندما تلمع في روحه بوادر قضية ما، يحجز تذكرته، ويظل مستيقظا، وتقول “حين أفكر في هذا الكم الهائل كله من الكتابات، الذي وصلنا، رغم حقول الألغام ووعورة المسالك، وأجد أن هذا العالم لن تتوقف آلامه ولذاته، لا ألتفت إلا لشذرات البهاء التي تشق الصخور. عندما يغويني نص ما، أتقاطر فيه، دون النظر إلى جنس كاتبه. فقط أتصالح مع إنسانيتي بقبلة وحضن. يمكنني الصمت قليلا لأنني أشعر بتلك الطفلة لا تغادرني حتى أجنس نصّا، لذا ما دامت إشكالات العالم تلقي بحملها على كل الحيوات، فعلى الكاتب أن يظل إنسانا، لأننا نحتاج إلى كل الألوان التي تجعل اللوحة تنزف إشعاعا”. لا تثق الشاعرة المغربية بأحد، فقط هي تحتاج معزوفة يسمعها صديقها التمثال. وسط ملايين الآدميين، لا يزال يسيطر عليها الارتباك والتشوّق إلى الآخر الغائب، راحلا كان أو غير موجود أصلا. توضح الشاعرة أنها كلما فرغت من ديوان لها، تفاقم إحساسها بالفقد، ففي كل إصدار هي تجهض جنينا كان يمكنه أن يعيش حياة طويلة في داخلها. شرفة لرؤية الذات والعالم وتقول “عبثا أحاول أن أكون وفية للصمت، فرأسي يرتب دائما مواعيد مع الخيانة. في ديواني الأخير ‘أزهار تقلدني في السقوط ‘، كنت والموت نقيم في منزل واحد، وكان يجب أن يكون هناك من يتلقى اللكمات نيابة عني. لماذا اخترتُ السقوط، ولربما إلى أعلى؟ كمن يبحث عن أزهار منطلقة من كل تلك المسافات الهادرة في روحي، خرجتُ لعقد صفقة مع الأودية والشلالات، ما فاض عن صمتي دفعته خارجا لأرتاح”. “لأقع في الحياة، يلزمني موت، وطفلة”. وسط اتهامات لقصيدة النثر العربية الراهنة بأنها باتت أحيانا استسهالية ومكرّرة، حافظت علية الإدريسي على حيويتها وبراءتها وطزاجتها في إطار تعبيرها عن المجاني واليومي والعابر، ربما لأنها لا تزال طفلة لم تستوعب بعدُ كونا خاليا من الألعاب وأعين الصغار الملونة. تشير الشاعرة إلى أنه لا شيء في الخارج عادة، لكن يحلو لها أن تكتب بريدا يهادن أخطاءها تارة، وتارة أخرى تستشرف تيهها إلى أن يغرق الموت. وتوضح “يُفترض لليوم أن يعيش رحابة وقته الراكد المتجدد، ويُفترض لي كطفلة رشق هذا اليوم الذي بالكاد أعرفه ولا يعرفني. كبصّارة أورّط أوراق اللعب في فتح النوافذ المغلقة، وتبديد الجفاء القاتل سباحة على ظهر الطريق، حيث هناك يوم آخر ألتقط فيه ما قد لا يلتفت إليه الكبار”. بالالتفات إلى جائحة كورونا الأخيرة، وتمثلاتها الإبداعية والنقدية والفلسفية، ومدى استيعاب قصيدة النثر الجديدة للتغيرات البشرية والعالمية بسبب هذا الوباء. وتختتم علية الإدريسي حديثها مع “العرب” بقولها “لكل كتابة سقف، ولكل سقف مصير، ولكل مصير قلق. ما قبل كورونا والحجر الصحي، عزلتني أمي في بطنها تسعة أشهر، عزلني نومي في الغرفة، عزلني الحب كضريبة لا بد منها، عزلني الحزن في آهات دفينة، عزلني الهاتف في دردشة متفرقة. وحدها الورقة البيضاء لم تعزلني عن نفسي، ولا أظنها ستستهلك كاتبا متفتقا قلبه، لأن مصيره ارتبط بالعزلة، وكل واحد منا صار يحمل سجنه في داخله. ما أعتقده أن أكبر نسبة ناجية من الجائحة هم الكتّاب، ويبقى العالم مسرحية كونية قبل الوباء وبعده، فهل سننجو؟!”.
لا تفضل الشاعرة المغربية علية الإدريسي تقسيم الأدب جنسيا، كما تتعامل مع قصيدتها بتركيز عال على الاشتغال اللغوي والفكري والعاطفي. التقتها “أخبارنا الجالية ” وحاورتها حول تجربتها الإبداعية المتحققة، وملامح الكتابة النسوية الفاعلة كصوت للمرأة الحاضرة، ومستجدات قصيدة النثر الراهنة، وتأثيرات وباء كورونا على المشهد، وقضايا أخرى متعددة.
في عالم لا يتوقف عن دورانه بالألم واللذة، لا تقيم الشاعرة المغربية علية الإدريسي وزنا إلا لومضات الجمال الخاطفة التي لا تزال قادرة على التسرب خلسة من بين الشقوق. هي قادرة بالكلمة على صنع أعشاش في قلب شجرة، حيث تكتب من مدينة صغيرة اسمها الكون، وحروفُها دائما ماءُ أنوثتها؛ كلما تشققتْ هي من ظمأ.
دواوين الشاعرة علية الإدريسي البوزيدي مغلّفة دائما بالتحدي، ومنبئة عناوينها بالرغبة في ارتياد المستحيل، والتحايل على الأزمات الفردية والجماعية بالأمل والصمود، فالهواء لديها هو “هواء طويل الأجنحة”، والظلال لو سقطتْ فإنها “ظلال تسقط إلى أعلى”، والحانة الروحية حتما “سيأتيها النبيذ”.
لعبة الوقت
في أحدث أعمالها “أزهار تقلدني في السقوط”، الصادر عن دار التوحيدي بالرباط، تحوّلت الشاعرة المتمردة إلى عود ثقاب، به تخطّ خرائط حرائقها التي كان آخر حدودها الجنون، أملا في نجاة الذات من ذلك السجن الداخلي، الذي بات كلّ مبدع يحمله في داخله.
تعيش الحياةُ الحالية أياما مجدبة قاحلة، وتعاني قلقا كبيرا، وتشككا، وضبابية تكاد تقترب من العتمة. لكن رهانها في هذه الأجواء المتشابكة ينعقد على ذلك “الحب الذي على قيد الحياة”، حيث تسعى إلى تفادي الخرائب بعشبها الأخضر، وخربشات الطفولة التي تعيد المعاني إلى كل الموجودات “رأسي يصطاد وديانا صغيرة، كلما مرّ العالَمُ مرتعشا كنزلة برد”.
“أنتِ ضيفة.. وبيتكِ الموت، تقول الحياة”، بذلك آمنت علية، فأدركت مبكرا أن العشق المخطوف والابتسامات المسروقة والأشياء البسيطة والأفراح الصغيرة هي الطرق البديلة المتاحة لكي يشعر الإنسان بأنه قادر على الاستمرار، وبأن المضخة التي في صدره هي قلب ينبض.
الشاعرة لا تشغل بالها بالتصنيفات والتعميمات الجنسية، فهي محتمية أكثر بما هو إنساني وما هو كوني
وتقول في حديثها لـ”أخبارنا الجالية ”، “هذه الحقيقة المشحونة بالفقدان الدائم، والسابحة في مجرات الذاكرة الحية، جعلتني أرمي ثيابي منذ كنت نطفة في صفحات أحلام تركل أكياس النفاق المهرب. وعلى النافذة تركتُ بذورا تستدل بها عصفورة قلبي على اكتظاظ أنفاسي، في أقصى زاوية حب”.
في الماضي، عَلَّبتْ الإدريسي قِطَعَ غضبٍ قديمٍ، ويبّستْ آهات نرد شارد، وأجّرت قبرها، وطَلَبَتْ لنفسها عصيرَ برتقال، وتستطرد “في الحاضر، أستمع للأغاني القديمة، أجالس وعود يدي، أمشّط شعر ابتساماتي، أعطل لمح البصر، أجرّ قلبي الذي ليس فارغا منذ سنوات برق، وأطلب لنفسي فنجان قهوة، لكنها مُرّة. وفي المستقبل سأنظر إلى نفسي، لن أحذرها من رأسي الصغير، سأنظر إلى الحب، كما أدعو الطيور إلى قلب شجرة. سأرمي بتركيزي الطفولي على أطراف قوس قزح، وسأطلب لنفسي ماء زلالا”.
هكذا أرجوحة الوقت في قصائد الشاعرة، التي ارتضت مثلما تقول بأن تبعثر شواهد غيابها كروح لا تفرغ من النسيان، وتسقي ألعابها برزخ التجربة، رغم جفاف تربتها، حتى والربيع يدخل من أرض غيرها، نجحتْ في رسم حواجبها، التي لم يبلغ صبرها من النتف عتيّا “يدي أشبكها، أجلسني قبالة مزهرية، الضوء في السماء.. هل مرّ الحب من هنا”.
النسوية والخصوصية
بطريقة ما، تدقّ الشاعرة علية الإدريسي الباب، لكنها قد تقصد إقناعه بألا يفتح! لملامح النسوية العامة حضور في كتابتها، لاسيما باعتبار أن المرأة هي صوت الطبيعة الأصدق، لكن الخصوصية هي النبرة الأعلى في قصائدها، سواء في التمايز المألوف بين ما هو أنثوي وذكوري في النص الشعري، أو في الاختلاف الدقيق بينها وبين رفيقات جيلها، في المغرب والعالم العربي، من جهة أخرى.
وتعلّق في حوارها بأنها لا تشغل بالها بالتصنيفات والتعميمات، محتمية أكثر ما تحتمي بما هو إنساني، وما هو كوني.
وتقول “على سطح منزلنا كنت أجلس، تحت سماء في بؤبؤ زرقتها، حتى أشاركها تلك الحقول الشاسعة التي كانت تتجند بالفزاعات، مخافة أن يداهمها سرب من آكل الحب. لا شأن لي بكاميرات المراقبة، ولا هناك رغبة في تقصي عورات الأشجار والأنهار والوديان. عندما أعانق نصّا أتماهى معه بكل حواسي، وآخذه إلى أعماقي. لا أريد إفساد حزني، الذي ربيته كبيت تقليدي، لذا أنا مع عبور هذه الجسور كلها بخفة دمعة، وانتظار تلك الجروح التي ستخرج لمواعدتي، ربما عليَّ الغطس في فتحات ضيقة، ليصبح جسدي مشدودا كرغيف خبز بارد، ثم انتظار متسلق يجمع الليل في نظرة حزن أو فرح”.
وتشير الإدريسي إلى أن الكتابة أمر شخصي جدّا، نجدها في تفاصيل عديدة متنوعة، كتنوع هذه الرسائل التي سرقت من عوالم وأكوان، وألفت حولها حكايا حتى صار لها (الورقة البيضاء) جسد وروح مدونان تحت اسم في سجلات الإيداع القانوني “أنا لستُ قلقة إلا على علية، التي تطلب مني أن أكتب حتى أشارك مبدعا/ مبدعة عقيقة ذرية حبه/ حبها للورقة البيضاء”.
يُخبر الواقع بأن المرأة المغربية، والعربية عموما، تعاني من قضايا وإشكالات كثيرة، يتعلق بعضها بالجندر أو النوع، ومن ثم فقد تثار تساؤلات حول طبيعة كتابة المرأة، وهل الأنسب لها أن تتسع أحيانا لقضاياها النوعية أكثر، أم أن هموم الأنثى هي من أشغال كل صاحب قلم وضمير بغض النظر عن جنسه؟
تؤمن الشاعرة بأن الكاتب إنسان أولا وأخيرا، وعندما تلمع في روحه بوادر قضية ما، يحجز تذكرته، ويظل مستيقظا، وتقول “حين أفكر في هذا الكم الهائل كله من الكتابات، الذي وصلنا، رغم حقول الألغام ووعورة المسالك، وأجد أن هذا العالم لن تتوقف آلامه ولذاته، لا ألتفت إلا لشذرات البهاء التي تشق الصخور. عندما يغويني نص ما، أتقاطر فيه، دون النظر إلى جنس كاتبه. فقط أتصالح مع إنسانيتي بقبلة وحضن. يمكنني الصمت قليلا لأنني أشعر بتلك الطفلة لا تغادرني حتى أجنس نصّا، لذا ما دامت إشكالات العالم تلقي بحملها على كل الحيوات، فعلى الكاتب أن يظل إنسانا، لأننا نحتاج إلى كل الألوان التي تجعل اللوحة تنزف إشعاعا”.
لا تثق الشاعرة المغربية بأحد، فقط هي تحتاج معزوفة يسمعها صديقها التمثال. وسط ملايين الآدميين، لا يزال يسيطر عليها الارتباك والتشوّق إلى الآخر الغائب، راحلا كان أو غير موجود أصلا. توضح الشاعرة أنها كلما فرغت من ديوان لها، تفاقم إحساسها بالفقد، ففي كل إصدار هي تجهض جنينا كان يمكنه أن يعيش حياة طويلة في داخلها.
وتقول “عبثا أحاول أن أكون وفية للصمت، فرأسي يرتب دائما مواعيد مع الخيانة. في ديواني الأخير ‘أزهار تقلدني في السقوط ‘، كنت والموت نقيم في منزل واحد، وكان يجب أن يكون هناك من يتلقى اللكمات نيابة عني. لماذا اخترتُ السقوط، ولربما إلى أعلى؟ كمن يبحث عن أزهار منطلقة من كل تلك المسافات الهادرة في روحي، خرجتُ لعقد صفقة مع الأودية والشلالات، ما فاض عن صمتي دفعته خارجا لأرتاح”.
“لأقع في الحياة، يلزمني موت، وطفلة”. وسط اتهامات لقصيدة النثر العربية الراهنة بأنها باتت أحيانا استسهالية ومكرّرة، حافظت علية الإدريسي على حيويتها وبراءتها وطزاجتها في إطار تعبيرها عن المجاني واليومي والعابر، ربما لأنها لا تزال طفلة لم تستوعب بعدُ كونا خاليا من الألعاب وأعين الصغار الملونة. تشير الشاعرة إلى أنه لا شيء في الخارج عادة، لكن يحلو لها أن تكتب بريدا يهادن أخطاءها تارة، وتارة أخرى تستشرف تيهها إلى أن يغرق الموت.
وتوضح “يُفترض لليوم أن يعيش رحابة وقته الراكد المتجدد، ويُفترض لي كطفلة رشق هذا اليوم الذي بالكاد أعرفه ولا يعرفني. كبصّارة أورّط أوراق اللعب في فتح النوافذ المغلقة، وتبديد الجفاء القاتل سباحة على ظهر الطريق، حيث هناك يوم آخر ألتقط فيه ما قد لا يلتفت إليه الكبار”.
بالالتفات إلى جائحة كورونا الأخيرة، وتمثلاتها الإبداعية والنقدية والفلسفية، ومدى استيعاب قصيدة النثر الجديدة للتغيرات البشرية والعالمية بسبب هذا الوباء.
وتختتم علية الإدريسي حديثها مع “أخبارنا الجالية ” بقولها “لكل كتابة سقف، ولكل سقف مصير، ولكل مصير قلق. ما قبل كورونا والحجر الصحي، عزلتني أمي في بطنها تسعة أشهر، عزلني نومي في الغرفة، عزلني الحب كضريبة لا بد منها، عزلني الحزن في آهات دفينة، عزلني الهاتف في دردشة متفرقة. وحدها الورقة البيضاء لم تعزلني عن نفسي، ولا أظنها ستستهلك كاتبا متفتقا قلبه، لأن مصيره ارتبط بالعزلة، وكل واحد منا صار يحمل سجنه في داخله. ما أعتقده أن أكبر نسبة ناجية من الجائحة هم الكتّاب، ويبقى العالم مسرحية كونية قبل الوباء وبعده، فهل سننجو؟!”.