“الجنرال كوفيد” يفرض قوانينه على قمة الاتحاد الأوروبي

بدأ قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الجمعة في بروكسل أول قمة يحضرونها شخصيا منذ حوالي خمسة أشهر، تعد حاسمة لكن صعبة جدا للتوصل إلى تفاهم على خطة إنعاش اقتصادي لا تحظى بالإجماع رغم الركود التاريخي الذي يهدد القارة.

بروكسل – في اختبار مهم للدبلوماسية العالمية في زمن كوفيد – 19، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي وجها لوجه في بروكسل، الجمعة، حيث اختاروا إلقاء التحية على بعضهم البعض من خلال لمس مرافقهم.

واجتمع قادة الدول والحكومات الأوروبيون الـ27 في لقاء مباشر للمرة الأولى منذ أن فرضت دول حول العالم في مارس الماضي تدابير إغلاق بهدف احتواء تفشي الفايروس الذي يواصل انتشاره حول العالم خصوصا في الولايات المتحدة والهند والبرازيل، فيما تخشى دول أوروبية من موجة وبائية ثانية.

وأصرّ الاتحاد الأوروبي على أنه يمكن وصف القمة بأنها الأكثر نظافة على الإطلاق، إذ أظهرت صور على تويتر الموظفين وهم يمسحون قاعة المؤتمرات بالمناديل والبخاخات عالية الضخ. وأظهرت صور أخرى العمال وهم ينظفون أيديهم باستمرار.

ودخل القادة قاعة القمّة في مبنى يوروبا حيث كان في استقبالهم رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بانحناءة صغيرة ولمسة مرفق. ووضعوا كمامات خلال مراسم الاستقبال أمام الكاميرات، حيث ألقوا التحية على نظرائهم الذين لم يلتقوهم كمجموعة منذ فبراير.

ووضع البعض، بمن فيهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، كمامة من النوع الشائع الذي يمكن العثور عليه في الصيدليات المحلية. وفضّل آخرون مثل رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتيل ونظيره البلغاري بويكو بوريسوف وضع كمامات مصممة حسب الطلب تحمل أعلام بلدانهم الوطنية أو شعاراتها.

وقدّم رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، الذي ستتولى بلاده الرئاسة الدورية للتكتل لاحقا من ألمانيا في غضون ستة أشهر، علبة فخمة من الكمامات لكل من نظرائه مزيّنة بأعلام بلدانهم.

وبقيت بعض المجاملات التي لطالما طبعت قمم دول التكتل على حالها. واحتفلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعيد ميلادها الـ66 الجمعة لتقدّم لها فرنسا زجاجات من النبيذ لكن خلف الأضواء، بعيدا عن أعين باقي الحضور.

وقدّمت النمسا لها كعكة “ساخر تورته” التقليدية بالشوكولاتة التي صُنعت خصيصا للأمير كليمنس فون مترنيش الذي ترأّس قمة مهمة في عهده لتقسيم أوروبا بعد حروب نابليون.

وكان اللقاء الأخير لدول الاتحاد الأوروبي في 20 فبراير قد انتهى بفشل رغم أن المحادثات بينهم كانت تقتصر على ميزانية الاتحاد الأوروبي لفترة 2021 – 2027. وحتمت الأزمة الصحية التي طرأت منذ ذلك الحين إضافة خطة إنعاش إلى جدول أعمالهم.

خلافات عميقة

شارل ميشال: الاتفاق على خطة تعاف اقتصادي يتطلب شجاعة سياسية

هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها رؤساء دول الاتحاد الأوروبي وحكوماتها في بروكسل منذ ظهور فايروس كورونا المستجد في أوروبا، وما حتمه من تدابير حجر وتباعد أرغمتهم على التواصل عبر الفيديو.

وفيما هدد الوباء عشرات الآلاف من الوظائف، تتناول محادثات القمة الأوروبية خطة مقترحة بقيمة 750 مليار يورو تتكون من 250 مليارا من القروض و500 مليار من المنح التي لن يتوجب على الدول المستفيدة منها سدادها.

وتضاف هذه الخطة إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي لفترة 2021 – 2027 البالغة قيمتها 1074 مليار يورو والتي يتحتم على القادة الاتفاق عليها في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.

والاختلافات عميقة بين مؤيدي خطة الإنعاش التي ينبغي أن تستفيد منها دول الجنوب وفي مقدمتها إيطاليا وإسبانيا، والدول الملتزمة بأسس الميزانية الأوروبية والمعروفة باسم الدول “المقتصدة”.

وقدر رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي، زعيم بلدان الشمال “المقتصدة”، فرص نجاح القمة “بأقل من 50 في المئة”، فيما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المؤيدة للخطة إنها تتوقع “مفاوضات صعبة للغاية”. وتحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “لحظة الحقيقة والطموح بالنسبة لأوروبا”.

وتبدو المفاوضات طويلة وشاقة إذ تملك كل دولة حق النقض، وقد لا تكون هذه القمة الاستثنائية المقررة ليومين اللقاء الأخير بين القادة. ويتوقع أن تأتي المعارضة الرئيسية مرة جديدة من رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي الذي يعتبر مسؤولا جزئيا عن فشل القمة في فبراير.

وأبدى روتي الذي يتزعم مجموعة الدول المؤيدة للتقشف وهي إلى جانب هولندا النمسا والدنمارك والسويد ومعها فنلندا إلى حدّ ما، الكثير من التحفظات على خطة الدعم الاقتصادي التي تستفيد منها في المقام الأول دول الجنوب وفي طليعتها إيطاليا وإسبانيا.

وفي بروكسل، كرر مواقفه قائلا “نعم للتضامن، لكن في الوقت نفسه يمكن أن نطلب أيضا من هذه الدول أن تفعل ما بوسعها لتسوية مشاكلها بنفسها، في المرة القادمة. وهذا يتم عن طريق إصلاحات في سوق العمل ونظام التقاعد”.

وتدعو الدول “المقتصدة” إلى خفض المساعدات وتؤيد منح قروض تعيد الدول تسديدها لاحقا. كما تطالب لقاء أي مبالغ مالية بإصلاحات في الدول المستفيدة منها. وترفض دول الجنوب هذه المطالب خشية أن تضطر إلى الخضوع لخطط تفرضها دول أخرى مثلما حصل لليونان في أشدّ أزمة منطقة اليورو، ما أرغم سكانها على تقديم تضحيات صعبة.

وللسيطرة على مسار هذه الدول بطريقة أفضل، يدعو روتي إلى أن تتم المصادقة على خطط الإصلاح التي تطرحها البلدان الـ27 بالإجماع لا بالأغلبية طبقا لاقتراح شارل ميشال.

ورغم حماس رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي للخطة، إلا أن الإيطاليين منقسمون حول الخطة خشية فرض شروط على حكومتهم تقود إلى إجراءات تقشفية قاسية كما حدث في ذروة أزمة الديون السيادية قبل نحو عشر سنوات.

ويلفت رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إلى أنه “مقتنع بأن توافر الشجاعة السياسية يمكن أن يساعد في التوصل إلى اتفاق بشأن صندوق التعافي من تداعيات الوباء”.

وبحسب التوقعات، تأتي الانقسامات وسط تحذيرات خبراء الاقتصاد من الاتحاد الأوروبي يقف على حافة هاوية الركود الأعمق منذ نشأته، ويتفق قادة التكتل على أنهم يجب أن يتصرفوا بسرعة لمنع جائحة فايروس كورونا من التسبب في دمار أكبر لاقتصاداتهم المتشابكة بشدة.

كساد خطير

أثناء خوضهم الجولة الثانية من المحادثات، لا تزال دول التكتل بعيدة كل البعد عن عدد من القضايا، بما في ذلك الحجم الإجمالي لصندوق التعافي وميزانية الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل التي يرتبط بها هذا الصندوق، وكيفية الموافقة على التمويل المقدم لأكثر من دولة.

وحضّت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد قادة الاتحاد الأوروبي الخميس على الاتفاق “سريعا” على خطة مالية ضخمة لإنعاش اقتصاد التكتل، في وقت امتنع حكّام المصرف عن زيادة حزمة التحفيز الضخمة التي خصصوها لاقتصاد منطقة اليورو المتضرر بكوفيد – 19.

وأفادت لاغارد أنه على الرغم من أن النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو تحسّن في الأسابيع الأخيرة مع تخفيف تدابير الإغلاق إلا أن “الغموض لا يزال كبيرا بشأن وتيرة الانتعاش وحجمه”.

وتطرقت القمة إلى موضوع حساس آخر هو ربط منح الأموال باحترام دولة القانون، وهي مسألة تدرج لأول مرة في ميزانية الاتحاد الأوروبي غير أنها تلقى مقاومة شديدة من بولندا والمجر، البلدان اللذان باشر الاتحاد آلية بحقهما بسبب انتهاكات لاستقلالية القضاء والحقوق الأساسية.

وتعلق آمال كبرى في وسط هذه المساومات على المستشارة ميركل التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي منذ الأول من يوليو. وقال رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي عند وصوله “لسنا متفقين مع المعالجة التعسفية لمسألة دولة القانون”.

ويذكر أن ميركل وافقت على طرح فرنسا بأن يتم اقتراض أموال على نطاق واسع باسم أوروبا، متخلية بذلك عن رفض بلادها الشديد لفكرة تشارك الديون.

وباقتراحهما لحزمة مساعدات بقيمة 500 مليار يورو، وضعت ميركل وماكرون حجر أساس مهم لحزمة إعادة الإعمار المطروحة في القمة الآن، والتي تبلغ قيمتها حاليا 750 مليار يورو. ويعمل كلاهما بشدة في بروكسل من أجل اتخاذ قرار سريع بشأن حزمة المساعدات المليارية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: