كدمات كورونا تصيب الاتحاد الأوروبي بالوهن والانقسام

الكثير من العمل لا يزال مطلوبا لتقريب وجهات النظر المختلفة

شعر زعماء القارة العجوز على مدار ثلاثة أيام أن اللااتفاق قد يتحول إلى سمة مستمرة على ملامح الاتحاد الاوروبي بعد أزمة كورونا لانقاذ الاقتصادات المعتلة.

كانت ليلة الأحد ليلة تاريخية حافلة بالخلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم الأول بعد انتشار وباء كورونا، وبدا كل شيء متوترا، فخطة الإنقاذ المقترحة صارت موضوع خلاف وجدل بشأن حزمة تحفيز ضخمة بالمليارات للاقتصادات المتضررة من فايروس كورونا، وكثرت التكهنات بين دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بأن المحادثات ستستمر حتى اليوم الاثنين.

واستعاد المراقبون السياسيون بعد تلك الليلة جملة شهيرة لرجل الأعمال جورج سوروس عندما قال ذات مرة “إن ما تفعله أنجيلا ميركل في منطقة اليورو هو فقط بقدر ما هو ضروري لبقائها. أعتقد أننا ما زلنا في هذا الموقف”.

وأضاف “تم وضع الخطة الفرنسية – الألمانية للإنعاش من فايروس كورونا لهذا الهدف. من الناحية القانونية، الخطة تقوم على قوانين الطوارئ بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي. لذا أحذر من افتراض سابقة: خطة الإنعاش ممكنة فقط لأنها لمرة واحدة”.

وعبر قادة الاتحاد الأوروبي الذين “استمرت المحادثات الصعبة” بينهم في بروكسل لليوم الثالث على التوالي عن مخاوفهم من أن تنتهي المفاوضات بالفشل بسبب التباعد بين مواقف الدول، على الرغم من التفاؤل الحذر بإمكانية التوصل إلى اتفاق و”التغلب على الخلافات” حتى إعداد هذا التقرير.

ويثور الخلاف على حجم صندوق التعافي الجديد ونسبة المنح والقروض، إذ تسعى بعض الدول الأكثر ثراء بقيادة هولندا لتقييد ذلك، بما يسلط الضوء على عمق الانقسام بين دول شمال وجنوب الاتحاد الأوروبي.

ودعا رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس الذي تعافت بلاده أخيرا من أزمة دين لازمتها عشرة أعوام، إلى وحدة الصف، قائلا إن الاتحاد الأوروبي لا يسعه أن يبدو “منقسما أو ضعيفا”. وصرح للصحافيين عند وصوله إلى مبنى الاتحاد الأوروبي في بروكسل “أتمنى مخلصا أن نتمكن من كسر الجمود اليوم”.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عند وصولها إلى مقر القمة ليوم وصفته بـ”الحاسم”، إن “هناك إرادة حسنة كبيرة لكن من الممكن ألا يتم التوصل إلى نتيجة اليوم”. وأضافت “لا أستطيع حتى الآن قول ما إذا كنا سنتوصل إلى حل”.

جورج سوروس: خطة الإنعاش لأوروبا بعد كورونا ممكنة فقط لأنها لمرة واحدة

وكانت ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد غادرا السبت المرحلة الأخيرة من المحادثات غير الرسمية مبكرا، رافضين قبول مستوى أقل من 400 مليار يورو للمنح المقدمة للاقتصادات المعتلة.

وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدافع عن هذه الخطة إلى جانب ميركل من أن “التسويات” لا يمكن أن تتم “على حساب الطموح الأوروبي”.

فيما قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إن قادة الاتحاد الأوروبي الآخرين رفضوا اقتراحه بالإسراع في إجراءات حول سيادة القانون جارية ضد المجر، مما عقّد المحادثات للتوصل إلى اتفاق بشأن تمويل مواجهة وباء كورونا في التكتل.

ونقلت وكالة “بلومبرج” للأنباء عن أوربان قوله على هامش نقاش بين قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل إن المجر تعارض اقتراحا هولنديا يتطلب من الدول التي تتلقى منحا الموافقة على الالتزام بسيادة القانون.

واعتبر أوربان أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي بدلا من ذلك أن يواصل الإجراء المتعلق بسيادة القانون ضد المجر والذي بدأ في 2018، بينما يوجه الموارد بأسرع ما يمكن لمحاربة الأزمة الاقتصادية الناشئة عن جائحة كورونا.

وقال أوربان إن وضع آلية جديدة تضيف شروطا إلى اعتمادات مكافحة الأوبئة “سوف يستغرق وقتا طويلا للتفاوض” لأنها أداة قانونية.

وقال “نحن لسنا ضد ذلك، دعونا نناقشه، لكن الأمر يستغرق أسابيع”.

وتعد آلية سيادة القانون المقترحة أحد المآزق الرئيسية لقادة الاتحاد الأوروبي الذين فشلوا حتى الآن في إبرام اتفاق بشأن استجابة بقيمة 750 مليار يورو للأزمة.

وأصر أوربان على أنه يجب عدم ربط سيادة القانون بميزانية الاتحاد الأوروبي كما اقترح رئيس وزراء هولندا مارك روته، متهما نظيره الهولندي بأنه يريد “معاقبته ماليا”.

وقال خلال مؤتمر صحافي “لا أعرف لأي سبب شخصي يكرهني رئيس الوزراء الهولندي أو لماذا يكره المجر”.

ووفق أوربان، فإن إنشاء مثل هذه الآلية سيتطلب “أسابيع من المفاوضات”.

وقدّر دبلوماسي أوروبي أنه “إذا فشلت القمة، فسيكون ذلك لسببين: معارضة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي المستمرة (للآلية بشأن) الإجماع الذي يطالب به روته، وإصرار (رئيسة الوزراء الفنلندية) سانا ماران وروته على سيادة دولة القانون“. وتابع “المشكلة أن هذه المسائل أساسية ولن تحل عبر قمة ثانية فقط”.

وهناك العديد من نقاط الخلاف من المبلغ الإجمالي للخطة إلى التوازن بين القروض والمنح، مرورا بالتحكم في الأموال المدفوعة وآلية تربط المنح باحترام سيادة القانون في البلدان المستفيدة. والإجماع الضروري من الدول الأعضاء الـ27 يجعل التوصل إلى تسوية مهمة شاقة.

وفي صلب المحادثات، خطة إنعاش لما بعد كوفيد – 19 بقيمة 750 مليون يورو يمولها قرض مشترك، وهي فكرة مستوحاة من اقتراح تقدم به ماكرون وميركل.

وتتألف هذه الخطة في صيغتها الأولى من 250 مليون يورو من القروض ومساعدات مالية بقيمة 500 مليار لن يترتب على الدول المستفيدة منها إعادتها، وتستند إلى موازنة طويلة الأمد (2021 – 2027) للاتحاد الأوروبي بقيمة 1074 مليار يورو.

وقدم رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال السبت اقتراحا منقحا لمحاولة تبديد التحفظات على خطة الإنعاش. ويفترض أن يقوم بذلك الأحد مرة جديدة.

حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدافع عن هذه الخطة إلى جانب ميركل من أن “التسويات” لا يمكن أن تتم “على حساب الطموح الأوروبي

ومن الخيارات المطروحة تعديل التوزيع بين القروض والمنح عن طريق زيادة حصة الأولى إلى 300 مليار (مقابل 250 في الاقتراح الأولي) من دون خفض حصة المنح المخصصة لدعم خطط الإنعاش الخاصة بدول معنية.

ومن الواضح أن “الدول المقتصدة” تفضل القروض على المنح. لكن باريس وبرلين ترفضان أن تكون قيمة المنح أقل من 400 مليار دولار.

واقترح ميشال أيضا آليّة تسمح لأيّ بلد لديه تحفّظات على خطّة إصلاح أيّ بلد آخر، بأن يفتح “خلال ثلاثة أيّام” نقاشا بمشاركة الدول الـ27 إمّا في المجلس الأوروبي وإما في مجلس وزراء الماليّة.

وهذه الخطوة هي رد على روته الذي يريد أن تتم الموافقة على هذه الخطط الوطنية بإجماع الدول الـ27، ما يمنح فعليا كل عاصمة حق التعطيل، للتأكد من أن المبالغ المقدمة لدول الجنوب التي تعتبر متراخية في ما يخصّ تطبيق شروط وضع الموازنة، ستنفق بالشكل الصحيح.

لكن هذه المطالب الملحة للإصلاحات تقلق روما ومدريد اللتين تخشيان مواجهة برنامج إصلاح مفروض (سوق العمل والرواتب التقاعدية…) مثل ما حصل مع اليونان في السابق.

كما تطرّقت القمّة إلى موضوع حسّاس آخر، هو ربط منح الأموال باحترام “دولة القانون”. وبإمكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن يستخدم حقّ النقض لصدّ أيّ محاولة لربط تمويل الموازنات بالمحافظة على المعايير القانونية الأوروبية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: